وصل الفصل الأخير فى تصاعد حدّة الخلافات بين مجموعة فاجنر والقادة العسكريين فى روسيا، إلى إعلان «تمرد المجموعة»، والسيطرة على مدينة روستوف، ذات الأهمية الاستراتيجية فى مسار الحرب بأوكرانيا. وتسبب انتقاد رئيس فاجنر للمؤسسة العسكرية الروسية خلال الأسابيع الماضية إلى تصعيد التوترات بشكل كبير، لكن لم يتضح بعد مدى التهديد الذى يشكله الوضع على الكرملين، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية. وقبيل ساعات من التمرد الذى جرى أمس السبت، اتهم جنرالات روس مؤسس فاجنر بمحاولة تنفيذ انقلاب على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى خضم المواجهة المستمرة بين قائد فاجنر والجيش، الذين تنازعوا منذ شهور حول تكتيكات الحرب فى أوكرانيا. ووصف بوتين تصرفات فاجنر بأنها «طعنة فى ظهر بلادنا وشعبنا»، متعهدًا باتخاذ «إجراءات حاسمة». «سبب الخلاف» وارتفعت حدة التوترات يوم الجمعة، بعد أن اتهم قائد فاجنر، يفجينى بريجوجين الجيش الروسى بمهاجمة معسكرات مقاتليه، ما أسفر عن مقتل عدد «هائل» من عناصره، متوعدًا بالانتقام. وتعهد «بريجوجين» بأن قواته البالغ قوامها 50 ألف مقاتل ستشن هجومًا على وزارة الدفاع الروسية، على الرغم من تأكيده أن الإجراءات «ليست انقلابًا عسكريًا». وردت السلطات الروسية باتهام قائد فاجنر ب«تنظيم تمرد مسلح»، وحث قادة روس مقاتلى المجموعة بألا يكونوا «لعبة فى يده». وجه «بريجوجين» فى الأشهر الأخيرة اتهامات إلى القيادة العسكرية الروسية، إذ ألقى باللوم على الجنرالات الروس لفشلهم فى تزويد قواته بما يكفى من الذخيرة وتجاهل انتصارات مجموعته. وتسامح الكرملين مع انتقاداته المستمرة لأشهر عدّة، حتى مع إشارة محللين لسعى «بريجوجين» للحصول على نفوذ سياسى أوسع، مما قد يهدد قبضة بوتين على السلطة. وقبل أيام، رفض «بريجوجين» أمرًا من وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو يلزم جميع المشاركين فى التشكيلات التطوعية بإبرام عقود مع الوزارة. وتعود حقيقة الخلافات بين الجانبين إلى مرحلة سابقة، خاصة على هامش معركة الاستيلاء على مدينة باخموت الأوكرانية، والتى دارت على مدى الشهور الماضية، إذ كان يرغب فى الحصول على إشادة بجهود قواته وتزويدهم بالمزيد من الأسلحة والعتاد. فى مايو الماضى، أعلن بريجوجين عن استعداده لتسليم المواقع فى مدينة باخموت إلى قوات أحمد الشيشانية، وذلك على إثر خلاف مع الدفاع الروسية التى لم تزوده بالأسلحة والذخيرة على حد وصفه. كما اتهم وحدة عسكرية روسية بالفرار من مواقعها قرب باخموت، وكرر تعهده بسحب مجموعته من باخموت، إذا لم يقدم الجيش الروسى مزيدًا من الذخيرة. فى مارس الماضى، أثار التقدم الذى أحرزته مجموعة «فاجنر» بالسيطرة على بلدة زالزنيانسكى قرب وسط باخموت، توترًا مع الجيش الروسى بشأن «صاحب الانتصارات الحقيقي». وفق صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن فاجنر، تسعى لتصوير نفسها على أنها الوحدة الروسية الوحيدة القادرة على شن عمليات هجومية. أواخر ديسمبر من العام الماضي، نشر مقاتلو «فاجنر» مقطع فيديو مليئًا بالكلمات النابية الموجهة إلى