استكمالاً لمقالي أمس في (عيد السد العالي) يوم 15 يناير 1971، ذكري افتتاح المشروع الوطني العظيم الذي ضحي من أجله المصريون بالغالي والرخيص يستحق أن نحتفل به هذه الأيام، متمسكين بإنجازاتنا العظيمة ونحن نعيش أياما عصيبة في الوطن، لعل وعسي! لقد اقتنعت القيادة السياسية المصرية (قيادة ثورة يوليو 52) بزعامة الراحل «جمال عبد الناصر» بأهمية هذا المشروع الذي جاءت فكرة إنشائه في أواخر الأربعينيات، إذ فكر مهندس زراعي مصري من أصل (يوناني)، إذ كان المصريون من أجناس كثيرة يعيشون في مصر، دون تفرقة أو تمييز، كان اليونانيون مع الإيطاليين مع الفرنسيين الذين بقوا من الحملة الفرنسية مع المصريون القبط (مسلمين ومسيحيين) فقد كانت مصر تجمع كل المصريين من كل الأجناس لكنهم يحملون الجنسية المصرية وتسري في عروقهم مياه النيل العظيم الذي وحدهم جميعاً حول المصلحة العليا لمصر. فكر هذا المهندس الزراعي (أدريان دانينوس) في إنشاء (سد) لتخزين مياه النيل بديلاً عن التخزين الموسمي (5 مليارات متر مكعب سنوياً) أمام سد أسوان القديم، الذي أنشيء عام 1902، إلا أن فكرته لم تلق قبولا من المسئولين بوزارة الأشغال العمومية آنذاك، وقد أعيد بحث فكرة (دانينوس) بعد قيام ثورة يوليو 1952، فكلفوا مجموعة من الخبراء فأكد تقريرهم في ديسمبر 1954 صلاحيته فنياً واقتصادياً، حيث يحمي مصر من خطر الجفاف ويقيها أيضاً من غضب الفيضانات العالية، ويضمن تصرفا ثابتا من مياه النيل سنوياً، ما يسمح بالتوسع الزراعي ويزودنا بالطاقة الكهربائية كركيزة أساسية للتنمية الزراعية والصناعية. وفي مارس 1956 وبسبب الضغوط الاستعمارية ورفض مصر الاعتراف بإسرائيل، وسحب البنك الدولي للإنشاء والتعمير اتفاقه المبدئي مع الحكومة المصرية عام 1955 المساهمة في تمويل المكون الأجنبي للمشروع، وكان رد الرئيس «جمال عبد الناصر» تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية ، وخضنا الحرب ضد الدول الثلاث كما جاء في مقالي بالأمس، وحينما نتحدث عن هذا المشروع في ذكري افتتاحه، إذ اختارته المفوضية الدولية للسدود كمشروع القرن، وأحد أعظم عشرة مشروعات هندسية تم تنفيذها في العالم! ويقع المشروع علي بعد 6.5 كيلو متر جنوب سد أسوان القديم، وذلك لضيق المجري نسبياً بين ضفتيه المرتفعتين، ولقربه من مدينة «أسوان» ومحاجر مواد البناء الرئيسية وأهمها الصخور والرمال والطين الأسواني، بالإضافة إلي مصدر الكهرباء من خزان أسوان القديم. استلزم تنفيذ المشروع تهجير أهالي القرية من موطنهم جنوبي السد العالي إلي مركز قصر النوبة. وبمساهمة من المجتمع الدولي «وهيئة اليونسكو» تم نقل ووضع ورفع معابد وآثار «رمسيس الثاني» (أبو سنبل وكلابشة) وجزيرة «فيلة» إلي المواقع الحالية لتكون بمنأي عن المياه المخزنة من السد العالي، ومن الحقائق والأرقام حول المشروع رصدت لكم الآتي: تم وضع حجر الأساس يوم 9 يناير 1960 وافتتح رسمياً في 15 يناير 1971، وبين هذين التاريخين شهدت مصر أروع إنجاز في تاريخها، إذ احتفلنا بتحويل مجري نهر النيل يوم 15 مايو 1964، وانطلقت أول شرارة كهرباء من المشروع في أكتوبر 1967 (بعد النكسة)، وأنتج (السد) طاقة كهربائية تقدر بعشرة مليارات كيلو وات/ساعة سنوياً أضاءت مصر كلها. بحيرة السد العالي أكبر البحيرات الصناعية في العالم (6500 كيلو متر مربع) تسع 162 مليار متر مكعب مياه. تعرضت مصر لخطر الجفاف علي مدي 9 سنوات 1978 إلي 1987 تم خلالها سحب 90 مليار م3 من مخزون مياه السد. وتجاوز عدد العاملين بالمشروع 34 الفاً قبل نهاية المرحلة الأولي 1964. بلغت تكلفة هذا المشروع العظيم 319 مليون جنيه حتي يونيو 1971. كل عام والمصريون بخير وأملنا الكبير أن تحقق ثورة 25 يناير أو ما أسميناها ثورة الشعب إنجازات ثورة يوليو 1952، أو حتي بعضها!