لأسباب مختلفة (تتعلق ب«البناء المعرفي» لتيار الإسلام السياسى)، فإن أغلب الروافد «المغذية» لمعتقدات التيار، تقف فى موضع «الخصم» من مرتكزات «الدولة الوطنية» (أى دولة) بمفهومها المعاصر؛ إذ تتراجع تلك «المرتكزات» (عند أبناء تيار «الإسلام السياسى») فى مقابل إعلاء فكرة «دولة الخلافة»، وحتمية استعادتها.. ومن ثمَّ.. ينطلق جُل أبناء التيار - غالبًا - فى فهمهم لنموذج «الدولة الحديثة» - بحدودها الجغرافية، المُتعارف عليها - من أنها صنيعة «القوى الاستعمارية»، التى أسقطت «دولة الخلافة» فى عشرينيات القرن الماضي.. من دون الالتفات لعددٍ من الخصوصيات التاريخية، والحضارية، التى تزخر بها العديد من بلدان «الشرق الأوسط».. فالدولة المصرية (على سبيل المثال)، امتلكت – من الناحية التاريخية – حدودًا «مستقرة»، ومعروفة، حتى قبل تأسيس «دولة الخلافة» نفسها بآلاف السنين (باستثناء حقب تاريخية، معدودة). وإجمالاً.. يؤسس «التيار»، هنا، توجهاته؛ اعتمادًا على رافدين «رئيسيين»: الأول؛ هو «المُنتج الفقهى» (الشرعي)، والثاني؛ هو «توظيف» هذا المُنتج (سياسيًّا، وتنظيميًّا)، فى إطار التخديم على مفهوم استعادة «دولة الخلافة» (المندثرة).. وفى مقابل هذا التأسيس؛ تبدو - فى كثير من الأحيان - الساحة «النقدية»، المتصدية لتفنيد «الدعاوى»، التى يؤسس عليها تيار «الإسلام السياسى» منطلقاته الفكرية، وكأنها تسير فى اتجاهين، لا يلتقيان إلا نادرًا: الأول؛ يتعلق بتفنيد مرتكزات «المنتج الفقهى» للتيار (كتوجه دينى).. وهو دورٌ، كثيرًا ما كانت تتم محاصرة المتصدين له، باتهامات (جاهزة)، مثل أنهم: «فقهاء السلطان»، أو «شيوخ الدولة».. والثاني؛ يتصدى له أنصار «الدولة المدنية الحديثة»، عبر تفنيد آليات «توظيف الخطاب الديني» من أجل إعلاء مصلحة التنظيم (أى تنظيم)، على حساب «كيان الدولة» ذاته، من دون التطرق (بشكل كبير) للجانب «الفقهي»، الذى يُصدّره التيار. ومن هنا.. تحاول «الحلقات التالية» المقاربة بين الاتجاهين السابقين (نوعًا ما)، عبر التداخل بين ما هو «فقهي» (خصوصًا عندما يُرجح أبناء التيار آراءً بعينها، من دون سواها)، وبين ما هو «سياسي»، بشقيه: «النظري» (ترجيح آراء الغلو، والتشدد). و«التنفيذي» (حمل السلاح، نموذجًا). فيما يُمثل الحُكم ب [كُفرية نظام الدولة/ وكُفر الحاكم/ وردَّة الخصوم الفكريين] زوايا وأضلع «مثلث التكفير» عند القائلين بالحاكمية؛ فإن الأضلع «الثلاث» تلك، تُبنى –من الناحية التطبيقية– على «نقطة ارتكاز» [رئيسية] لا تقل أهمية فى تناولها (تحليليًّا، وتشريحيًّا) عن أضلع وزوايا «منظومة التكفير» نفسها. إذ يتم، غالبًا - فيما قبل استصدار فتاوى التكفير - تأميم الإسلام [وحصره] داخل جدران «التنظيم» (أى تنظيم)، بعد تغذية «روح الانعزالية» -بنسب متفاوتة- لدى أعضائه (1).. كما تُسهم تغذية تلك «الروح» فى إقناع أفراد التنظيم -تدريجيًّا- بأن «المجتمع الخارجي» بات فى جاهلية حديثة، لا تُمثل صحيح الإسلام.. وهى نقطة، لم يشذ عنها (قديمًا، أو حديثًا) جُل الجماعات والتنظيمات، التى رفعت شعار [الفرقة الناجية]، تقريبًا. ■ ■ ■ وعندما ظهرت «جماعة الإخوان» فى عشرينيات القرن