ستة أفلام مصرية فقط هي حصيلة السينما المصرية عن حرب أكتوبر وظهرت إلي النور بدعم من الجيش ليقتصر هذا الحدث العظيم بعد ذلك علي مجرد حفلات سنوية للرئيس المخلوع تتضمن أوبريتات وأغاني هايفة لا تجسد هذا النصر الكبير مكتفية بنسب هذا النصر إلي شخص الرئيس. «روزاليوسف» استطلعت آراء النقاد والمؤلفين والمخرجين عن الأعمال الفنية التي جسدت أحداث أكتوبر والدور الذي لعبته السينما المصرية منذ نكسة 67 حتي يوم النصر.. فماذا قالوا؟! أكد الكاتب يسري الجندي أن السينما تحديدًا أخطأت في حق الإنجاز العسكري الذي حدث في انتصار أكتوبر المجيدة وقامت بتتفيهه من خلال أعمال سينمائية متواضعة ولم يقدم أي فيلم ذي مستوي عال يليق بنصر أكتوبر في هذا اليوم ولا أقصد الإساءة لأحد من صناع هذه الأفلام التي انتشرت في هذه الفترة ولكن لي رأي مختلف وأري أن نصر أكتوبر كان يحتاج قرارًا عسكريًا وقتها يلزم تقديم عمل سينمائي متكامل تعكف علي صناعته كتيبة من المؤلفين والمخرجين والمصورين خاصة أن وقتها كان مناسبًا خاصة أن الأسلحة كانت مازالت موجودة والقادة كانوا أحياء. ولكن ما تم تقديمه كان عبارة عن موضوعات اجتماعية لا تناسب قيمة الحدث والإنجاز العسكري المصري وبالرغم من أنه الإنجاز الأهم في العالم إلا أنه لم يتم تقديره في السينما بعكس الغرب الذين صنعوا أعمالاً ضخمة تخلد معارك بسيطة وأقل من عادية ولكن المصريين اكتفوا بعمل أوبريتات وحفلات ليالي التليفزيون التي يتم الاستعانة فيها ببعض الراقصات والراقصين ليقدموا أغاني سخيفة للرئيس السابق ويقوم هو «بالتطبيل» علي الكرسي ابتهاجًا بما يحدث من عبث وسخافة.. ولهذا أري أننا أسأنا لنصر أكتوبر بدلاً من أن نحتفي به واكتفينا بصناعة مأساة لابد أن يحاكم كل من شارك فيها وهي احتفالات اكتوبر من خلال كلام رخيص ونفاق. وأشعر بالحزن عندما اتذكر أن القدير عمار الشريعي شارك في هذه المهازل بدلا من أن يتم استغلاله في عمل عظيم يناسب الحدث وبالرغم من هذا كنت أتمني أن يقدم أعمالاً أخري بعيدًا عن هذا الخزي والعار الذي أساء لأكتوبر. السيناريست بشير الديك أكد أنه عقب نكسة 67 ظهرت موجة الأفلام الكوميدية بهدف التخفيف عن الناس ورسم البسمة علي وجوههم وفي نفس الوقت إلهائهم عن أسباب الهزيمة كذلك قلت الرقابة علي الأفلام وسمحت بوجود مشاهد جنسية في السينما بشكل كبير وهذا لم يحدث في عهود سابقة وظهرت الأفلام التافهة وفي مقابل ذلك حدث انفجار بعد نصر 73 وظهرت الأفلام التي تنتقد ما حدث في 67 بحرية تامة وما كان يقوم به زوار الفجر لكن بعد سنة 1974 ووقف إطلاق النار والمفاوضات ومعاهدة السلام والانفتاح الاقتصادي ظهرت الأفلام التجارية لكن في المقابل كان لها هناك أفلام محترمة وقوية. الناقد رفيق الصبان يري أن وضع السينما بعد نكسة 67 كان يركز علي الروح المعنوية للشعب المصري وهذا فسر ظهور موجة أفلام فؤاد المهندس