كتب - فيروز كراوية طيب، لنسير وفق المنطق الذي يقول إن الانتخابات كانت ضرورة للفصل في الأوزان النسبية لكل من يملأون الدنيا ضجيجا، وكانت الطريق الوحيد لبدء مسار انتزاع السلطة "تدريجيا" من يد المجلس العسكري بما يمهد لانتزاعها كاملة فيما بعد، وكانت كذلك السبيل الأوحد ليختار أوسع قطاع ممكن من الشعب المصري من يحمل مسئولية مطالبه ويعمل علي سد احتياجاته عوضا عن ادعاء من في الميدان أنهم يمثلون الشعب وإرادته وهو ما يغضب المجلس ولميس الحديدي والعباسية كثيرا. وها قد جاءت الانتخابات وشارك قطاع واسع، كل لأسبابه، وبانت بشائر الأوزان النسبية. وانقسمت نسبة 65% تقريبا بين حزبي "الحرية والعدالة" و"النور"، وحازت "الكتلة المصرية" ما يقرب من 15% وباقي الأحزاب 30% في المرحلة الأولي. وبدأنا نسمع في الإعلام تنويعات مما أسماه الناس علي الإنترنت "ولولة المهزومين"، و"تهليل الفائزين". وما بين الولولة والتهليل يبقي سؤال: ما المانع أن يولول المهزوم؟ يقول الناس لا تزعجونا بالولولة والنواح، لو كنتم عملتوا جيدا لهذا اليوم لما حصدتم هذه النتيجة، لو وحدتم صفوفكم وخاطبتم الجمهور في مواقعه بدلا من فيس بوك وتويتر لعرفكم الناس ومنحوكم ثقتهم. ومع احترامي لفضل النصيحة أقول: إن ما يسمي "ولولة" لو تعلمون هو وعي بكل هذا وأكثر، وليس معني احترام نتائج الديمقراطية أن تخرس الأقلية حتي عن الحزن. الحزن في مغزاه النفسي ليس فقط باعثاً علي اليأس أو اللافاعلية، هو كذلك هدنة لاستيعاب الدروس وهو استحضار لزاد المقاومة وهو تدارس للأخطاء والحسنات. هناك حوالي 30% نزلوا للانتخاب، وهم ناس وليسوا متحدثين إعلاميين، وربما يولولون الآن أو لا، ولكنهم بالتأكيد لم يختاروا التيار الإسلامي لأسباب متنوعة. فكيف نحظر عليهم الحزن أو الفرح- باسم احترام الديمقراطية- بعدما حصد تيار لم يختاروه الأغلبية؟ لنا الحق أن نحاكمهم بكل تلك الاستقامة الأخلاقية إذا نزلوا للشوارع متظاهرين ومحتجين يطالبون بإسقاط الأغلبية الفائزة، وهو سلوك ديمقراطي معيب. ولكن، هل نلومهم إذا لم يأمنوا علي صون الأغلبية لكتلتهم المعتبرة تلك وحقوقها؟ وما الضمانات التي قدمناها لهم ليشعروا بالطمأنينة؟ وما الأساس الدستوري الصلب الذي يركن إليه كل مواطن يعرف أن حقوقه الاقتصادية والاجتماعية وحريته الشخصية لا مساس بها في هذا البلد الأمين؟ يطفو من جديد سلاح "الالتفاف علي الإرادة الشعبية" في وجه من ينادي بضمانات حقيقية ولو في ميثاق شرف، ويدحض الأطروحة بأنك تريد أن تجعل الجيش طرفا في عملية سياسية يجب أن يقودها المدنيون ليضعوا دستورهم. ومن قال عكس ذلك؟ ومن قال إن الضمانات التي يجب أن تعطي للمواطنين كافة، وحتي من انتخب الأغلبية، يضعها جيش أو حكومة؟ هذه الضمانات يضطلع بأمانة تقديمها بالدرجة الأولي الأغلبية البرلمانية التي تحرص علي ثقة الناس بها وتلزم نفسها أمامهم بالوفاء بتعهداتها وتزرع في الناس الأمل وتبدد أسباب الإحباط. فهي تقدم الضمانات والالتزامات لجمهورها أولا ثم لجمهور الأقلية لتقول له أنها تقدر حجمه وقيمته وهواجسه وتضعه في حسبانها كجمهور محتمل في الانتخابات المقبلة. هذا هو ما أعتقد أنه "ديمقراطية" وليس "ديكتاتورية أغلبية"، أن يعي الفاعلون السياسيون أنهم يبدأون برصيد محدد في عملية أبدية يزيد الرصيد وينقص حسب أعمالهم وما قدموا وما لم يقدموا. أن يعلم المنتخبون بأغلبية أنهم سيعملون للشعب كله، أغلبيته وأقليته ومن لم يذهب للانتخاب أصلا. أن ترفع الأغلبية وتتبني المطالب التي تحظي بالإجماع الشعبي وتضعها علي قمة برنامجها وتقدمها للشعب كدين واجب الوفاء؛ أن نخفف فقركم، ونرفع تعليمكم، ونخفض لكم الأسعار، ونقيد انفراد التجار بقوتكم، ونفتح لكم أبواب الحرية، ونكفل لكم العلاج بدلا من الموت علي سرير طبي، ونحافظ علي أمنكم في الطريق حتي لو لم يعجبنا سبيلكم الذي سلكتموه، وأن نأخذ حق شهدائكم، وألا نسمح أن تستباح أرواحكم مرة ثانية بسلاح الشرطة في الشوارع وأقسام البوليس.