الماضي، كان أن أعادت الجماعة تأصيل «نقطة الارتكاز» تلك، بأكثر من طريقة (رسائل «حسن البنا» نموذجًا).. وانطلاقًا من «الرسائل» [وما أنتجه «سيد قطب» فى مرحلة تالية]؛ كان أن أضافت الجماعة العديد من الخطوات التنفيذية «الجديدة»؛ لتحقيق ما سعى إليه -ابتداءً- المرشد المؤسس.. إذ يمكننا تلخيص تلك «الخطوات» (اعتمادًا على وثائق التنظيم، ومناهجه التربوية)، فى الآتي: أولاً: غرس «القناعة» لدى الأفراد «المُستهدفين» بأن دعوة «الجماعة»، هى «المُعادل الزمني» (المُعاصر) لدعوة الإسلام الأولى (دعوة الحق).. إذ يُوصى «حسن البنا» فى رسالته التى ألقاها خلال اجتماع رؤساء المناطق ومراكز الجهاد، المنعقد بالقاهرة (فى 8 سبتمبر من العام 1945م) -تحت عنوان: [وصفنا]- إخوانه بأن يردوا على من يقولون لهم: إن دعوة «الجماعة» غامضة؟، بأن يصفوها [بدعوة القرآن «الحق» الشاملة الجامعة، وطريقة صوفية نقية، وجمعية خيرية نافعة، ومؤسسة اجتماعية قائمة، وحزب سياسى نظيف]، ويقولوا لهم: «لأنه ليس فى يدكم مفتاح النور الذى تبصروننا على ضوئه [نحن الإسلام أيها الناس!].. فمن فهمه على وجهه الصحيح، فقد عرفنا كما يعرف نفسه.. فافهموا الإسلام، أو قولوا عنّا بعد ذلك ما تريدون». .. وهى ألفاظٌ واضحة فى دلالتها بأن «الجماعة هى الإسلام» [لا جماعة من المسلمين، فحسب (2)]، وأنّ من أراد أن يعرفها؛ فعليه أن يعرف الإسلام أولاً (!) ثانيًا: يقتضى ترسيخ تلك «القناعة»؛ العمل على خلق تأصيلٍ «فقهيّ» بوجوب العمل داخل الإطار التنظيمى للجماعة (وجوب العمل الجماعي).. وهو أمرٌ يُمثل «الثابت الثاني» من ثوابت دعوة الإخوان [العشر] (3).. إذ تُبرر «المناهج التربوية» للجماعة تلك النقطة بأن الدين [نفسه] يدعو للجماعة: «يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ فى النار»، [إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية].. والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده، قوى بجماعته.. إذ يقول القرآن: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4].. وأنّ القوى المعادية ل«رسالة الإسلام»، لا تعمل بطريقة فردية، ومن الواجب علينا (أى على الإخوان) أن نحارب أعداءنا بمثل ما يحاربوننا به.. ولابد أن يكون العمل الجماعى منظمًا [قائمًا على قيادة مسئولة، وقاعدة مترابطة]، ومفاهيم واضحة، تحدد العلاقة بين القيادة والقاعدة على أساس [الطاعة المبصرة، والشورى الملزمة!]. ثالثًا: عند نهاية النقطة السابقة؛ توغل المناهج التربوية للإخوان فى عملية توظيفية [بامتياز] للنص الديني، نفسه (إن لم تكن صرفًا كاملاً للنص عن معناه الحقيقي).. إذ تنطلق -مجددًا- من أنّ هذا المعنى، هو ما دعا إليه «حسن البنا»، وأنه (أي: البنا) لم يكتف بالخطب والدروس، بل رأى [بنور بصيرته!] أنه لابد [من التأسيس بعد التدريس]، كما عبّر بقلمه وعلم أتباعه [أنّ الجماعة «ضرورة شرعية»]، لابد لها من قائم يقوم عليها (أي: إمام).. وأنه لا يتم معنى الجماعة فى نفس الفرد إلا إذا شعر بالاعتزاز بانتمائه إليها/ والطمأنينة فى وجوده فيها/ وأنها حققت أو تحقق أمانيه/ وأنه عضو فيها ولبنة من لبناتها/ وأنه بها وليس