فى الليلة الأولى للسيطرة على عاصمة أفغانستان، نظم مقاتلو «طالبان» المتمردون دوريات لضبط الأمن ومنع الفوضى فى شوارع كابول، بعد نهاية سريعة للحرب فى أفغانستان التى استمرت 20 عامًا. فى غضون ذلك، وأثناء احتفال المتمردين بالنصر، احتشد آلاف الأشخاص فى مطار المدينة فى محاولة للفرار من حكم الجماعة المتشددة، أو ربما الفتك بكل من تعاون مع التحالف العسكرى الغربى طوال العقدين الماضيين، حسبما أفاد تقرير لوكالة «فرانس برس». ونقلت «رويترز» عن شهود قولهم إن ما لا يقل عن 5 أشخاص قتلوا فى مطار كابول، وذلك أثناء محاولة المئات ركوب طائرات عنوة لمغادرة العاصمة الأفغانية. وقالت الحكومة الأمريكية، أمس الإثنين، إنها قامت بتأمين المطار، لكن الفوضى لا تزال قائمة حيث أفاد شهود بسقوط قتلى بعدما أطلق الجنود أعيرة نارية لدرء الحشود. الأكثر من ذلك، كان حادث سقوط مواطنيين أفغان عن الطائرات الأمريكية بعد أن حاولوا الفرار من البلاد. وتشبث المواطنون بإحدى الطائرات الأمريكية أثناء إقلاعها، لكنهم سقطوا فى النهاية مع تسارعها وبدء الطيران. وأرسلت واشنطن 6000 جندى إلى المطار لضمان الإخلاء الآمن لموظفى السفارة، وكذلك الأفغان الذين عملوا كمترجمين أو فى أدوار دعم أخرى. كما نظمت حكومات أخرى، بما فى ذلك فرنساوألمانيا وأستراليا، رحلات طيران للإجلاء. وتعتزم ألمانيا نشر جنود فى أفغانستان لإجلاء الألمان المتبقين وأفغان مهددين، بعدما سيطرت حركة طالبان على البلاد، إثر انسحاب القوات الأجنبية منها، وفق ما أفادت مصادر برلمانية وكالة فرانس برس. وستطلب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تفويضًا من النواب لنشر ما يصل إلى «مئات الجنود» لإتمام عملية الإجلاء، بحسب ما أفادت المستشارة مسئولى كتلتها البرلمانية. ونقلت مصادر حزبية عن ميركل قولها لزملائها فى الحزب، أمس، إن ألمانيا قد تحتاج لإجلاء ما يصل إلى عشرة آلاف شخص من أفغانستان. ويشمل هذا العدد 2500 من موظفى الدعم الأفغان علاوة على نشطاء فى مجال حقوق الإنسان ومحامين وآخرين ترى الحكومة أنهم معرضون للخطر إذا لم يغادروا البلاد بعد سيطرة حركة «طالبان» على كابول. وذكرت ميركل أن ألمانيا ستتعاون مع بلدان متاخمة لأفغانستان لدعم الفارين من البلاد بعد إحكام حركة «طالبان» سيطرتها عليها بالاستيلاء على العاصمة كابول. من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، أن أول رحلة تقل مواطنين بريطانيين وموظفين بالسفارة من أفغانستان وصلت الأحد إلى قاعدة «بريز نورتون» التابعة لسلاح الجو الملكى. بينما أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلى، أن أول عملية إجلاء جوى من كابل ينظّمها الجيش الفرنسى بين العاصمة الأفغانية وقاعدته فى الإمارات، وصلت أمس الاثنين. وقالت «لقد نظّمنا فى قاعدتنا فى الإمارات العربية المتحدة ظروف استقبال أول من سيتمّ إجلاؤهم، سواء كانوا رعايا فرنسيين لا يزالون فى كابول، أو أشخاصًا تحت حمايتنا سنقوم بإجلائهم». وأوضحت أن القاعدة الفرنسية فى الإمارات «ستُستخدم كمركز عسكرى لتأمين رحلات ذهابًا وإيابًا بين أبوظبى وكابل وبعدها الترحيل إلى فرنسا». يشار إلى أن عملية الإجلاء العسكرية التى أُطلقت عليها تسمية «أباغان»، تستخدم فيها خصوصًا طائرتى نقل تابعتان لسلاح