30 عاما من الحرمان عاشها أهالي وبدو سيناء في ظل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.. وعود كاذبة وخطط للتنمية ومشروعات تنتهي قبل ان تبدأ.. لا ماء للشرب أو الزراعة.. ولا كهرباء للانارة أو التنمية.. ولا خدمات صحية وتعليمية فخرجت سيناء عن خط القضبان ليندفع أهلها إلي الحدود مع الأراضي المحتلة وقطاع غزة، لحل أزمة البطالة وبحثا عن لقمة العيش.. فتحول شبابها الي مهربين يسقطون رهائن في السجون الاسرائيلية أو يموتون اختناقا تحت الأنفاق الحدودية غير الشرعية، أو فريسة لخدمة عصابات مسلحة أو جماعات إرهابية . «روزاليوسف» قامت بجولة إلي شمال سيناء لرصد ما يحدث علي أرض الواقع من العريش الي القري الحدودية مع قطاع غزة والأراضي تحت الاحتلال الاسرائيلي وحتي الكونتلا موقع الأحداث المؤسفة للقصف الإسرائيلي التي راح ضحيته المجندون المصريون. رصدنا كيف طغت مشاكل الانعدام الأمني، واندفع الأهالي بقوة خلف تصديق الشائعات التي تقصف أي نقاط التقاء بين أهالي العريش والبدو في القري الحدودية وتبث الفتنة بينهم مما جعل الجميع يحمل السلاح، والبلطجية ينتشرون بالشوارع، فتباع المواد المخدرة في فاترينات بالميادين، وطلقات الرصاص عند محال العطارة والمكتبات وتخرج جميع المؤن، واسطوانات الغاز والسولار المدعم عبر الأنفاق الي غزة. البداية كانت بتتبع قضية نقص المواد الغذائية والسولار في العريش والشيخ زويد ورفح وكان وراء هذا اللغز عودة فتح العمل بالأنفاق بعد هدوء في نشاطها أيام الثورة، وبعد أن رأينا طوابير السيارات أمام محطات الوقود بحثا عن السولار والبنزين، رصدنا أعمال تهريب للسولار في تريلات من العريش الي طريق الشيخ زويد ومنها الي الانفاق في رفح. السيد حسين ..بنعمل من ساعتين الي 4 ساعات علي وردية شحن بضاعة نفق واحد واليومية تصل إلي 600 جنيه غالبية ما نشحنه حاليا هو البنزين والجاز والغاز ..بينما لم يعد هناك اقبال علي المعلبات والمواد الغذائية والسلع التموينية كالسابق . ويشرح لنا أيمن محسن من أبناء قبيلة السواركه كيف تخرج تريلات تنقل السولار والبنزين 80 والذي عليه اقبال شديد من محطات البنزين بالعريش الي الشيخ زويد.. ويشير الي أنها تتجه الي اماكن الأنفاق برفح، أو تجار تجزئة من خلال مليء جراكن وتجميعها من أكثر من محطة بنزين ثم تجميها في تريلة واحدة الي الانفاق مع غزة، بينما هناك تريلات تخرج من شركات توزيع السولار مباشرة الي طريق الشيخ زويد بالاتفاق مع السائق ومحطة البنزين المورد اليها وإعادة صب الكميات في سيارات خزانات كسح المياه التي تتجه الي الانفاق أيضا لدعم غزة بالوقود. ويضيف أن أصحاب محطات البنزين أصبحوا يبرمون اتفاقات مباشرة مع سائقي تريلات شركات البنزين ليخرجوا به مباشرة الي مواقع التبادل علي طريق الشيخ زويد -رفح مباشرة بينما تظل محطات البنزين خالية عدة أيام من السولار، مما دفع تجار السوق السوداء لاستغلال الموقف