تحية وتقدير من القلب لبريد روزا وكل القائمين عليه وبعد... أنا أرملة فى منتصف العقد السادس من العمر خرجت للمعاش منذ بضع سنوات بسبب ظروف صحية اضطرتنى للتقاعد عن العمل فى وقت مبكر، بينما زوجى رحمة الله عليه كان يعمل مدرسا بالتربية والتعليم، رزقت منه بولد يعمل طبيبًا وبنت مهندسة ومتزوجة من طبيب، أعيش حاليا مع ابنى فى منزله لكننى أعانى نفسيا بسبب خشونة المفاصل التى تقيد حركتى بعد أن كنت نشيطة ومنطلقة فى كل اتجاه، من ناحية أخرى فأنا فى صراع مستمر مع زوجة ابنى التى تكره وجودى ببيت نجلى الوحيد وتعاملنى كالخادمة، تعتبر توجيهاتى تدخلا فى حياتها ولا تطيق لى أى كلام أو مشاركة بالرأى - هل تتخيل سيدى الفاضل أننى عندما اكتشفت دون استراق للسمع أن حفيدى يتفق مع أصدقائه تليفونيا على الذهاب لحفل يضم مجموعة من شباب الجنسين بفيللا أحدهم وسوف يتعاطون بعضاً من حبوب الهلوسة والمخدرات التى تُذهب العقل وتدمر المخ فأخبرت والدته بضرورة متابعته وتوجيهه - إلا أنها انفجرت فى وجهى تطالبنى بعدم التدخل فى حياتهم لأن ابنها لم يعد صغيرا ويعرف مصلحته جيدا ولا يصح التنصت على مكالماته!؟، مما دفعنى لإبلاغ ابنى لكنه فاجأنى هو الآخر بضعف شخصيته ولامبالاته بالأمر - بل تأفف ولم ينصرنى على زوجته معللا رد فعلها بأنه طبيعى نظراً لدراستها بعلم النفس وبأنها ستناقش رسالة الدكتوراه قريبا، وعلىَّ فقط أن أترك كل أمور أحفادى لها. الأدهى والأمر أن ابنته هى الأخرى تواعد شابًا زميلا لها بالكلية الخاصة التى تنتمى إليها، وعندما اعترضت على سلوكها تبجحت ودفعتنى بكلتا يديها فكادت أن تطرحنى أرضا لولا ملاحظة خادمتنا تلك المشادة الكلامية وتأهبها للدفاع عنى فى الوقت المناسب بعد أن أتت مسرعة من المطبخ لأتكئ عليها قبل سقوطى، من جهة أخرى أنا لا أحبذ العيش مع ابنتى كان الله فى عونها، فلديها طفلها المعاق ذهنيا وهو فى أمس الحاجة لوقتها بدلاً من الإثقال عليها وتحميلها عبء رعايتى، مع العلم بأنها دائمة الإلحاح علىَّ بترك الإقامة مع أخيها والحفاظ على ما تبقى من كرامتى والانتقال للعيش معها، للأمانة سيدى الفاضل فإن زوج ابنتى هو إنسان وقور شديد الخلق والتدين يحبنى كثيرا ووعدنى بأننى لن أندم إذا ذهبت إليهم، الآن أستاذ أحمد لا أعرف ماذا أفعل - هل أترك ابنى حقا رغم أننى أرى بأنه فى أمس الحاجة لوجودى بجانبه من أجل مساندته ضد زوجته المتحكمة كليا فى حياته وتسببها فى انحراف ابنائه وضياعهم، بالإضافة لإنفاقهم ببذخ وعدم تقديرهم للمجهود الذى يبذله والدهم فى عمله كل يوم من أجل تأمين مستقبلهم، أم ماذا أفعل!؟
عزيزتى ف. س تحية طيبة وبعد…
ربما تتفقين معى بأن الزمن اختلف والأجيال المعاصرة أيضا تغيرت توجهاتها، فأصبحت تميل للتقوقع والانعزالية فى كثير من الأوقات، ليس من أجل التأمل واستنتاج بعض الملاحظات المهمة - بل للانخراط فى هذا العالم الهلامى من أدوات التواصل الاجتماعى الصامت مثل الفيس بوك وتويتر... إلخ، وحتى الاتصال المواجهى بين الشباب والأهل أصبح هو الآخر عشوائيا وعبثيا لا يرتكز على اكتساب أى خبرات تذكر، تلك الفجوة الكبيرة التى أحدثها انعدام القناعة بين كل جيل والآخر والحرص على تجنب التلاقى والتفاهم، هو بالضبط ما حدث بينك وبين ابنك منذ أن كان طفلا صغيرا، فقدتما الاتصال المؤثر بينكما منذ زمن طويل ولم يعد متاحا لك الآن أو مستعد لتأصيل بعض القيم التربوية الراقية ونقلها لأبنائه بالتبعية، مثل ضرورة الإيمان بقيمة الكبير والاستماع إليه باهتمام وشغف واحترام آرائه بدلا من العزف على وتر تغير الزمن وعدم صلاحية أفكار وأصول وأعراف ناسه للزمن الآنى، المستفاد هنا من خلال مشكلتك هو تنبيه الآباء والأمهات للمضى قدما فى أداء دورهم مع فلذات أكبادهم وشحذ هممهم منذ الصغر بالتواصل المستمر معهم وشرح التحديات الجديدة التى قد يحدثها الاستخدام الخاطئ لأدوات التكنولوجيا مثل اليوتيوب وبعض التطبيقات الأخرى المستحوذة على عقولهم وانتباههم. لذا سيدتى الفاضلة سأكون صريحًا معك عندما أقول بأنه من الصعب الآن التركيز على تغيير قناعات أحفادك وسلوكياتهم من خلالك انتِ - بل يجب أن يكون هذا التأثير عن طريق من هو قريب أكثر من طريقة تفكيرهم مثل ابنتك، فهى تمتلك الأدوات الإقناعية القادرة على تغيير بوصلة تفكير أخيها وإفاقته من غفلته وتبصيره لما آلت إليه أمور أبنائه من انحلال أخلاقى واضح، أما بالنسبة لإقامتك فأرى أنها يجب أن تكون عند ابنتك لأنها الأحق بخدمتك ورعايتك وليست زوجة ابنك، كما لا يجب أن تعتقدى بأنه يمكن مساعدته بالنصح والتوجيه فهو مقتنع تماما بقدرات زوجته الخارقة على التربية وتخصصها فى ذلك وهذا خطأه الكبير لأن سيطرتها وهمية عطفًا على تفاصيل ضياع أبنائها، ومع يقينى بأن قلب الأم لن يسمح لك بمغادرة حياة ابنك كليًا ولا غضاضة فى ذلك على الإطلاق، الا أننى أنصحك فقط أن تعيشى فى سلام وطمأنينة وراحة بال بعيداً عن الصدام معه ومع أسرته والأيام كفيلة بتعديل مساره وتغيير معتقداته. دمتِ سعيدة وموفقة دائما ف. س