قبل نهاية نظام ديكتاتور ليبيا الراحل معمر القذافى صدرت الطبعة الثانية للرواية التى صادرها نظام مبارك عام 2010. «الزعيم يحلق شعره» للكاتب النوبى الراحل «إدريس علي» (مواليد النوبة 1940- 2010) عن دار «وعد» للنشر والتوزيع، تقع الرواية فى 140 صفحة، وأربعة عشر فصلاً هى التزوير والعار» و «أديب بدرجة عامل تراحيل»، و»شركاء لا أجراء»، و»النهب المنظم»، و»زوجتك فى أحضان العمدة»، و»اجتماع موسع»، و»محاولة فاشلة لغسيل المخ»، و»الزعيم يحلق شعره»، و»رص البطمة»، و»فروخ الحجارة»، و»شمعة وسط الظلام الدامس»، و»حكاية العامل الصعيدي» و»بدلة المساء والسهرة»، و»البيت لساكنه» و «الزعيم يأمر بنسف مقام الشيخ». الرواية تحكى معاناة المصريين فى الدول العربية التى تتبع نظام «الكفيل»، وتدور أحداثها فى فترة الرئيس الراحل انور السادات حيث كانت هناك خلافات بين مصر وليبيا. وتناولت الرواية نظام العقيد الليبى «معمر القذافي» مع شعبه، كما يروى الكاتب جزءاً من سيرته الذاتية عندما كان مقيما بليبيا بين عامى 1976 و 1980 . الكاتب حصل على العديد من الجوائز منها جائزة أركانسوا الأمريكية عام 1997 وحصل على الجائزة الثانية لمسابقة نجيب محفوظ للرواية العربية من المجلس الأعلى للثقافة عام 2004. وجائزة اتحاد الكتاب عن رواية «مشاهد من قلب الجحيم» كما تحولت أحد اعماله الى مسرحية هى «نوبة دوت كوم»وعرضت فى مركز الهناجر عام 2003. ورحل الكاتب فى 29/11/2010 . وللكاتب ادريس على ثلاث روايات آخري»النوبي، ودنقلة، واللعب فوق جبال النوبة»، وفيلم روائى قصير من إنتاج قنوات النيل المتخصصة عن روايته «اللعب فوق جبال النوبة» عام 2004. كما ترجمت أعماله إلى لغات أخرى بالولايات المتحدةالأمريكية مثل رواية «دنقلة»، وترجمت «النوبي» للفرنسية عام 2007. أما روايته الأخيرة «الزعيم يحلق شعره» فقد منع نشرها وتمت مصادرتها وتم القبص على ناشرها الشاعر «احمد الجميلي» من قبل أمن الدولة، وذلك من خلال معرض الكتاب عام 2010. واليوم بعد ثورة 25 يناير اعادت دار «وعد» نشرها وطبعها وطرحها بغلاف جديد، ولمعرفة تفاصيل احداث منع ومصادرة الرواية كان هذا الحوار مع الناشر الشاعر «أحمد الجميلى» مدير دار وعد للنشر والتوزيع. ■ صف لنا ماحدث معك من قبل أمن الدولة بسبب رواية «الزعيم يحلق شعره»؟ -هذه الرواية منذ صدورها وهى مثيرة للجدل وبمجرد قراءة عنوانها يعطى انطباعاً ان بها الكثير من الاحداث المهمة، الرواية تواجدت اثناء معرض الكتاب الدولى للعام 2010 رغم وجودها وطرحها لمدة شهور وبيعها بأعداد كثيرة جدا إلا إنه حين تم تسليط الاضواء عليها من قبل الاعلام والصحافة احدثت ضجة وأثارت جدلاً. جهاز أمن الدولة التابع لنظام مبارك قام بمصادرة الرواية والقبض على وحضروا الى مقر دار نشر «وعد»، حيث كان وقتها مقرها بمنطقة شبرا، وحين سألتهم عن سبب القبض قالوا السبب هو رواية «الزعيم يحلق شعره»، وقتها اتصل بى شخص مصرى يساومنى على الرواية، والغريب انه تم القبض على انا كناشر وليس كاتب الرواية واخذوا كل نسخ الرواية، كما أخذو عناوين الموزعين لجمع النسخ. وبعد قسم شرطة شبرا اخذونى والحديد فى أيدى الى النيابة العامة. وبعد اسبوعين حبس جاء القرار بإخلاء سبيلى والافراج عنى بضمان اقامتى حيث ذكرت النيابة انها ليست جهة اختصاص وشددوا الحراسة والمراقبة علي، علمت بعدها ان المتسبب فى قرار القبض على اجهزة الامن المصرية بطلب قدمه «احمد قذاف الدم» ابن عم القذافى والذى كان يشغل منصب منسق العلاقات المصرية الليبية. ■ ما التهمة التى وجهتها لك أمن الدولة؟ - وجهت لى تهمة ان الرواية بها الفاظ تخدش الحياء، وتسيء لشخص الزعيم القذافى وان اسم العمل يحمل دلالة سياسية واسقاطا على شخص القذافي، النيابة العامة عندما قرأت الرواية لم توجه لى اى تهمة، كل لفظ فى الرواية تم توظيفه إبداعيا وكثير من الروايات والقصص الموجودة فى الأسواق العربية بها ألفاظ أكثرمن التى كتبها الكاتب. ولا يوجد فى قوانين النشر قانون يحرم أى كاتب او مبدع من انتقاد أى وضع اجتماعى فى أى دولة، ولكن هكذا كان الحال قبل الثورة قمع حرية التعبير ومصادرته. اكتشفت بعدها عدم قانونية إجراء القبض على حيث لا توجد أى بلاغات قدمت ضد الرواية . وان الشبكة العربية لحقوق الانسان أصدرت بيانا جاء فيه ان الموقف كله يعتبر عربوناً للعلاقة القوية بين حسنى مبارك المصرى والعقيد القذافى كما أن اعتقالى حدث قبل زيارة الرئيس مبارك لليبيا بأيام معدودة. ■ فى رأيك هل الرواية تحمل ما يستدعى لاعتقال ناشر؟ - الرواية ليست سياسية وتصنف رواية اجتماعية تشير إلى فترة تاريخية معينة خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات استشهد الكاتب فى روايته بشهادات لعدد من الليبيين حول الحياة الاجتماعية والسياسية كما تعبر الرواية فى الجزء الثالث عن السيرة الذاتية للكاتب وحياته عن الفترة التى قضاها فى ليبيا. وهى تنتقد قرارات الزعيم وافكاره، حين أخذ قرارا غريبا بعد حلم، يصفه الكاتب ادريس « فى جزء خاص فى الرواية بعنوان «الزعيم يحلق شعره» حيث حول الزعيم الحلم الى حيز الواقع بقرار يعمم على الشعب كله حيث حلم الزعيم بأن حلاقه يذبحه، فأصدر قرارا بعدم ممارسة مهنة الحلاقة، وان كل شخص يحلق لنفسه، واستبدل كل الحرس بفتيات لعدم ثقته فى الرجال وقاموا بسحب تراخيص محلات الحلاقة وعدم منح الإقامة للحلاقين الجدد، وترحيل من تنتهى إقامتهم يقصد المصريين. أنا أعتبر هذه الرواية نبوءة بالثورة فى ليبيا لأنها ترصد الحياة الاجتماعية والضغوط التى عاشها الشعب الليبي، وتؤكد ان الثورات العربية قامت من الشعب وليس كما يقال ان الثورات العربية اجندات خاصة، من المفروض انه لا حكر على كاتب او مبدع او ناشر. التعرض لنقد شخصية القذافى هو السبب الرئيسى لمصادرة الرواية، وايضا ان الذى قدم له الانتقاد هو كاتب مصرى وليس ليبيا لأن شخصية الزعيم تعد مادة ثرية وغنية ومليئة بالتناقضات والافكار التى شغلت العالم العربى والاوروبي، وصاحبت خطاباته وسلوكياته النكات الساخرة حتى مقتله مؤخراً. ■ ماذا عن تعامل أمن الدولة معك خلال فترة اعتقالك؟ اثناء اقتحامهم للمقر كان اسلوب التفتيش عنيفاً انقلبت الكتب رأساً على عقب واستمر التفتيش من الساعة 12 ظهراً الى الساعة الخامسة مساءً وما أحزننى عندما اصطحبونى معهم إلى مقر قسم شرطة شبرا مصر، اخذونى مكبلا بالحديد كالمجرمين أذهلنى المشهد، ولا يمكن أن انساه وإن أى مبدع او شخص عادى يوضع فى هذا الموقف لابد أن يصاب بألم شديد، كنت أظن أننا فى عصر الحريات والديمقراطية كما اشاع ذلك النظام . ■ ماذا كان رد فعل الكاتب» ادريس على « على اعتقالك بسبب روايته؟ - كان حزيناً جدا على هذا التصرف من الأمن المصرى ضدى كناشر، وقال انه كان يتوقع رد فعل على الرواية من الجانب الليبى وليس من الجانب المصري، على اعتبار ان الرواية تدور احداثها فى ليبيا وانها سيرة ذاتية خاصة بالكاتب عن الفترة التى عاشها فى ليبيا، حيث كانت العلاقات متوترة بين مصر وليبيا والسادات كان يضرب ليبيا، وبدأ نظام القذافى فى طرد المصريين والعدوان عليهم فى الشوارع كنوع من تحميلهم مسئولية ما فعله السادات معه. «ادريس علي» قال لي: انه انتقد أفكار الزعيم باعتبارها مطروحة للنقاش، ووصفه انه زعيم يثير جدلاً بأفكاره المتناقضة ووصف ادريس القبض عليه ومصادرة الرواية انه «كرسى فى الكلوب» وافسد الفرحة بمعرض الكتاب والشهرة التى حصلت عليها الرواية قبل المصادرة وبالنسبة للرواية فى رأى «ادريس على « نفسه انها ليست أفضل أعماله الادبية، ولكن المصادرة جعلت لها شهرة. ■ بصفتك عضو اتحاد الكتاب ما موقف الاتحاد من اعتقالك ومصادرة الرواية ؟ - اتحاد الكتاب وقف بجانبى وبوجود محام يحضر التحقيق معى امام النيابة، حيث رفض رئيس اتحاد الكتاب المصريين الكاتب «محمد سلماوي» مصادرة الرواية والقبض على ناشر وعارض بشدة واتصل بكل الجهات وابلغهم رفضه وانه لايصح ان يحدث هذا فى مصر بلد الثقافات والحضارات وانه إجراء غير مقبول، وان مصر ليست دولة بوليسية، وان المصادرة يجب الا تتم إلا بصدور حكم قضائي. ■ مصادرة رواية واعتقال الناشر يضيف شهرة للعمل وللناشر فهل كنت تتوقع الاحداث؟ - من البداية المصادرة اجراء غير قانونى بدون حكم، لم اتوقع المصادرة او اعتقالى بسبب هذه الرواية، لكن تألمت من الواقعة على المستوى الشخصى حيث قال لى احد الاصدقاء مدير دور نشر انها «جت لك على طبق من ذهب» . هذه الجملة آلمتنى لأن المصادرة سلاح ذو حدين متناقضين اولاً: المصادرة تمت اثناء معرض الكتاب واعتبرها إساءة لسمعة دولة بأكملها، فهو توقيت يجتمع فيه المثقفون والأدباء والكتاب من كل العالم ثانياً: مصادرة رواية ومنعها من التداول فى المكتبات واعتقال الناشر اعطى شهرة جديدة للرواية، وتسلطت الاضواء عليها وزاد الطلب اكثر لان أعلى دعاية لأى منتج بصفة عامة أن يمنع و الممنوع مرغوب. ■ هل أخذت موافقة لطبع الرواية الطبعة الثاينة باعتبارها كانت ممنوعة ؟ - النيابة أصدرت قرارا قبل قيام ثورة 25 يناير بفترة بسيطة بالتحفظ على البلاغ الذى قدم من قبل لمنعى من طبعها ونشرها ولكن بعد ثورة 25 يناير أصبح من حقى قانونيا إعادة طبع الرواية لأن من اهم مكتسبات الثورة حرية التعبير لكل الاتجاهات والتوجهات ولا مصادرة على رأي. ■ الطبعة الثانية الموجودة الآن أضيف لها غلاف كاريكاتير للزعيم القذافى لماذا لم تطبع الطبعة الثانية بنفس غلاف الطبعة الاولي؟ - الثورات العربية قامت من أجل التغيير ونعيش فى كل الدول العربية تحت شعار واحد هو اسقاط الانظمة الفاسدة، ومطلب الحرية والديمقراطية الحقيقية، فتغيير غلاف الطبعة الثانية اعتبره رؤية جديدة، للرواية تساير هذه الفترة من تاريخ العالم العربى كما ان الطبعة الثانية صدرت قبل مقتل القذافى ولكن ما يحزننى ان الكاتب ادريس على رحل قبل ان يرى بعينه كيف يرحل الزعماء، وان روايته الآن اكثر رواجاً وضجيجاً فى مصر والعالم العربى بعد أن ظلت المؤسسات الرسمية قبل 25 يناير تمنع حرية التعبير. وآخر ماعلمته من الكاتب قبل رحيله انه كان ينوى إصدار رواية جديدة عنوانها « طير هبط « كان سيتناول فيها الفساد المؤسسى فى مصر، وكان يتوقع انها سوف تثير جدلاً يفوق ما أثارته رواية الزعيم يحلق شعره».