الهزيمة المدوية التى لحقت بالرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحزبه فى الانتخابات المحلية التى جرت مؤخرا فى تركيا، ما هى إلا عقاب من الشعب التركى لأردوغان وسياساته، فنتيجة الانتخابات المحلية التى أعلنت فى تركيا، وفقا لإعلان الهيئة العليا للانتخابات التركية أسفرت عن خسارة مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذى يقوده أردوغان فى اسطنبول، وكان ذلك متزامنا مع خسارة مرشحى حزب العدالة فى أنقرة وتراجعهم فى أنطاليا وأزمير، وهى المدن الرئيسية فى تركيا. وتشكل خسارة أهم مدينتين فى البلاد هزيمة مدوية لأردوغان الذى كان نفسه رئيس بلدية اسطنبول، كما أنها مسقط رأسه، كما أنها ستؤثر بدرجة كبيرة على الانتخابات العامة والرئاسية المقبلة، ولعل هذا ما يخشاه أردوغان وتطرق إليه بعد ظهور النتيجة إذ أعلن أن الأنظار ستتركز على الإصلاحات الاقتصادية والأمنية بعد الانتخابات المحلية. وتحمل خسارة اسطنبول خصوصا حساسية بالنسبة الى أردوغان الذى لطالما كرر لأعضاء حزبه أن الفوز فى المدينة يساوى الفوز بتركيا كاملة، وأهميتها لحزب العدالة والتنمية تكمن فى أنها المكان الأول الذى بدأوا (العدالة والتنمية) الفوز فيه. . ولاشك أن تعرض الرئيس التركى أردوغان لانتكاسة كبرى فى نتائج الانتخابات المحلية وخسارته العاصمة أنقرةواسطنبول، عصب الاقتصاد فى البلاد. يحمل رسائل رفض لسياسات اردوغان السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فعلى الصعيد السياسى دخل اردوغان فى مغامرات سياسية و عسكرية، لم يجن من ورائها الشعب التركى اى مكاسب، كما كان لدعمه واستقطاب العناصر الارهابية الهاربة من مختلف دول العالم وايوائه عناصر جماعة الاخوان الارهابية، وتوفير ملاذات آمنة وتقديم دعم مالى لهم وتوفير فرص عمل وتسهيلات لهم أثر كبير على المواطن التركى، الذى وجد نفسه يعانى من اوضاع وظروف اقتصادية نتيجة لمغامرات سياسية من جانب اردوغان، فى حين يجد إن الإرهابى يعيش فى افخم الأماكن ولديهم السيارات الفارهة والمواطن التركى محروم من كل هذا. كما كان للعمليات العسكرية ودخوله فى صراعات وحروب فى سوريا و شمال العراق إثر كبير على الاقتصاد التركى وسقوط العديد من القتلى من الشعب التركى، أن اثارت حفيظة وغضب الاتراك، وهذا ما دفعهم إلى عقاب اردوغان، كما كان للتناقضات السياسية التى اتبعها اردوغان طوال السنوات الماضية أثر كبير فى نفوس الشعب التركى، الذى لم يستطع ان يحدد هويته السياسية بعد، وهل بلاده حليف للشرق ام للغرب، وبعد ان كانت تسعى الى الانضمام للاتحاد الاوروبى اصبحت الآن حاضنة لجماعات ارهابية راديكالية، ولعل تلك المغامرات السياسية دفع حسابها الشعب التركى خاصة بعد العقوبات التى فرضتها روسيا على اردوغان وتركيا فى اعقاب إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضى السورية فى اكتوبر عام 2015. اما على الصعيد الاقتصادى فقد شهت السنوات الأخيرة من حكم اردوغان أزمات اقتصادية كبيرة انعكست على أوضاع وأحوال الشعب التركى والتى كانت نتيجة حتمية للمغامرات السياسية والعسكرية التى اتبعها اردوغان، فكان لسياساته اتجاه الجماعات الإرهابية ودعمهم لهم وايواء أعداد كبيرة منهم فى تركيا ان شكل ضغطا على المواطن التركى الذى وجد ان عناصر اجنبية تعيش فى رغد على ارضه وتتوافر لهم كل مقومات الحياة فى حين يعانى المواطن التركى من غلاء المعيشة، فقد وجد الاتراك اموالهم وثرواتهم ومقدراتهم تنفق على جماعات ارهابية فى حين يعانى المواطن التركى من الحرمان، كما كان لانخفاض قيمة الليرة التركية وفقدانها نحو 40% من قيمتها منذ اغسطس 2018 اثر كبير على تدهور الاحوال المعيشية للاتراك وارتفاع نسبة التضخم فى تركيا الى 27 %، كذلك شهد الاقتصاد التركى تراجع كبير فى معدلات النمو ادى بالتبعية الى زيادة اعداد البطالة وارتفاعها فى تركيا لتصل الى 12.5%. أما على الصعيد الاجتماعى، فقد ادخلت سياسات اردوغان الأتراك فى صراعات داخلية وانقسامات اجتماعية حادة، فخلال التجمعات الانتخابية بوجود أنصاره من حزب العدالة والتنمية، وهم الأتراك المحافظين إجمالا، قدم إردوغان معارضيه على أنهم أعداء الدولة، فأشار إلى أنهم على صلة بمقاتلى حزب العمال الكردستانى الذين يخوضون صراع مع تركيا على مدى عقود. ولعل هذا استغله اردوغان ايضا فى اعتقال عشرات الالاف من الاتراك خاصة بعد محاولة التمرد العسكرى عام 2016، إذ اعتقل الآلاف من الصحفيين والقضاة وقادة الجيش وأساتذة الجامعات والمواطنين العاديين الذى يعارضون سياساته خاصة فيما يتعلق بإيواء العناصر الإرهابية والإنفاق عليهم. لقد أراد الناخب التركى والشعب التركى أن يرسل رسالة إلى أردوغان، ولم يجد أفضل من صناديق الانتخابات المحلية، ولعل الرسالة وصلت إلى أردوغان وهى أن الشعب التركى يريد تغيير أردوغان.