متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    «مينفعش نكون بنستورد لحوم ونصدر!».. شعبة القصابين تطالب بوقف التصدير للدول العربية    مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الأحد 28 أبريل 2024    30 ألف سيارة خلال عام.. تفاصيل عودة إنتاج «لادا» بالسوق المصرية    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    أول تعليق من شعبة الأسماك بغرفة الصناعات على حملات المقاطعة    حزب الله يعلن استهداف إسرائيل بمسيرات انقضاضية وصواريخ موجهة ردا على قصف منازل مدنية    أهالي الأسرى يُطالبون "نتنياهو" بوقف الحرب على غزة    عاجل.. إسرائيل تشتعل.. غضب شعبي ضد نتنياهو وإطلاق 50 صاروخا من لبنان    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى غرب جنين    المجموعة العربية: نعارض اجتياح رفح الفلسطينية ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار    مصدر أمني إسرائيلي: تأجيل عملية رفح حال إبرام صفقة تبادل    التتويج يتأجل.. سان جيرمان يسقط في فخ التعادل مع لوهافر بالدوري الفرنسي    حسام غالي: كوبر كان بيقول لنا الأهلي بيكسب بالحكام    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    ملف يلا كورة.. أزمة صلاح وكلوب.. رسالة محمد عبدالمنعم.. واستبعاد شيكابالا    اجتماع مع تذكرتي والسعة الكاملة.. الأهلي يكشف استعدادات مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    وزير الرياضة يهنئ الخماسي الحديث بالنتائج المتميزة بكأس العالم    المندوه: هذا سبب إصابة شيكابالا.. والكل يشعر بأهمية مباراة دريمز    لا نحتفل إلا بالبطولات.. تعليق حسام غالي على تأهل الأهلي للنهائي الأفريقي    مصرع عروسين والمصور في سقوط "سيارة الزفة" بترعة دندرة بقنا    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    مصرع وإصابة 12 شخصا في تصادم ميكروباص وملاكي بالدقهلية    مصدر أمني يكشف تفاصيل مداخلة هاتفية لأحد الأشخاص ادعى العثور على آثار بأحد المنازل    ضبط 7 متهمين بالاتجار فى المخدرات    ضبط مهندس لإدارته شبكة لتوزيع الإنترنت    تعرف على قصة المنديل الملفوف المقدس بقبر المسيح    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    تملي معاك.. أفضل أغنية في القرن ال21 بشمال أفريقيا والوطن العربي    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    انخفاض يصل ل 36%.. بشرى سارة بشأن أسعار زيوت الطعام والألبان والسمك| فيديو    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    كيف تختارين النظارات الشمسية هذا الصيف؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    شرايين الحياة إلى سيناء    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأصم
مشاهدات من انفجار مرفأ بيروت بيروتشيما المشاهدة الخامسة
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 26 - 10 - 2020

فى الساعة الخامسة والنصف مساء نظر شادى إلى الساعة المعلقة على الحائط، وقام وخرج من شقته الواقعة فى حى الجميزة بقلب بيروت، كان يقوم يوميا بهذه النزهة ليمتع نظره بغروب الشمس على الرصيف المقابل للمرفأ، كان مواظبا على هذه النزهة اليومية برفقة فنجان القهوة حتى اصبح الأمر بالنسبة له عادة يومية لا يستطيع الابتعاد عنها، ربما اعاقته الناتجة عن الحرب والتى ادت إلى فقدانه السمع بشكل كلى دافعا قويا للتمتع بالنظر إلى الشمس وهى تغلق عينيها يوميا، روحه مرحة يجبر اصدقاءه على تعلم لغة الاشارة أو حمل لوح او ورقة يكتبون ما يريدون التوجه له من كلمات، علما أنه كان بارعا جدا بقراءة لغة الشفاه عند توجيه الحديث له لكنه كان يسر بتعذيب من حوله بطريقة التواصل ويتصرف وكأنه لا يفهم لغة الشفاة لا لغرض ما بل لمجرد المشاكسة.