بالتعاون مع عمال المحطات بتسريبه وبيعه علي الطريق في جراكن بضعف الثمن. ومن جانبه طالب محسن عبد السلام من أهالي الشيخ زويد بضرورة فتح المعابر مع غزة لغلق الانفاق نهائيا وادخال البضائع التي يحتاجها قطاع غزة لأن الضريبة غالية فأبناؤنا نتيجة للبطالة يعملون بالانفاق وأخشي عليهم لأنهم يخاطرون بحياتهم، فضلا عن أن الأنفاق رفعت اسعار المعيشة في شمال سيناء ونحن من دفع فاتورة هذا الغلاء من قوتنا بعدما تضاعفت أسعار السكر والصابون ولم نعد نجد السولار واسطوانات الغاز، وليس كل من يسكنون منطقة رفح أو الشيخ زويد يعملون بالأنفاق، ولذا فإن هناك فئة استفادت وأخري لا واصبح هناك فوارق اجتماعية واسعة بين أهالي المنطقة . واتفق معه نايف الحسن قائلا نأكلها بملح ولا نخاطر بحياة فلذات أكبادنا لا نريد إلا عمود كهرباء وبئر جوفي لنزرع أراضينا ونعمر الشروط الحدودي فمن الظلم ان يكون لدينا أرض مثل أراضي سيناء الخصبة التي تصلح زراعة كل الفواكه والخضروات وحتي السماد يأتي من إسرائيل لان المصري مغشوش والأمريكي غالي الثمن لذا يلجا أهالي سيناء الي الكيماوي الإسرائيلي عن اضطرار وهو متوفر في الأسواق بكثرة. التقينا في رحلتنا »محمود.ي« أحد العاملين من أبناء الشيخ زويد بالأنفاق مع غزة.. والذي روي لنا قصته قائلا والدي توفي وكنت أبلغ من العمر 6 سنوات، وتزوجت والدتي من آخر وكنت في الثامنة من العمر بالصف الأول الابتدائي ونحن 8 أبناء كنت أصغرهم ومعاش والدي 300 جنيه، وكنا نعيش علي بيع الشاي والسكر والمؤن الغذائية التي نحصل عليها ببطاقة التموين لنشتري الخبز من الفرن الذي نعيش عليه أياما، بل وكنا نقف لساعات للحصول عليه، بعدها اضطررت لترك المدرسة في الصف الثاني الاعدادي للعمل نجار بيومية 2 جنيه أو في رفع مواد البناء علي كتفي . ويستكمل محمود قصته مع الأنفاق موضحا كيف أقنعه أحد أقاربه بالعمل في نفق لشحن الأسمنت الي غزة، حيث كان مترددا إلا أن قريبه أكد له انه يقوم بعمل وطني تجاه القضية الفلسطينية ويجاهد في سبيل الله حيث أعلنت الجماعات السلفية بسيناء أن العمل بالأنفاق حلال ونوع من الجهاد في سبيل فك الحصار عن غزة، فضلا عن مكسبه ليومية أضعاف ما يحصل عليه من النجارة، وبالفعل قبل بالتجربة وكان وقت الخطر هناك تعليمات بالجري في النفق باتجاه غزة وصاحب النفق كفيل باعادتنا من نفق آخر . وعن آخر ما قام بشحنه في الانفاق يقول انه كان يربط اسياخ الحديد لتسحبها مواتير مجهزة باتجاه الجانب الآخر وهناك أيضا شحن السيراميك وعليه اقبال شديد مثل الأسمنت والحديد مشيرا الي أن النفق مجهز بفتحات تهوية علي بعد كل 10 أمتار للتهوية واخراج الغبار كما أن هناك استراحة كل ساعة حوالي 10 دقائق يقدمون فيها لهم الفطير المشلتت والمياه الغازية. ويضيف عامل الأنفاق انه نتيجة للبطالة وعدم وجود فرص العمل اضطررنا للعمل ومع وجود حصار علي قطاع غزة عرضوا علينا ندخل مأكل ومشرب لسد