البعض يطرح تعيين رئيس مجلس الشعب القادم رئيساً مؤقتاًً للجمهورية.. ويعود الجيش إلي ثكناته ويتخلي المجلس العسكري عن جميع سلطاته في إدارة البلاد.. وذلك لإزاحة المجلس العسكري عن السلطة. وهذه الفكرة نظرية بحتة لأنه في الحقيقة سيكون رئيسا ضعيفا بلا سلطات وقد لا يستطيع السيطرة علي الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.. كما أن كثيراً من القوي السياسية قد تلاعبه لعبة القط والفأر عبر الميادين والقنوات الفضائية والاحتجاجات الفئوية .. وسيكون فريسة سهلة لهم.. فضلاً عن أن شعار «ارحل» سوف يلاحقه أيضاً كما لاحق د. شرف.. وقد يكون «عظمة طرية» علي رأي المثل المصري.. مما يؤدي إلي سقوط مؤسسات الدولة المصرية كلها. وقد جربنا رجال القانون ومع تقديري الكبير لهم في حماية القانون.. إلا أنهم يفشلون عادة في إدارتهم للمحافظات كمحافظين.. فلم نجد نجاحاً يذكر لهم في محافظاتهم.. فكيف يكون أحدهم رئيساً للجمهورية.. لأن هؤلاء بطبعهم منعزلون عن الناس ولا يتفاعلون كثيراً مع مشكلات الحياة اليومية للمواطنين وإداراتها.. وقد تعود أكثرهم من المستشارين علي عدم العجلة أو التصرف السريع في القضايا العاجلة والخطيرة.. وهو غير متدرب علي العمل الإداري الشاق والمرهق.. فضلاً عن عدم قدرته علي إدارة دفة مصر. فكيف إذا جاء المستشار أو أستاذ القانون رئيس مجلس الشعب رئيساً لمصر؟.. وهي تعاني من هذه الأزمات الحادة جداً في كل المجالات. ثم لماذا التعجل في تعيين رئيس لمصر لا يأتي عبر صندوق الانتخابات لابد أن نحتكم للصندوق في اختيار الرئيس القادم حتي تستقر الأحوال.. فلم يبق علي انتخابات الرئاسة سوي فترة بسيطة لا تستحق هذه العجلة التي سنندم عليها كثيراً. من التجليات النفسية الرائعة للدكتور أحمد عكاشة أبوالطب النفسي في الشرق الأوسط قوله: «إن المسئول إذا جلس طويلاً علي كرسي السلطة توحد معه.. حتي يصير الاثنان كياناًً واحداً.. لا يستطيع أحدهما الانفصال عن الآخر.. ويري المسئول أنه الأحق دون الخلق جميعاً بهذا الكرسي.. وأنه لم يولد بعد من يستحق أن يتنازل له عن الكرسي.. وهذا مرض يصيب كل شرائح المجتمع في أي مكان.. ويصيب العقلاء والفضلاء والصالحين أيضاً». وأنا أقول للدكتور عكاشة: إن هذا المعني سبقه إليه بعض علماء السلف الصالح رضوان الله عليهم.. حيث قال أحدهم: «آخر ما يخرج من نفوس الصديقين حب الرياسة والجاه». وسبقهم جميعاً رسول الله (صلي الله عليه وسلم) القائل في حديثه الرائع: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء علي المال والشرف لدينه» والشرف هنا هو حب السلطة والرئاسة والجاه. صدقت يا سيدي يا رسول الله الذي سبقت كل الأطباء والعلماء والحكماء.. وتحية إلي سلفنا الصالح العظيم الذي لم يعرف البعض قدرهم حتي اليوم.. وأساء البعض إلي تراثه. لن تتوقف الدماء والحرائق في مصر إلا إذا توقفت الأغراض والأهواء والرغبات الدفينة في السلطة عند كثير من الأطياف السياسية التي تري أن حرق مصر أهون عليها من عدم مشاركتها في السلطة.. عملاًً بالمثل الذي كنا نسمعه ونحن صغار «يا فيها يا اخفيها». فكل الحرائق التي تحدث في مصر يمكن أن تندرج تحت عنوان: « نحن هنا.. وإن لم نشارك في السلطة فسترون منا الأهوال.. تحت كل ستار.. وسننغص عليكم عيشكم.. فلا برلمان ولا حكومة.. ولا أي شيء» بدأت ثورة 25 يناير بدون قيادة وكانت هذه إيجابية في أيام الثورة الأولي وقبل رحيل مبارك.. ولكن وجود القيادة كان مهماً بعد رحيل مبارك.. فقيادة الثورة تصحح الأخطاء التي تقع فيها.. وتصوب مسيرتها وتحول بينها وبين والسلبيات أو الهدم بدلاً من البناء.. وتستثمر نجاحها وتعالج فشلها. لقد آن الأوان أن تختار الثورة قيادة واضحة لها تجني مكاسبها وتعالج سلبياتها..وتتحدث باسمها.. وتتحمل مسئولياتها أيضاً عن أخطائها. أحسن الإخوان حينما أقاموا دورات تدريبية سياسية وإدارية للنواب الجدد كي يكونوا علي مستوي عضوية البرلمان بحق. أخطأت بعض الحركات الإسلامية في اختيار بعض النواب الجدد.. حينما قدمت مبدأ الولاء علي الكفاءة.. والسمع والطاعة في الجماعة علي مبدأ الكفاءة.. مبدأ الغني في الجماعة علي الكفء الفقير.. وهذا سيضرها في المستقبل كما يضر بمصداقيتها في الحاضر. فهذه أمانة ينبغي أن تفعل فيها الجماعات قوله تعالي «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ».