حمَّل المرجع الشيعى اللبنانى البارز السيد على الأمين إيران وثورتها مسئولية الحروب الطائفية التى باتت تخيم على المنطقة العربية موضحاً أنه قبل سيطرة النظام الثورى الإيرانى على مقاليد الحكم فى طهران كان الشيعة يعيشون جنبا إلى جنب مع إخوانهم السنة فى سلام دونما مشاكل طائفية لكن بدأت المشكلات الطائفية نتيجة توجه إيران لدعم نفوذها فى البلدان العربية من خلال دعم موالين لها بالمال والسلاح.. الأمر الذى أدى إلى تقويض السلام الأهلى الذى كان سائداً فى المجتمعات العربية وضرب مثالا لذلك بحزب الله الذى وصفه بالحزب المسلح التابع للنظام الإيرانى وكذلك حركة أمل. وأشار الأمين إلى أن السلاح والاموال الإيرانية الطائلة جعلت حزب الله يهيمن على المشهد مما أعطى انطباعا أن شيعة لبنان تابعون لإيران وهذا غير صحيح على حد قوله. كما شدد المرجع الشيعى البارز على أن كثيرين من شيعة لبنان رفضوا التورط فى المستنقع السورى لكن حسن نصرالله تورط فى ذلك دفاعا عن الاجندة الإيرانية فى سوريا. وحول توصيفه لطبيعة انتمائه الشيعى قال الأمين: أنا شيعى أؤمن بولاية الدولة وأعتقد أن المسلمين سنّة وشيعة أمة واحدة وإخوان فى دين الله على اختلاف مذاهبهم. ولم يتوقف الحوار مع المرجع الشيعى المستنير على الملف الطائفى السنى الشيعى بل تحدث عن تجديد الخطاب الدينى داعياً إلى خطاب دينى جديد يقوم على الاعتدال والتسامح بين المسلمين انفسهم بصرف النظر عن خلافاتهم المذهبية والطائفية وبين المسلمين والغرب مشددا على ضرورة تأصيل مفهوم المواطنة والعمل على تقوية الدولة لمواجهة العبث بالسلم الاهلى والامن الاجتماعى.. وفيما يلى نص الحوار: ■ يحجب المشكل الطائفى السنى- الشيعى اليوم فى عالمنا العربى كل المشكلات الأخرى.. برأى سماحتكم ما أسباب بروز هذا المشكل الطائفى؟ وما هو تصوركم للخروج من هذا المنزلق الخطر؟ لقد ذكرنا مراراً أن السبب الرئيسى فى ظهور المشكل الطائفى فى مجتمعاتنا يعود إلى الصراع على السلطة والنفوذ بين دول فى منطقتنا العربية جعلت من الأحزاب الدينية والجماعات السياسية فى الداخل أدوات لها لتحقيق ذلك، وقد زاد من حدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية فى المنطقة خصوصاً بين إيران وجيرانها العرب بعد أحداث العراق وسقوط النظام العراقى، وارتفعت الوتيرة الطائفية أخيراً بسبب الأحداث الجارية فى سورياوالعراق واليمن ورفع الكثير من الأحزاب المتصارعة هناك للشعارات الطائفية فى محاولة منها للحصول على الاصطفاف الطائفى من أتباع الطوائف وراء مشاريعها السياسية وطموحاتها السلطوية، وقد دأبت بعض وسائل الإعلام الأجنبية على توصيف الصراع بالعناوين الطائفية لزيادة حدة الصراع والانقسام فى مجتمعاتنا خدمة لمشاريع تفكيك أمتنا وإضعافها. والمخرج من هذا المنزلق الطائفى الخطير على أمتنا يكون بإدراكنا لحجم هذا الشر المستطير والعمل على نشر الوعى الدينى فى مجتمعاتنا وإظهار الأسباب الحقيقية للصراع، وهى أسباب سياسية وليست دينية ولا طائفية، لمنع تسلح تلك الجماعات بعناوين الدين والطائفة، وبالعمل بين المسئولين فى الدول الإسلامية والعربية على قيام الحوار الجاد فيما بينهم خصوصاً بين إيران والدول العربية فى الخليج لإنهاء أسباب الخلاف والصراع والعمل على وقف تلك الحروب المندلعة فى المنطقة. ■ هل تعتقدون ان قيام الثورة الإيرانية عام 1979م هو المسئول عن شراسة الازمة الطائفية؟ ام ان تهميش الشيعة فى البلدان العربية منذ عهود سابقة هو سبب هذه الشراسة؟ الشيعة العرب هم جزء من شعوب بلدانهم العربية، وقد عاشوا فيها إخواناً مع شركائهم فى الوطن مع اختلاف المذهب والدين ولم تكن فيما بينهم مشاكل طائفية قبل الثورة الإيرانية وبعدها، ولكن السبب فى حدوث المشكلة الطائفية أخيراً يعود إلى السياسة التى اعتمدتها إيران فى المنطقة من خلال تشكيل ودعم أحزاب طائفية ترتبط بها لدعم توجهاتها فى توسيع نفوذها وحضورها خارج حدودها، ونحن لا نرى أن هذه السياسة الإيرانية القائمة تخدم المصالح المشتركة بينها وبين الدول العربية وشعوب المنطقة، ولا نعتقد أن إيران ستكون فى منأى عن تداعيات هذه السياسة، لأن تعدد المذاهب موجود فى إيران كما هو موجود فى الدول العربية والإسلامية. ■ يتحدث الجميع عن اختطاف الشيعة العرب من قبل النظام الإيرانى القائم برأيك هل ينطبق هذا الوصف على كل الشيعة العرب، وإلى أى مدى يعد هذا الوصف صحيحا؟ وما هو الحل العملى لضبط الأوضاع لإعادة الشيعة العرب إلى وضعهم الطبيعى كمواطنين عرب هل بحل سياسى فى البلدان العربية؟ أم بمحاولة اصلاح المنظومة الشيعية؟ ولماذا لا توجد حوزات أو مؤسسات شيعية بارزة تظهر ولاءها العربى لأن المعروف أو أنا شخصيا لا أعرف أن هناك منظومة شيعية بارزة تدافع عن انتمائها العربى؟ نحن لا ننكر وجود أحزاب شيعية فى لبنانوالعراق وغيرهما مرتبطة بالنظام الإيرانى، ولكن لا يصح القول بأن الشيعة العرب مختطفون من قبل النظام الإيرانى، لأن هذه الأحزاب جزء من طوائفها، ولا تُختزل طائفةٌ ولا مذهبٌ بحزب أو جماعة، والذى يوحى بالاختطاف هو امتلاك تلك الأحزاب التابعة لإيران لوسائل الإعلام والسلاح مع الإمكانات المالية التى أتاحت لها إخفاء الرأى الآخر فى طوائفها فى ظل الهيمنة الحزبية على قرارات الدولة التى تتواجد فيها تلك الأحزاب، وعلى سبيل المثال فالدولة اللبنانية تعتبر الثنائى الشيعى المرتبط بالسياسة الإيرانية «حزب الله وحركة أمل» هما الممثلان الوحيدان لطائفتهما، فكل الخدمات للطائفة الشيعية ومكاسب السلطة يجب أن تكون بأيدى هذين الحزبين، يضاف إلى ذلك غياب الاحتضان للرأى الآخر من الدول العربية، وهذا ما أظهر وكأن الشيعة العرب يتبعون كلهم السياسة الإيرانية. وهذا ما يفسر عدم بروز مرجعيات ومؤسسات دينية مستقلة وحوزات علمية أخرى مخالفة للسلطة الحزبية، ولذلك يطغى على الرؤية السياسية والدينية لتلك المرجعيات والمؤسسات والحوزات طابع التأييد للنظام الإيرانى لدى الطائفة الشيعية فى لبنان خصوصاً ولدى الشيعة العرب عموماً وغيرهم. ■ القارئ أو المتابع العادى لا يعرف عن شيعة لبنان سوى حزب الله وحسن نصر الله فلو اردنا ان نعرف الصورة الصحيحة كيف يمكنكم وصفها، وكيف ترى تدخل حزب الله فى الحرب السورية؟ حزب الله لا ينكر ارتباطه بولاية الفقيه والنظام الإيرانى، وأنه ليس مجرد حزب سياسى، بل هو حزب مسلّح، وقد استخدم سلاحه بمشاركة حلفائه فى الداخل اللبنانى ضد الدولة وضد أطراف لبنانية لا تمتلك السلاح، وقد هيمن من خلاله على الدولة اللبنانية ومنعها من اتخاذ القرارات بمنعه من استخدام السلاح فى الداخل اللبنانى، وكذلك هو يمنعها من اتخاذ القرارات ضد تدخله فى سوريا، مع أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة كانت تجاهر بوقوفها على الحياد بشأن النزاع فى سوريا والنأى بالنفس! ومن خلال هذه الهيمنة على الدولة من الطبيعى ألا يظهر فى المشهد الشيعى سوى حزب الله والمؤيدين له من الشيعة كحركة أمل التى يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه برى، ونحن مراراً ومنذ إعلان حزب الله عن تدخله فى سوريا قد عبّرنا عن رفضنا لتدخله فى القتال على الاراضى السورية، وطالبنا القيادات