وفي المقابل ظهر جيل من المخرجين قدموا نوعًا جديدًا يتمرد علي ما يحدث في مصر مثل علي بدرخان وسعيد مرزوق ويوسف شاهين وإن كانوا أخذوا فرصتهم الحقيقية في فترة السبعينيات من خلال أفلام مثل العصفور وزائر الفجر والكرنك بعد انتهاء عصر عبدالناصر وأضاف أن النكسة ولدت لدي الفنانين نوعًا من التمرد ومحاولة تغيير الواقع بعكس ما حدث بعد نصر 73 والتي لم تخرج عن إطار تمجيد الانتصار بشكل لا يتناسب مع حجم هذا الانتصار وهذا ما جعل الجيش يتوقف عن دعم الأفلام التي تدور حول رحلة البناء التي انتهت بهذا النصر العظيم حيث اقتصرت أفلام أكتوبر علي الأعمال الرومانسية التي يتم إقحام النصر فيها كما ظهرت أفلام المقاولات واعتقد إذا كانت هزيمة يونيو بمثابة «الكرباج» الذي أيقظ الفن فإن نصر 73 أسكر الفن وجعله في حالة عدم توازن بالرغم من أن تأثيره من المفروض أن يكون العكس. أما الناقدة ماجدة خير الله فقالت أن المشكلة التي مرت بها السينما المصرية بعد حدوث النكسة تتمثل في قلة الإنتاج المصري حيث أغلقت أغلب الاستوديوهات المصرية مما دفع صناع السينما إلي الهروب للبنان والعمل مع العرب في أفلام هابطة، ولكن لم يمنع ذلك تواصل الحياة السينمائية والتي عبر الكثير بها عن فترة النكسة ولكن بشكل غير مباشر حيث قالت: «تم إنتاج عدد من الأفلام التي تعرضت لأسباب النكسة وما بعدها وزاد إنتاجها بعد نصر أكتوبر.. فقد تم إنتاج أفلام مثل «ثرثرة فوق النيل» و«الحب تحت المطر» و«الكرنك» الذي يعد من أهم الأفلام التي تحدثت عن فترة ما بعد النكسة ولكنه بالطبع تم تقديمه بعد الحرب بعدة أعوام.. أما النصر الخاص بأكتوبر فقد جاء سيل من الأفلام المرتبط بالموضوع بينما لم يوجد الجيد منها.. وأغلب الأفلام التي قدمت بعد أكتوبر كانت تدور أحداثها حول ما قبل الحرب أكثر من التي تدور أحداثها حول ما بعدها. لأن الناس يذكرون الألم أكثر من الفرح. وبعد مشاركته في أفلام الحرب والنكسة يقول المخرج علي عبدالخالق: «لا توجد أفلام كثيرة عن حالة النكسة وقتها سوي فيلم «أغنية علي الممر» والذي كان يعكس حالة الجنود وقت الحرب، حتي أن الفيلم لم ينته بالنكسة، فقد انتهي بانتصار البطل (محمود مرسي) ووقوفه في وجه الدبابات كنوع من الاستمرار في المقاومة.. ولعل ما دفعنا لعدم الحديث بشكل كبير عن النكسة هو الألم والحزن الذي انتاب الشعب المصري وقتها. أما بعد حرب أكتوبر فقد توافد العديد من المخرجين لتقديم أعمال تعبر عن الفرحة خاصة الأفلام الستة التي تم إنتاجها بعد انتهاء الحرب بشكل مباشر، وقد كان هؤلاء المبدعون لا يسعون (لركوب الموجة) أو للكسب المادي ولكنهم كانوا يعبرون عن الحالة الوطنية حتي أنهم قاموا بالدخول في صحراء سيناء لتصوير المشاهد الطبيعية وقد كانت مليئة بالألغام ولم يتم تنظيفها بعد ولكنهم اهتموا بتعبير اللحظة.. وبعدها انهالت الأفلام التي تعبر عن الفرح التي