بغيرها.. وهى إن لم تكن به فبغيره {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]. .. ومن ثمَّ؛ تعكس جملة «الاقتباسات» (القرآنية، والنبوية) فى النقطتين: [ثانيًا، وثالثًا] جانبًا واضحًا من جوانب «تأميم الإسلام»، وحصره داخل جدران الهيكل التنظيمى للجماعة؛ إذ تُعيد مناهج الإخوان ضبط مؤشر «النصوص الدينية» الخاصة بوحدة الأمة الإسلامية، قاطبة [من الناحية التفسيرية] (كما يبدو من تتبع سياق التوجيه التربوي)، وسحب معانيها على خلاف الحقيقة.. فكلمة «الجماعة» فى [يد الله مع الجماعة] تم سحبها - ضمنيًّا - على التنظيم الذى أسسه البنا (لا الأمة الإسلامية كلها!)، وكلمة «الصف» [فى قوله تعالى: إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفًا] تتعلق بأعضاء الجماعة (لا عموم المسلمين!).. وذلك؛ لكى تقول -فى النهاية- إنّ الانضمام للجماعة واجب ديني.. وأنّ من ينتمى إليها [سيكون بها وليس بغيرها]، وأنها (أي: الجماعة) إن لم تكن به، فستكون بغيره {وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (!) رابعًا: لا تتوقف المناهج التربوية للجماعة، عند «التأويلات» السابقة؛ لإضفاء «مسحة شرعية» على الانضمام إليها؛ إذ من المنطقى أن يثور التساؤل حول: [لماذا الإخوان من دون غيرها؟].. وبالتالي.. تركز تلك المناهج (فى مراحل تالية) على عددٍ آخر من «التأويلات»؛ لإزاحة «المنافسين الحركيين» للتنظيم (أي: الجماعات الأخرى التى تتبنى العمل بالأسلوب نفسه).. لذلك؛ تُخصص «جماعة الإخوان» دورات تربوية [متنوعة] عن: الجماعات العاملة على الساحة؛ لتؤكد لأفرادها أنها تُمثل «الإسلام» الصحيح من دون غيرها (دروس: «لماذا جماعتنا؟!»، نموذجًا).. ثُمّ تُردف هذه الدروس، بدروس أخرى عن: «طبيعة الطريق» (أي: الطريق التى تتبعها الجماعة فى تبليغ دعوتها للجمهور). خامسًا: يتزامن مع المراحل الأربع «السابقة» تدشين حالة «شعورية» لدى أفراد الصف؛ بأن «دعوة الحق» (أي: الإسلام)، لم تَعُد موجودة فى الوقت الراهن، بالطريقة التى أرادها الله، ورسوله.. وهو ما يترتب عليه عديدٌ من التداعيات، مثل: «التخندق» داخل مجتمع الجماعة، بشكل أكبر؛ إذ تصبح الجماعة -فعليًّا- «وطنًا بديلاً».. ومن ثمَّ.. يتراجع شعور [الانتماء للوطن]، فى مقابل إعلاء قيمة «الأفكار الأممية»، التى لا تعترف بالعمق الحضاري، أو الحدود الجغرافية للأوطان. سادسًا: يقف إلى جوار ترسيخ مفهوم «الجاهلية الحديثة»؛ تدشين دورات «تربوية» أخرى [فى سياق ما يُعرف داخليًّا ب«دورة التصعيد»]، حول أنّ دعوة الحق (الإسلام) تتعرض إلى العديد من المؤامرات (الداخلية، والخارجية) يشارك بها مسئولو الحكومات غير المنتمية للجماعة، أو تلك التى تتبنى أفكارًا قومية، أو وطنية (دورة: المؤامرة على الإسلام، نموذجًا).. وذلك بالتوازى مع دورات: (الغاية والهدف والوسيلة/ الإخلاص/ الأخوة).. أما دورة التصعيد، نفسها؛ فهى تلك التى تسبق خضوع «فرد الصف» (أي: عضو الجماعة التنظيمي) إلى دورات أكثر تخصصًا مثل: دورة النقل (الارتقاء لمستوى تظيمى أعلى)، أو دورة «النقباء» (التأهيل للقيادة) ، أو دورة «فهم الإسلام» بالنسبة لدعاة الجماعة. سابعًا: فيما يُنسب