شادى كان يعيش حياته بهدوء تام، يسكن وحده بشقته بأحد مبانى شارع الجميزة ببيروت، رفض الهجرة إلى كندا مع والديه وشقيقته بسبب عشقه لهذه المدينة الجميلة، بيروت، كان شديد التعلق بها يعشق أهلها وطرقاتها ومحلاتها وأماكن سهرها، عندما قرر أهله الهجرة جرب الانتقال إلى كندا معهم وبقى معهم هناك ثلاثة اشهر عانى خلالها من المرض شاعرا بالأعياء بشكل مستمر مع صداع لم يكن يفارقه، تم اخضاعه لجميع انواع الفحوصات الطبية والمخبرية لكن كل النتائج كانت طبيعية، عندها تأكد اهله بان السبب ابتعاده عن مدينته الحبيبة ووافقهم بالرأى الطبيب المعالج الذى اكد ان السبب فى مرضه نفسى وليس شيئا آخر، فوافق الاب مجبرا على عودته، وفور ابلاغه بالأمر تحسنت حالته الصحية ودبت فيه الروح وما هى الا ايام حتى عاد إلى حيه الذى تربى فيه والشقة التى شهدت على ايام الشقاوة البريئة مع شقيقته، وقتها كان صوته لا يملأ الشقة فقط بل الشارع بأكمله، وكان دائم المعارك مع اهله وجيرانه بسبب صوت الموسيقى التى كان يعشق سماعها بصوت عال، فهو لم يولد اصما بل تعرض فى العاشرة من عمره للصمم بعد تعرضه لانفجار عبوة ناسفة فى احد شوارع بيروت ما ادى إلى اصابته بجروح ومضاعفات صحية ادت إلى فقدانه حاسة السمع بشكل كلى بعد ضرر كبير اصاب بعض الاعضاء الداخلية لاذنيه، الامر كان بالغ الصعوبة على الجميع فى العائلة لكنه تخطى الامر بإصراره على تعلم لغة الاشارة وقراءة حركة الشفاة وهو ما ساعده على اكمال الدراسة بشكل طبيعى إلى ان تخرج من الجامعة متخصصا بالتاريخ وكانت اطروحة الدكتوراه عن شوارع بيروت القديمة خصوصا المنطقة التى يعيش بها، والتى تضم عدد كبير من المنازل الاثرية والتاريخية التى تعود لعصور مختلفة.
خلال وقوفه على الرصيف حاملا كوب القهوة شاهد شادى دخانا أبيض يتصاعد من أحد مستودعات المرفأ، كان الأمر مريبا بعض الشيء بالنسبة له وظن ان الأمر سينتهى على ما يرام عندما شاهد سيارة الاطفاء تصل إلى المكان لمعالجة الأمر، لكن ما هى إلا دقائق قليلة حتى كثر الدخان وتبدل اللون الابيض إلى الرمادى ثم إلى البرتقالى ثم الأحمر، حتى دوى انفجار هائل فانبطح أرضا من الخوف وما هى إلا ثوانى حتى دوى الانفجار الكبير الذى دفعه لمسافة أمتار من المكان الذى كان يقف فيه، لم يعلم ما يجرى فهو لم يسمع اصوات الانفجارات بل قدر حصولها بعد مشاهدته لألسنة اللهب وتطاير الحطام وارتفاع الدخان بشكل كبير وسريع جدا بشكل ثمرة الفطر، قذفه ضغط الانفجار ليلتصق بإحدى السيارات أحس بالدوخة وأحس بالدماء تسيل على وجهه بسبب الزجاج الذى تطاير من الأبنية والسيارات وأصابه، بدأ يتحسس جسده ليرى أين أصيب، لكن لم يجد شيئا باستثناء الخدوش فى وجهه وراسه، حاول الوقوف لكنه ترنح واحتاج بعض الوقت ليثبت قدميه، كانت المنطقة حوله تبدو وكأنها تعرضت للدمار الشامل، ورغم عدم سماعه للأصوات لكنه أحس بها، أحس بصراخ المصابين وأصوات سيارات الاسعاف وابواق السيارات التى تحاول المرور لنقل المصابين، جال بنظره حول المنطقة فلم يتعرف إليها على الاطلاق، قرر الذهاب إلى شارعه فوصله بصعوبة، فالشوارع كانت مقفلة تماما بالركام ورغم وقوفه امام موقع منزله الا انه لم يجده، فالمنزل كان قد تهدم كليا، لم يستطع هذا المنزل الذى بنى منذ عشرات السنين ان يصمد امام الانفجار فتفككت حجارته وانهارت حتى تحول المنزل إلى كومة كبيرة دافنة تحتها ذكريات اهله.
