وسط كل هذا اللغط السياسي الملتهب.. والطنين الإعلامي الصارخ.. والانفلات الأمني المرعب.. والائتلافات الثورية المرتبكة.. والاستعراض الإخواني والسلفي للقوة المفرطة.. ووسط الانفلات التليفزيوني الممل بنفس الوجوه ونفس رائحة البيزنس» الضخم والغامض والمريب في ذات الوقت.. مع إضافة بعض المقبلات الحريفة في محاولة باهتة للقفز علي دماء الشهداء.. بغية الانتماء إلي الثورة عنوة.. أو ادعاء الخروج من عباءتها زورا وبهتانا.. وسط كل هذا العبث بمصير وطن بأكمله تستوقفني ثلاث حوادث مفرطة في التطرف ولكنها ذات دلالات مرعبة غاية في الخطورة: - أولها حادثة الاعتداء علي قسم شرطة ثان العريش لمدة 9 ساعات متواصلة من قبل جماعة سلفية جهادية ترفع رايات تنظيم القاعدة السوداء وعلم السعودية وتطلق علي نفسها «قاعدة الجهاد في أرض الكنانة».. وأعلنت بعد هجومها المسلح أن هذه العملية تمهيدا لإعلان عن «الإمارة الإسلامية» في شمال سيناء.. ثم أعلن الشيخ أبو أيوب أحد زعماء السلفيين: «أنه أقام لجاناً شرعية سلفية للحكم بين الناس بديلا عن الأحكام العرفية البدوية ومن لا يمتثل لأوامر هذه اللجان فسوف ينفذ الأمر بالقوة ولديه 6000 شاب مسلحين بالكامل لاستخدامهم عند الضرورة».. إذن فنحن أمام دولة داخل الدولة. - وثانيها حادثة إقامة الحد علي «بلطجي» كفر الشيخ وتقطيع يديه ورجليه من خلاف والتمثيل بجثته في شوارع مدينة دسوق بطريقة بشعة.. ودون محاكمة تم تنفيذ حكم الإعدام فيه علي الملأ.. في محاولة «ناجحة وفجة» لتطبيق «الشريعة الوهابية السلفية».. في ظل صمت تام من أجهزة الشرطة ودون أي تدخل علي الإطلاق. - أما الثالثة فهي الأحداث المؤسفة بمدينة جرجا العريقة التي كانت من قبل مديرية جرجا وعاصمة محافظة سوهاج لتمدنها وتحضرها حتي إن الملك فؤاد الأول وسعد زغلول باشا والملك فاروق زاروها والتقوا بأهلها حيث كانت عاصمة الجنوب ويسكنها كبار أقطاب حزب الوفد وعلي رأسهم فخري باشا عبدالنور والد وزير السياحة الحالي منير فخري عبدالنور.. فإذا بالمدينة المتحضرة تضرم فيها الحرائق وتشتعل فيها حرب أهلية بين سكان قرية «الخلَّفية» وتتحالف معها قرية «بني عويس» فيسقط ثلاثة جرحي وعشرات المصابين.. ويهاجم آلاف الشباب قسم الشرطة بضراوة لا تقل عن ضراوة ما حدث في العريش ويستولون علي 400 قطعة سلاح ويهاجمون «الخلفية» و«بني عويس».. بعد أن تم تجريس عدد من الشباب تم اختطافهم وتصويرهم بالهواتف المحمولة عرايا.. وتشتعل جرجا الهادئة الآمنة ولا تستطيع قوات الشرطة السيطرة علي الموقف إلي أن تدخل الجيش لينهي هذا الصراع الدامي بين أبناء مدينة واحدة. إذن نحن علي شفا حرب أهلية.. قد يحاول البعض أن يتفاءل ويطمئن نفسه ويقلل من خطورة ما يحدث أو يوحي لنا بأن ما يحدث هو أمر طبيعي تفرزه الثورات الشعبية.. ولكن هذا التهوين من الأمر يجعلنا كمن يضع رأسه في الرمال مثل النعامة.. فلن