تعبر عن الفرح الذي يعيشه الشعب، ويجب أن أؤكد علي أن جميع المبدعين الذين قدموا هذه الأفلام قد كانت تحيط بهم حالة وطنية نفتقدها هذه الأيام. المخرج داود عبدالسيد يري أن نكسة 67 أحدثت تأثيرًا سلبيًا علي السينما مثلما أثرت علي الناس وأصابتهم بالإحباط فقد نشط إنتاج القطاع العام للأفلام المأخوذة عن أعمال أدبية والتي لا تتكلف ميزانيات مرتفعة في ظل قلة مصادر الدخل القومي وحالة التقشف وانتشرت الأفلام التافهة ولم يسمح بأي قدر من الحرية لنقد النظام أو الحديث عن أسباب النكسة ولم يخرج في هذه الفترة سوي فيلمين يتحدثان عن الحرب والنكسة وهما فيلم «أغنية علي الممر» والذي توقف عرضه بعد أيام من وجوده في دور السينما والفيلم الثاني هو «ظلال علي الجانب الآخر» والذي يتحدث عن الهزيمة المعنوية التي أصابت الناس بعد فشل المشروع الناصري وظل الإحساس بالعجز موجودًا لأكثر من 20 عامًا حتي بعد نصر 1973 واتسمت هذه الفترة بقلة الإنتاج السينمائي. وأضاف عبدالسيد أنه مثلما أثرت النكسة علي الفن فإن النصر أثر علي الفن أيضًا وبدأت بدعم الجيش للأفلام التي تؤرخ لأكتوبر دون النظر لمستواها الفني وقد توقف دعم الجيش بعد إنتاج خمسة أو 6 أفلام وبدأت تظهر أفلام تجارية تواكب فترة الانفتاح بجانب الأفلام التي تنتقد نظام عبدالناصر. قال المخرج سمير سيف: «الفرق هنا أن مزاج الشعب بعد أحداث النكسة والحالة النفسية التي كان يمر بها البلد أدي إلي عدم إمكانية تقديم أعمال سينمائية تناقش ألم النكسة بشكل مباشر ولم يكن هناك سوي بعض الأفلام القليلة التي عرضت مأساة النكسة وأغلبها كان مأخوذا من قصص الكاتب نجيب محفوظ والذي عرض بعض المعاناة بالهزيمة ولكن من خلال قصص جديدة لا تعرضها بشكل مباشر وعن هذه الأفلام فيلم «ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار» والتي كانت تعرض مشاكل المجتمع في هذا الوقت. بالإضافة إلي بعض الأفلام الأخري التي عرضت جانبًا عسكريا خفيفًا مثل «العصفور» ليوسف شاهين و«أغنية علي الممر» لعلي عبدالخالق و«أبناء الصمت» لمحمد راضي والتي سميت بسينما الغاضبين والذين عبروا عن استيائهم من الأوضاع بشكل شبه مباشر. أما بقية الأفلام فقد غلب عليها طابع «الحرية» في كل شيء من الثقافة وفي المشاهد الساخنة وكانت تتسم بالبعد عن الواقع لتحسين نفسية الشعب وإلهائه. وبالنسبة لحرب أكتوبر فقد عادت السينما لتعكس الواقع السياسي عن طريق مساندة القوات المسلحة بأفلام واقعية تم تصويرها خلال العبور، وقد كانت هذه الأفلام تعبر عن فرحة الشعب بأكتوبر حيث تم تقديم عدة أفلام عن الحرب مباشرة وهي «الرصاصة لاتزال في جيبي» و«الوفاء العظيم» و«بدور» وجاءت الأفلام التالية لها تحمل طابع الاجتماعية أكثر من الحرية حيث تم استخدام القصص الاجتماعية وتداخل النصر معها والحرب والاستشهاد وغيرها من الأمور الإنسانية التي مر بها الشعب المصري.