القيادة العليا للجيش الروسي، متهمين إياها بحجب الذخيرة، والتسبب فى مقتل رفاقهم، كما حملت اتهامات للقيادات العسكرية فى روسيا وعلى رأسهم وزير الدفاع، ورئيس الأركان المشتركة. ومن الواضح أن الصبر الرسمى قد نفذ أمس، عندما أعلن المدعى العام الروسي، التحقيق مع «بريجوجين» بتهم تصل عقوبتها القصوى إلى السجن 20 عامًا، وفق وكالة «تاس» الروسية التى اعتبرت قائد فاجنر أنه «متهم». ويعتبر قائد «فاجنر» أحد المقربين من بوتين، ويوصف فى وسائل الإعلام الغربية ب«طباخ الرئيس الروسي»، بعدما ظهر فى إحدى المناسبات وهو يقدم طبقًا لبوتين. بحسب شبكة «بى بى سى»، فإن بريجوجين، 62 عاماً، يمتلك شركات تموين ومطاعم وتوفير الطعام والشراب للمناسبات الرسمية فى الكرملين. وظهرت فاجنر التابعة ل«بريجوجين»، لأول مرة خلال ضم روسيا لشبه جزيرة القرم فى عام 2014، ومنذ ذلك الحين مارست نفوذا نيابة عن موسكو فى سوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالى وموزمبيق، وفقًا لتقارير غربية. «تهديد» من جانبها، أكدت المخابرات الروسية أن ما اقترفه قائد تلك المجموعة العسكرية الروسية الخاصة جريمة لا تغتفر. واعتبر رئيس جهاز المخابرات الخارجية، سيرجى ناريشكين، أن محاولة الأعداء إشعال حرب أهلية فى البلاد فشلت. وقال: «الأعداء لم يتمكنوا من هزيمة روسيا لذا راهنوا على تقسيمها»، وفق ما نقلت وكالة تاس. كما رأى أن محاولة زعزعة استقرار المجتمع لم تنجح، فى إشارة إلى ما قام به بريجوجين. «الدوما» من جانبه، أهاب رئيس مجلس «الدوما» الروسى فياتشيسلاف فولودين بقوات «فاجنر» اتخاذ القرار الصائب الوحيد المتمثل بالوقوف مع الشعب وحماية أمن ومستقبل الوطن، وتنفيذ أوامر القائد الأعلى للجيش. وأشار فولودين إلى أن «مشاكل البلاد ومتاعبها على مر التاريخ لم تحدث إلا بسبب الخيانة والانقسام الداخلى وخيانة النخبة». «الشيشان» وفى أول تعليق له على التمرد العسكرى الروسى، تموضع رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف إلى جانب الجيش الروسى. وأكد الزعيم الشيشانى الحليف اللصيق ببوتين، أمس أن قواته مستعدة لتقديم العون فى إحباط تمرد رئيس فاجنر، ولاستخدام أساليب قاسية إن لزم الأمر. كما وصف فى بيان نشر على تيليجرام تحرك بريجوجين بأنه «طعنة فى الظهر» وناشد الجنود الروس عدم الاستسلام لأى «استفزازات». «زيلينسكى» من ناحية أخرى، اعتبر الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، أن التمرد المسلح الذى أطلقته مجموعة فاجنر دليل على ضعف روسيا وعدم الاستقرار السياسى فيها. وفى تعليقه الأول على الأحداث الجارية فى روسيا، كتب زيلينسكى على وسائل التواصل الاجتماعى «ضعف روسيا واضح. ضعف واسع النطاق. وكلما أبقت روسيا قواتها ومرتزقتها على أرضنا، واجهت المزيد من الفوضى والألم والمشكلات لاحقًا». وأكد «من الواضح أن أوكرانيا قادرة على حماية أوروبا من انتشار الشر والفوضى الروسيين». «رياح التمرد» يبدو أن رياح التمرد التى لفحت روسيا خلال الساعات الماضية، أغرت بعض القادة الانفصاليين أو المعارضين لحكم رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو. وفقد