جلس جنب الركام وتناول هاتفه وارسل رسالة إلى اهله فى كندا يشرح لهم ما جرى وليطمئنهم بأنه بخير، وبمجرد ارساله الرسالة حاول ان يتصل بمكالمة فيديو لكن الاتصال كان ضعيفا جدا وحاول العديد من المرات ففشل، وتوالت الرسائل بينه وبين اهله الذين كانوا يتابعون ما يجرى عبر شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، كانوا خائفين عليه جدا لعلمهم بطقوسه التى يقوم بها بالقرب من المرفأ والتى يتزامن وقتها مع توقيت الانفجار، وبعد فترة استطاع الاتصال باهله بالفيديو وشاهدوه واطمئنوا فارسل لهم القبلات وقال لهم بانه ذاهب إلى المستشفى لمعالجة الجروح البسيطة التى اصيب بها.
بدلا من الذهاب إلى المستشفى استوقف شادى احدى سيارات الاسعاف التى كانت فى المنطقة وتلقى العلاج السريع ولم يكن يحتاج للغرز، وعاد إلى حيه وقابل العديد من جيرانه واصدقائه الذين كانوا لا يزالون واقعين تحت هول الصدمة وغالبيتهم كانوا قد اصيبوا بجروح جراء تطاير الشظايا وبقايا الزجاج، فساعد بعمليات نقل المصابين إلى لمستشفيات وفح الثغرات بين الركام للوصول إلى العالقين تحت الركان وداخل المنازل، وبقى على هذه الحالة حتى صباح اليوم التالى حيث تكشفت الكارثة جيدا، كانت رائحة الموت والدمار تلف المنطقة، هذه المنطقة التى مصدرا للفرح تحولت إلى رمز للكابة، عمليات الانقاذ لم تتوقف فالعديد من الاشخاص كانوا فى عداد المفقودين، بعضهم مفقود فعلا وبعضهم كان قد نقل إلى احدى المستشفيات ولم يعرف مكانهم، لكن رغم كل هذا السواد ظهر بريق من البياض والامل، فالعشرات من الشبان والشابات من جميع مناطق لبنان بدؤوا بالتوافد إلى المنطقة لمساعدة اهلها، بعضهم يرفع الركام ليفتح الطرقات وقسم اتى بما يمكن حمله من أكل ومياه لتوزيعه على المتضررين، كان مشهدا سرياليا بامتياز واس وكان الحياة بعثت من تحت الانقاض فعلا. تحولت المنطقة خلال السعات التالية إلى ورشة عمل كبيرة، أصبحت الارصفة مراكز وغرف عمليات لعمليات التنظيف وتقديم المساعدات، والعديد من الفرق الاسعافية التابعة لمنظمات أهلية قدمت خدماتها المجانية من إسعافات اولية وتنظيف الجروح وغيرها من الامور البسيطة التى من الممكن القيام بها خارج المستشفيات لأن مستشفيات المنطقة كانت خارج الخدمة تماما بعد تعرضها للدمار بفعل ما جرى.
اما هو فعاد إلى انقاض منزله فصور بعض الصور وارسلها لاهله فى كندا الذين تألموا لمشاهدة بيت العائلة وقد تحول إلى كومة من الحجارة والاخشاب، وحاول نبش الركام وطلب من احدى الجرافات معاونته بازحة جزء منه قليلا إلى ان وصل لاحدى الغرف او ما تبقى منها، فوجد اوراقه الثبوتية وبعض المال والاهم كان عثوره على ساعة الحائط المفضلة لديه والتى اشتراها بعد إصابته بالصم وكانت قد توقفت عند الساعة السادسة وثمانية دقائق بالضبط وهو التوقيت الذى حصل فيه الانفجار، فقام على الفور بتصويرها وارسل الصورة لوالده الذى بادر بالطلب منه ان ياتى إلى كندا فورا وفهم شادى الكلام لاتقانه لغة الشفاه فهز راسه رافضا ووضع الموبايل امامه وسحب جواز سفره من حقيبته ومزقه أمام والده وقال له انا ساظل هنا إلى أن اعيد بناء البيت، بيتى وبيتك وبين العائلة فارجوك لا تلح علي، انصدم الاب من ردة فعل ابنه وهز بارسه طالبا منه الانتباه لنفسه ولصحته والاتصال بهم كل يوم وكل الوقت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.