مفهوم «جاهلية المجتمع»، لكلٍ من: «أبى الأعلى المودودي»، و«سيد قطب»؛ فإنّ تعاليم حسن البنا (المرشد المؤسس) ساهمت -كذلك- فى ترسيخ هذا المصطلح (4).. إذ قسّم «البنَّا» عموم الناس بحسب موقفهم من دعوته، إلى: مؤمن [ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا]، ومتردد [نتركه لتردده ونوصيه أن يتصل بنا عن كثب]، ونفعى [الله غنى عمن لا يرى لله الحق الأول فى نفسه]، ومتحامل [وهذا سنظل نحبه ونرجو فيئه إلينا وإقناعه بدعوتنا] (5).. وهو ما يعنى أنّ «البنَّا» لم يترك مساحة لمخالفيه تمكنهم من تفنيد آرائه أو مراجعتها.. فدعوته هى الحق «المطلق»، وفى أقصى تقدير للخلاف [عنده]، فأنت «متحاملٌ» يُرجى اقتناعه.. ومن ثمَّ.. فالفارق بين ما قال به «البنا»، وما قال به «سيد قطب» [فى وقت تالٍ]، هو أنّ «البنا» قال بهذا الأمر تلميحًا، بينما قال به «قطب» تصريحًا، بعد أن التقت أفكاره وأفكار رجل الدين الباكستانى «أبى الأعلى المودودى» فى الهدف. ■ ■ ■ وفى رسالته: [إلى الشباب]، وصف «البنَّا» دعوة الإخوان ب«دعوة الإسلام فى القرن الهجرى الرابع عشر» (6)، وهو وصف تأميمى [خالص] للإسلام (كدين) لحساب الجماعة.. وقال - أيضًا - فى الرسالة نفسها (7): إن منهاج الإخوان محدود المراحل، واضح الخطوات، فنحن نعلم تمامًا ماذا نريد، ونعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة: ■ نريد أولاً الرجل المسلم فى تفكيره وعقيدته، وفى خُلُقِه وعاطفته، وفى عمله وتصرفه، فهذا هو تكويننا الفردي. ■ ونريد بعد ذلك البيت المسلم فى تفكيره، وعقيدته، وفى خُلُقه، وعاطفته، وفى عمله وتصرفه، ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل، ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب، وهذا هو تكويننا الأسري. ■ ونريد بعد ذلك الشعب المسلم فى ذلك كله أيضًا، ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت، وأن يُسمع صوتنا فى كل مكان، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل فى القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار، لا نألو فى ذلك جهدًا، ولا نترك وسيلة. ■ ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التى تقود هذا الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله (ص): أبى بكر وعمر، من قبل.. ونحن لهذا [لا نعترف بأى نظام حكومى لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه، ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية].. [ولا بهذه الأشكال التقليدية التى أرغمنا أهل الكُفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها].. وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامى بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام. ■ ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كلَّ جزء من وطننا الإسلامي، الذى فرقته السياسة الغربية، وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية، ونحن لهذا [لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية، ولا نسلم بهذه الاتفاقيات الدولية، التى تجعل من الوطن الإسلامى دويلات ضعيفة ممزقة]... فمصر