نستطيع أن نري الصورة الحقيقية لما يحدث.. وبذلك لن ندرك خطورة ما يحاك لنا من مؤامرات الآن أصبح لدي يقين بأنها تتم في العلن وبتحد سافر.. ورغم أنني ضد نظرية «المؤامرة» التي قد تتحول إلي «شماعة» نعلق عليها أخطاءنا التاريخية الفادحة.. ونبرر بها عجزنا عن قراءة الواقع قراءة سليمة متأنية.. ولكن أؤكد لكم أن المنطقة بأكملها تتعرض لمؤامرة حقيقية جري الإعداد لها عبر سنوات طويلة لتنفيذ مخطط صهيوني أمريكي غربي لإعادة صياغة ما عرف بمشروع «الشرق الأوسط الجديد».. وقد ساهم كل الحكام العرب - لا أستثني منهم أحدا - في تكريس هذا المخطط.. للحفاظ علي مقاعدهم في سدة الحكم.. وتعالوا لنتأمل المشهد العربي الآن فسنجد أن ما يجري الآن علي الأرض العربية هو مشروع «سايكس بيكو» جديد لتقسيم المنطقة إلي دوليات صغيرة.. فالمشروع الأول الذي نفذ في أعقاب الحرب العالمية الأولي بدأ أيضاً بما عرف وقتها بالثورة العربية الكبري التي قادها الشريف حسين والذي تحالف فيها مع الإنجليز لإسقاط الخلافة العثمانية علي أمل استعادة الخلافة الإسلامية للحجاز.. ولكن بعد أن سقطت الخلافة نكص الإنجليز بوعودهم وتخلصوا من الشريف حسين وتولي ابنه الأمير «فيصل» العراق.. وتولي ابنه الثاني الأمير عبدالله «أبوالملك حسين» شرق الأردن وأطلقوا عليها «المملكة الأردنية الهاشمية».. ومنح «بلفور» وزير خارجية إنجلترا اليهودي الأصل وعده الشهير للحركة الصهيونية لإقامة وطن لهم في فلسطين سمي «إسرائيل».. وتولت الدول الاستعمارية إنجلترا وفرنسا وإيطاليا تقاسم «كيكة» الوطن العربي فيما بينها وفازت إنجلترا بنصيب الأسد «بفرض الحماية علي مصر» وتم تقسيم الهلال الخصيب «بلاد الشام» إلي الأردن وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين ورسمت الحدود السياسية.. وحدث ذلك في منطقة الخليج العربي وقسمت إلي إمارات بعد أن كانت تسمي كلها شبه الجزيرة العربية وحدث ذلك في المغرب العربي.. وكانت أطماع وطموحات الحكام العرب سببا رئيسيا لتكريس هذا المخطط الاستعماري آنذاك وهذا ما يحدث الآن. فمن يتأمل المشهد العربي يجد أن ما يحدث الآن شبيه بما حدث بالبارحة.. فلدينا حكام عرب أصروا علي قمع شعوبهم وقهر كل الأصوات المطالبة بالإصلاح.. وتدمير اقتصادات بلادهم لطمع وجشع الطغم الحاكمة التي استأثرت بالسلطة والمال والنفوذ بمنظومة من المفسدين.. فكان لابد أن تسقط هذه الأنظمة غير مأسوف عليها.. ولكن المشروع الصهيوني الأمريكي المتربص بالمنطقة لتنفيذ مخططه والتحقت به دول أخري لها مصالح في المنطقة لتحصل علي نصيبها من «الكيكة العربية الحديثة طبعة 2011».. فبعد تقسيم العراق بطريقة طائفية وعرقية (شيعة وسنة وأكراد).. تم تقسيم السودان إلي شمال وجنوب.. ومازالت منطقة دارفور تطالب بالحكم الذاتي.. والآن «السلفيون التكفيريون» في سيناء يعلنون الحرب علي الدولة المدنية المركزية بإعلانهم إقامة «الإمارة الإسلامية» في شمال سيناء.. وعلي الحدود إسرائيل تتلمظ ليتم لها المراد.. وتتحالف الحركات الأصولية الإسلامية في غزة مع الإمارة الإسلامية المزعومة.. لتقوم إسرائيل بطرد الفلسطينيين من غزة إلي سيناء وبذلك تكون إسرائيل قد التهمت ما تبقي من الأراضي العربية الفلسطينية وانتزعت سيناء شمن الوطن الأم وصدرت المشكلة إلي مصر وبدلا من أن سيناء كانت من المفترض أن تحمي مصر يصبح علي مصر أن تحمي سيناء.. وتقف القوات المسلحة المصرية عاجزة عن الدفاع عن أرض سيناء بموجب معاهدة «كامب ديفيد» التي حددت تواجد الجيش المصري في القطاع (ج) بقوات شرطية محدودة.. أما ما يحدث في سوريا وليبيا واليمن فهو وضع مأساوي خطير.. حيث أوصل الحكام العرب شعوبهم إلي طريق مسدود.. والآن عليهم أن يختاروا بين أمرين كلهما مر.. فإما الاستسلام والتعرض لمحاكمات صارمة ولن ترحمهم شعوبهم.. أو مواصلة الحروب الأهلية الدائرة الآن.. لمحاكمات صارمة ولن ترحمهم شعوبهم.. أو مواصلة الحروب الأهلية الدائرة الآن.. وهنا تكمن مؤامرة التقسيم من جديد فالمخطط الصهيوني الأمريكي الغربي لن يترك هؤلاء الحكام ليسقطوا نهائيا بل سيتم إضعافهم وإنهاك اقتصادهم وسرقة ثرواتهم عن طريق دفع فواتير «المقاومة الشعبية» وقوي الثورة.. ثم يبقي الحال علي ما هو عليه فتقسم ليبيا إلي ثلاث دويلات أو أربع طرابلس وبرقة وبنغازي وطبرق.. ثم تقسم سوريا إلي علويين وشيعة وسنة وشمال وجنوب.. وتقسم اليمن إلي شمالية وجنوبية.. وهكذا يسير المخطط في طريقه الصحيح.. ولذلك فإن مصر مستهدفة ومهددة، وعدد كبير من أجهزة المخابرات الأجنبية تلعب في الخفاء بمصير ومستقبل وأمن الوطن... والوطن أمانة في عنق المجلس العسكري وقواته المسلحة الشريفة الباسلة.. وعلينا أن نساعدها بإخلاص لأداء واجبها الوطني لحماية مصر قبل أن نبكي علي اللبن المسكوب فالوضع جد خطير فانتبهوا أيها السادة.. فنحن صمام أمان المنطقة العربية والشرق الأوسط فإن سقطنا فستسقط كل المنطقة.. فنحن نحتاج إلي اليقظة التامة.. وعلينا ألا نستهين بأمر سيناء فهي خط الدفاع الأول.. وقد عانت سيناء عبر ثلاثين عاما من الإهمال التام وترك نظام مبارك ملفات سيناء لأجهزة أمن الدولة فنكلت بهم.. وكان من الأجدي أن يترك هذا الملف لرجال المخابرات والأمن القومي فهم الأجدر علي ذلك ولهم تاريخ طويل في التعامل مع أهالينا المصريين في سيناء وأن يمنحوا حق المواطنة كاملة.. فقد تحدث مشايخ سيناء كثيرا وحذروا كثيرا من مغبة تسلل أعداد كبيرة من حركة الجيش الإسلامي من غزة لتدريب شباب سيناء وتم إمدادهم بكتب كثيرة عن الحركة الوهابية كانت تأتيهم من السعودية وغزة وتم تجييش أعداد كثيرة من هؤلاء الشباب الذين تحولوا إلي جيش من السلفيين المسلحين.. تقودهم مجموعات ممن اطلقوا علي أنفسهم «قاعدة الجهاد في أرض الكنانة».. لنعود ونكرر انتبهوا أيها السادة.