ظهر القائد العسكرى المعارض، فاليرى ساخشيك، فى فيديو يهاجم فيه ما وصفه ب«النظام الفاسد فى روسيا، ويدعو إلى الانقلاب على لوكاشينكو»، حليف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. وناشد القيادى المنفصل ومؤسس الكتيبة الجوية الأولى فى القوات المسلحة الأوكرانية، بحسب الفيديو الذى نشره على حسابه فى تويتر مستشار وزير الداخلية الأوكراني، مواطنى بلاده انتهاز هذه الفرصة التاريخية.. كما رأى أن النظام الفاسد فى روسيا بدأ يتهاوى، متوقعاً أن يفوز قائد فاجنر، يفغينى بريجوجين على بوتين. «أوروبا» وأثار إعلان التمرد فى روسيا ، قلق الدول الغربية، ما دفع الاتحاد الأوروبى لتأسيس مركز للأزمات بشأن الوضع فى روسيا. فقد أعلن مسئول السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أمس، تفعيل مركز الاستجابة لحالات الأزمات بعد إعلان مجموعة فاجنر العصيان المسلح فى روسيا. وقال بوريل عبر تويتر: إنه بحث هاتفيًا مع وزراء خارجية مجموعة السبع الوضع فى روسيا، مشيرًا إلى أنه ينسق الجهود داخل الاتحاد الأوروبى قبيل اجتماع مجلس الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبى يوم الاثنين المقبل.. بينما دعا ريشى سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، جميع الأطراف فى روسيا إلى حماية المدنيين.. إلى ذلك، جددت بريطانيا تحذير رعاياها من السفر إلى روسيا. من جانبها، قالت متحدثة باسم حلف شمال الأطلسى فى رسالة بالبريد الإلكتروني: إن الحلف يراقب الوضع فى روسيا. بينما نصحت وزارة الخارجية الألمانية رعاياها فى روسيا بتجنب السفر إلى روستوف وموسكو، بسبب الأحداث فى روسيا حتى إشعار آخر. من جانبه، قال رئيس المجلس الأوروبى شارل ميشيل، أمس: إنه «يراقب عن كثب» الوضع فى روسيا وإنه على اتصال بقيادات الاتحاد الأوروبى الأخرى والشركاء فى مجموعة السبع. «تقدم فى الجنوب» ميدانيًا، اتسعت دائرة المواجهات مع الجيش الروسى جنوبروسيا، أمس. فقد شهد محيط مدينة روستوف القريبة من حدود أوكرانيا، والتى دخلتها بوقت سابق اليوم قوات فاجنر وسيطرت على القيادات العسكرية فيها، تبادلاً لإطلاق النار بين الطرفين. وأظهرت صور توجه وحدات من قوات «أحمد» الشيشانية باتجاه روستوف لمواجهة قوات فاجنر. فيما أعلن قائد «فاجنر» عبور قواته مدينة فورونيج القريبة وتوجهها إلى ليبيتسك، ما ينذر بتوسع دائرة المواجهات. ما دفع السلطات فى منطقة ليبيتسك إلى الطلب من السكان البقاء داخل منازلهم لأسباب أمنية. فى حين أظهرت صور من المكان، مروحية روسية تستهدف مواقع لفاجنر فى فورونيج. يأتى ذلك فيما اندلع حريق ضخم فى مصفاة نفط بمدينة فورونيج، إذ أظهرت مقاطع مصورة سحب دخان ترتفع فى سماء المدينة..وكان حاكم مقاطعة فورونيج، ألكسندر جوسيف، أعلن أن رجال الإطفاء يتعاملون مع حريق نشب فى إحدى خزانات الوقود بمصفاة نفط فى المقاطعة. وقال عبر قناته على «تليجرام»: «فى فورونيج، يتم إطفاء خزان وقود محترق فى مصفاة للنفط فى شارع ديميتروف، ويعمل أكثر من 100 من رجال الإطفاء و30 قطعة من المعدات فى المكان، ووفقًا للبيانات الأولية، لا يوجد ضحايا»، بحسب وكالة «تاس».