وسوريا والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله، كلُّ ذلك وطننا الكبير الذى نسعى لتحريره، وإنقاذه وخلاصه [وضم أجزائه بعضها إلى بعض]. • ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خفاقة عالية على تلك البقاع التى سعدت بالإسلام حينًا من الدهر، ودوَّى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه [فتعود إلى الكفر بعد الإسلام].. [فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام]... فإن من حقنا أن نعيد مجد الإمبراطورية الإسلامية. • نريد بعد ذلك ومعه أن نعلن دعوتنا على العالم، وأن نبلغ الناس جميعًا، وأن نَعُمَّ بها آفاق الأرض، وأن نُخْضِع لها كل جبار؛ {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} [الأنفال: 39]، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 4 - 5].. ولكل مرحلة من هذه المراحل خطواتها وفروعها ووسائلها. .. وبقراءة المساعى التى كتبها «البنّا» بنفسه كأهدافٍ لجماعته، فإنّ الملاحظ هو إسقاطه صفة «الإسلامية» عن النماذج التى طرحها جملة وتفصيلاً.. فلا يعنى أنه يريد الفرد المسلم، سوى أنه «غير موجود».. ولا يُفهم من أنه يريد البيت المسلم، إلا أنه لم يعد هناك من يشيّد كيانه الأسرى على نهج «قويم».. والأمرُ -كذلك- بالنسبة للشعب والحكومة اللذين هجرا -بحسب تصوره- التعاليم الإسلامية [بغير رجعة] (!) .. وللحديث بقية هوامش (1)- تختلف درجة «الانعزالية» من تنظيم لآخر.. راجع أيضًا، «الحلقة السادسة»: [يا أيُّها «الإرهَابِيّون».. لا نَعبُد ما تَعبُدون!]. (2)- فى أعقاب الانتقادات التى وجهت للجماعة حول هذا الأمر؛ لجأ عدد من قادتها إلى إعادة تأويل تلك النقطة من الرسائل، وطرح الجماعة على أنها «جماعة من المسلمين» [لا جماعة المسلمين] (راجع على سبيل المثال: جمعة أمين، «منهاج حسن البنا: بين الثوابت والمتغيرات»).. ومع ذلك.. ظّلت المناهج التربوية [الداخلية] للتنظيم، تغذى أن الجماعة هى الإسلام، وأن الانضمام إليها أولى من الانضمام لغيرها (وهو ما سنعرض له فى نقطة تالية). (3)- يُلخص القادة التربويون للجماعة ثوابت الدعوة [العشر]، فى الآتي: (اسم الجماعة/ العمل الجماعي/ التربية/ الأسرة محضن التربية/ رسالة التعاليم والأركان العشرة [خاصة الأصول العشرين] ورسالة العقائد/ شمول الدعوة وعموميتها/ الشورى الداخلية/ احترام اللوائح من أخلاق البيعة/ الاختيارات الفقهية للجماعة لا خيرة للأفراد فيها/ الله هو الغاية).. وتلك «الثوابت» -حتى لا يختلط الأمر على القارئ- غير «أركان البيعة» الموجودة فى [رسالة التعاليم].. إذ إن أركان البيعة: (الفهم/ الإخلاص/ العلم/ الجهاد/ التضحية/ الطاعة/ الثبات/ التجرد/ الأخوة/ الثقة)، وهى – جميعها - الثابت «الخامس» من ثوابت الدعوة. (4)- يُمكن، تاريخيًّا، العودة بالمصطلح إلى ما هو أبعد من تأسيس الجماعة، نفسها. (5)- مجموعة الرسائل، (القاهرة: دار الشهاب- بدون تاريخ)، ص: 12-13. وانظر أيضًا: «مرشدك الأمين فى التعرف على جماعة الإخوان المسلمين» [وهو من المؤلفات المعتمدة لدى الجماعة]. (6)- مجموعة الرسائل (مصدر سابق)، ص: 83. (7)- المصدر نفسه، ص: 85–86.