الجوّ من طراز «سى 130» و»اه 400 إم»، أقلعتا مساء الأحد والاثنين من فرنسا إلى الإمارات. ودعت الخارجية الأمريكية، جميع الأطراف فى أفغانستان إلى تسهيل مغادرة الأجانب والأفغان الراغبين فى مغادرة البلاد. وقالت الخارجية فى بيانها: «تنضم الولاياتالمتحدة إلى عشرات الدول فى دعوة جميع الأطراف فى أفغانستان إلى احترام وتسهيل المغادرة الآمنة والمنظمة للأجانب والأفغان الذين يرغبون فى مغادرة البلاد». وقال نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى، أمس، إن الوضع فى أفغانستان تدهور بسرعة، مؤكدًا أن تركيز واشنطن ينصب حاليا على تأمين مطار كابول. وأوضح أن الولاياتالمتحدة تراقب التهديدات الإرهابية فى أفغانستان، مشيرًا إلى أن المحادثات مع طالبان فى قطر مستمرة. وكشف عن أن الرئيس الأمريكى جو بايدن يسعى لحشد دولى لمواجهة الانتهاكات فى أفغانستان. إلى هذا، يعقد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى، اليوم الثلاثاء اجتماعًا عبر الفيديو لمناقشة الوضع فى أفغانستان، حيث تسرّع الدول الغربية عمليات الإجلاء، وفق ما أعلن وزير خارجية التكتل جوزيب بوريل. ويأتى هذا الاجتماع فى وقت تحاول دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى، أن تخرج على وجه السرعة دبلوماسييها ورعاياها وموظفين محليين من كابول. فيما أفاد دبلوماسيون، أن مسئولين فى المفوضية الأوروبية طلبوا من حكومات الدول الأعضاء ال27 منح تأشيرات للمواطنين الأفغان الذى عملوا لصالح ممثلية الاتحاد الأوروبى فى البلاد، وكذلك لعائلاتهم، أى لعدد إجمالى يُقدّر بنحو 500 إلى 600 شخص. كما اعتبرت الولاياتالمتحدة و65 دولة أخرى فى بيان مشترك أن المواطنين الأفغان والأجانب الذى يريدون الفرار من أفغانستان «ينبغى أن يُسمح لهم بذلك»، مؤكدةً أن حركة طالبان يجب أن تتحلى بحسّ «المسئولية» فى هذا الشأن. وذكر مسئول بوزارة الخارجية فى موسكو، إن سفير روسيا فى أفغانستان يعتزم الاجتماع مع طالبان اليوم الثلاثاء، على أن يتم تحديد كيفية حكمهم للبلاد فى المستقبل القريب. وأعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسى إلى أفغانستان، ومدير الإدارة الثانية لآسيا فى وزارة الخارجية الروسية، زامير كابولوف، أنه لا يمكن الحديث حاليا عن استبعاد حركة طالبان (المحظورة فى روسيا) من قائمة المنظمات الإرهابية، مشيرًا إلى أن هذا الاجراء يجب أن يبدأ بقرار من مجلس الأمن الدولى. ميدانيًا، بعد يوم من سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية، بدت الحياة فى مدينة كابل هادئة، مع خلوها من وجود النساء وسيطرة الزى التقليدى المشابه لملابس الحركة. وتواجد مسلحو الحركة فى مناطق محددة من العاصمة الأفغانية، بينما لا وجود لهم فى مناطق أخرى من كابول. وفى شارع تشيكن، أغلقت العشرات من متاجر السجاد والأشغال اليدوية والمجوهرات أبوابها، وكذلك المقاهى الصغيرة. وقال مراسل وكالة «نوفوستي»، إن جميع القنوات التلفزيونية الأفغانية تقريبا تحولت إلى بث آيات القرآن، أو نشر أخبار عن نشاطات حركة طالبان. وذكر المراسل، أنه تم إلغاء بث البرامج التلفزيونية المعتادة، وفقط قناة واحدة تواصل بث أفلام وثائقية تاريخية. سابقًا، كانت قنوات التلفزيونية الأفغانية، تبث برامج ترفيهية مختلفة.