الشيعية والمرجعيات الدينية فى لبنان وخارجه بأن تخرج عن صمتها بإظهار موقفها الصريح والرافض لتدخل حزب الله وغيره فى القتال على الاراضى السورية، وقلنا بأن تدخله فى سوريا يشكل خطراً كبيراً على لبنان ويزيد من الاحتقانات الطائفية والفتن المذهبية فى المنطقة، وقلنا له رداً على دعوات الجهاد بأن سوريا ليست ساحة جهاد لنا، بل ساحة جهادنا هى فى بناء وطننا لبنان ودولتنا والحفاظ على وحدتنا الوطنية وعيشنا المشترك. ■ إذا كان لسماحتكم انتقادات وملاحظات على التوجه الشيعى المعاصر فما ملاحظاتكم الناقدة على التوجه السنى المعاصر؟ المشكلة هى فى الأحزاب الدينية سواء اعتمدت على التوجه الشيعى أو التوجه السنّى، لأنها ترى انفسها هى الممثل الشرعى للدين، وأنها وحدها هى التى تستحق الحكم، سواء اعتمدت على نظرية ولاية الفقيه، أو على نظرية دولة الخلافة، وترى هذه الأحزاب بقسميها انحصار شرعية الحكم بها، وأنه لا شرعية للدولة إذا لم تكن دينية، مع أن شرعية الدولة والحاكم تستند إلى إقامة العدل بين الناس وحفظ حقوق العباد وأمن البلاد، ومن يخالف تلك الأحزاب فهو فى نظرها يخالف الدين، وهذا التوجه الموجود عند الفريقين ناشئ من المناهج المعتمدة فى التعليم الدينى، وهو يؤدى إلى الانقسام فى المجتمع وتصنيف أفراده بين مؤمن وغير مؤمن، ومسلم وغير مسلم على أساس الانتماء الحزبى، وهذا يشكل خطراً على وحدة الأمة والمجتمع، ولذلك دعوت الحكام والمسئولين فى دولنا العربية والإسلامية إلى الإصلاح فى مناهج التعليم الدينى فى المؤسسة الدينية ومعاهدها وإلى إعادة النظر فى قوانين تشكيل الأحزاب السياسية على أسس دينية. ■ إذا أردنا ان تقدم للقارئ صورة موجزة للعقيدة الشيعية التى تؤمن بها التى تخالف الاتجاهات المتطرفة؟ أنا مسلم أعتقد بأن المسلمين سنّة وشيعة أمة واحدة وإخوان فى دين الله على اختلاف مذاهبهم، وأومن بولاية الدولة التى تعمل على حفظ حقوق العباد وأمن البلاد، وأن المواطنين فيها متساوون كما قال الإمام على : (الناس صنفان، إما أخ لك فى الدين أو نظير لك فى الخلق) وفى المدرسة الفقهية ألتزمُ مدرسة الإمام جعفر الصادق التى انفتحت على الأئمة الأربعة وغيرهم من السلف الصالح وانفتحوا عليها ولم يكفر بعضهم بعضاً . ■ لو أردنا أن ننقل الحوار إلى ملف الاصلاح الدينى أو تجديد الخطاب الإسلامى بصفة عامة –سنيا كان أم شيعيا- ما الأركان أو النقاط التى يحتاجها خطابنا الإسلامى ليكون عصريا؟ ما نحتاج إليه فى تجديد الخطاب الدّينىّ هو توجيهه نحو الاعتدال والتسامح من خلال البحث عن المسائل والموضوعات الّتى تهمّ المسلمين فى هذه المرحلة، وهى المسائل المتعلٰقة بوحدتهم وعلاقات بعضهم مع البعض الآخر وبناء دولهم وأوطانهم وفى علاقات المسلمين مع شركائهم فى الوطن والمصير ومع غيرهم من الشعوب، لأنّ داء التّفرّق الدّاخليّ الذى يطلّ برأسه يهدّد مجتمعاتنا فى أمنها ووحدتها واستقرارها، وقد أوجد خطاب التطرّف مشكلة كبرى للمسلمين الذين يعيشون فى بلاد الاغتراب مع غيرهم من الأمم والشّعوب الأخرى وانعكس ذلك على علاقات الإسلام مع الغرب، وهى مشاكل نشأت من الفهم الخاطئ لبعض الجماعات لجملة من المسائل المرتبطة بالعلاقة مع الآخر وهو ما نسميه بفقه الدولة والمواطنة وثقافة الحوار، ومهمّة تصحيح الفهم الخاطئ هذا تقع على عاتق المجتهدين وعلماء الأمّة، ولذلك اقترحنا إنشاء جامعة مشتركة ينتمى إليها الطلاب من مختلف المذاهب تؤسس لاجتهادات عابرة للمدارس المذهبية الموروثة. ■ هل ترى سماحتكم أن للمؤسسات الدينية اهمية فى عصرنا الراهن أم أننا نحتاج إلى تقوية كيان الدولة ليكون هو الكيان الوحيد الذى يحتكم اليه الجميع أيا كان دينه أو مذهبه؟ نحن بحاجة إلى الأمرين معاً إلى قوة الدولة الناظمة للأمر والمرتكزة على قاعدة المواطنة وإلى مرجعيتها الوحيدة فى الحكم بين المواطنين بالعدل، ونحتاج أيضاً إلى المؤسسة الدينية التى تبيّن للناس أحكام الشريعة وتنشر الوعى الدينى بينهم لمنع استغلال الدين فى السياسة وتشويه صورته فى النفوس من خلال الأفكار والأعمال التى تزرع الكراهية والبغضاء بين الناس باسم الدين. ■ شاركتم مؤخرا فى مؤتمر الازهر عن المواطنة.. ما معوقات استقرار فكرة المواطنة فى عالمنا العربى هل السبب دينى ام اجتماعى أم سياسى؟ وكيف يمكن تعميق أو زرع هذا المصطلح واقعيا؟ لا شك فى وضوح المقصود من مفهوم المواطنة كما هو ممارس فى كثير من دول العالم اليوم، وقد عشنا هذه المواطنة فى عالمنا العربى، ولكن الذى حصل فى السنوات الماضية من صراعات وحروب أهلية فى بعض الدول العربية والإسلامية وبينها أضعف تلك الدول وقدرتها على تطبيق القوانين وحماية المواطنين من العابثين بالأمن، وهذا ما أوجد مساحة للتطرّف لزرع الكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد على أساس دينى ومذهبى فضعفت بتبع ضعف الدولة فكرة المواطنة، ولذلك فإن قوة الدولة وضربها بيد من حديد على أيدى الخارجين على القانون يعتبر من أهم العوامل لاستقرار فكرة المواطنة وترسيخها فى مجتمعاتنا، وقد ورد فى الحديث (أن السلطان وزعة الله فى أرضه) و(أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). السيد على الأمين فى سطور مرجع شيعى لبنانى ولد فى بلدة قلاوية العاملية فى جنوبلبنان سنة 1952م، مدرس لمادة أصول الفقه وبحث الخارج وداعية تعايش بين الطوائف اللبنانية ومقرّب بين أتباع الدّيانات. عضو مجلس حكماء المسلمين وهو منظمة دولية يرأسها شيخ الأزهر. هاجر إلى النجف فى العراق وذلك فى ستينيات القرن العشرين. وبلغ مرحلة الاجتهاد الشرعى فى سن مبكرة بعد أن تلقى علومه الشرعية على يد علماء الحوزة العلمية فى النجف ومنهم: آية الله السيد أبو القاسم الخوئى وآية الله الفيلسوف السيد محمد باقر الصدر وآية الله السيد نصر الله المستنبط وآية الله السيد الروحاني. درّس مادة أصول الفقه وبحث الخارج فى حوزات النجف وقم ولبنان ودرس عنده المئات من طلاب العلوم الدينية من مختلف أنحاء الدّول الإسلامية والعربية. بعد مجيئه من النجف فى العراق فى الثمانينيات من القرن العشرين أقام فى بيروت وترأس حوزة المعهد الشرعى فى حى السلم فى الضاحية الجنوبيةلبيروت ودرس عنده كثيرون من طلبة العلوم الدينية ومنهم من أصبح فى مواقع المسئولية فى حزب الله وغيره. بدأ التباين بينه وبين الحزب إبّان أزمة خطف الرهائن الأجانب فى الثمانينيات، حيث انتقد السيد الأمين خطف الاجانب وترك بيروت وقام بجولة على القيادات الدينية محذراً من استخدام السلاح بين حزب الله وحركة أمل. على أثر الخلاف ترك بيروت وأنشأ فى مدينة صور معهداً عالياً للعلوم الدينية أطلق عليه «معهد الإمام الصدر للدراسات الإسلامية» لربط رجال الدين بوطنهم. بعد تركه الإقامة فى بيروت وضواحيها، نشب خلاف مسلّح وحرب بين حركة أمل وحزب الله، فوقف إلى جانب حركة أمل ورفض تقاتلهما باسم الدين ورفض قتل الأخ لأخيه. قُصف المنزل الذى كان يسكنه فى مدينة صور خلال حرب يوليو 2006 ودُمّر كلياً. نتيجة مواقفه، تعرّض لتهديدات وهجوم مسلّح فى شهر مايو من العام 2008 على بيته ومقره فى مدينة صور وتمّ تهجيره من الجنوباللبنانى وإقامته فى بيروت منذ ذلك الحين وحتى الوقت الراهن.