النقص، مؤكدا أن العمل بالأنفاق وفق منظومة متكاملة، ولكل مجموعة دورها الذي ينبغي تنفيذه بكل دقة والا انتهي أمرالجميع فهناك المراقبون والنقالة للبضاعة من المدن الاخري الي موقع النفق وأصعب المهام هي لمن يعملون بالشحن أسفل النفق حيث إن حياتهم معرضة للخطر في حالة ضرب اسرائيل للنفق أو القاء القنابل المسيلة للدموع التي تقتل من بالأنفاق اختناقا، وهناك الكثير من هذه الحالات بيننا ويتم دفنها اسفل الانفاق دون أن يعلم بها أحد . ويضيف »سيد.ح« من العاملين بالانفاق أنه للأسف أصبحت هناك الكثير من عمالة الأطفال في منظومة الأنفاق وشباب يأتون من صعيد مصر أيضا قائلا انه غير راض عن عمله في هذه الظروف الصعبة فإنه لم يجد أي باب مفتوح امامه غيرها ويظل لأكثر من خمس ساعات اسفل النفق دون هواء مع شكائر الاسمنت والزلط حيث لم يعد هناك اقبال علي نقل المواد الغذائية عبر الانفاق كالسابق، ولفت الي أن غالبية من يعملون بالانفاق عليهم احكام غيابية بالسجن من 3 سنوات وحتي 25 عاملا دون محاكمات منذ عهد النظام السابق، وأن هناك ضباطا كانوا يشاركون في إدارة الانفاق مع البدو قبل الثورة ومقابل اتاوات لغض النظر عن عملها. أما عن اليومية فهي تختلف من ادارة لأخري علي حد قوله حيث إن الشريك في ادارة النفق من داخل منزله تكون له نسبة لا تقل عن الربع والدفع بالدولار بينما من يعملون أسفل النفق تبدأ يوميتهم من 100 الي 300 جنيه في اليوم بحسب الكميات المشحونة وعدد ساعات العمل، أما المراقبون لتأمين المنطقة حول النفق واصدار اشارات تحذيرية فتبدأ يوميتهم من 50 جنيها بينما من يقومون بالنقل للبضائع لا تقل يوميتهم عن 150 جنيها ومن يقومون بالتغليف غالبيتهم من الأطفال ويوميتهم تبدأ ايضا من 50 جنيها . جاء ذلك في الوقت الذي لاحظنا فيه انتشار سيارات أحدث موديل وغالبيتها من الجماهيرية الليبية في مدينتي الشيخ زويد ورفح، وغالبيتها بدون أرقام، وذلك انتظارا لدورها في الدخول الي انفاق السيارات , والتي من الصعب تشغيلها تحت القصف الاسرائيلي حيث ترصد ويتم تدمير النفق، وهو من أكثر الانفاق تكلفة وصعوبة في الشق. ويوضح لنا أحد المشرفين علي ادارة نفق من منزله أن ادخال السيارات الي النفق يكون إما بتجزئتها بعد فكها وسحبها بالمواتير من الجانب الثاني بغزة، أو بادخالها كما هي ويقودها أحد الفلسطينيين حيث إنهم يقومون بالمهام الأكثر خطورة في منظومة الأنفاق مشيرا الي أن نفق السيارات لا يتم تشغيله اكثر من يومين ويتم رصده وضربه. وعن كيفية اختيار اماكن الانفاق يوضح أن ذلك يكون من خلال حسابات منظمة ودقيقة يقوم بها عدد من المتخصصين في شق الانفاق من قطاع غزة، ويقوم العمال باخراج علامة في المكان الذي ينتهي عنده الشق، مع التنسيق مع سماسرة متخصصين في التفاوض مع من تخرج العلامة داخل منزله للاتفاق علي النسبة من تشغيل النفق، وبدء جمع من سيعملون به من علي المقاهي من خلال مقاولين أنفار.