استطاع مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم الذى عقدته دار الإفتاء بالقاهرة هذا الأسبوع بعنوان «التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد للأقليات المسلمة» تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى ناقوس الخطر من، تأثير فتاوى داعش على شباب الأقليات الإسلامية فى ظل عدم الاهتمام بتأهيل أئمة المساجد بالغرب. فمن جانبه اعترف شيخ الأزهر د.أحمد الطيب فى كلمته، بضعف المجامع الفقهية فى مواجهة الكيانات الموازية، غير المتخصصة للفتوى والتى على رأسها جماعات الفكر المتشدد التى تصدرت الفتوى، وقال: «إننا نعانى اليوم من، كتائب موازية للفتوى، نجحوا للأسف بالتغلب على كل دور الإفتاء بل وكل مجامع الفقه ومنها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، فدخلوا البيوت واعتلوا المنابر فى الوقت الذى ظلت فيه فتاوى دور الإفتاء والمجامع راكدة قاصرة على المستفتى ورهن مؤتمرات يحدث فيها بعضنا بعضا ونتواصى فى نهايتها». وشدد على أن مجمع البحوث الإسلامية وعلماء الأزهر يترددون اليوم فى اقتحام قضايا لها حساسية بسبب حاجز الخوف، وهو ما كاد يؤدى لانسحاب الشريعة من حياة الناس، وهو ما سيترك المجتمعات، ساحة للغير يملأها كيفما يشاء. وقال شيخ الأزهر: «إننا نعيش أزمة حقيقية يدفع المسلمون ثمنها غاليا نتيجة الخوف والإحجام عن التعامل مع الشريعة لتقديم إجابات مناسبة للوزام ووقائع مستجدة، فأصبحنا نعيش أزمة الفتاوى المعلبة التى لا تراعى حال المجتمعات. وانتقد شيخ الأزهر مصطلح الأقليات المسلمة، والذى حملة عنوان «مؤتمر دو الإفتاء الدولى» وقال: إن مصطلح الأقليات المسلمة وافد على مؤتمراتنا الإسلامية لأنه مصطلح يحمل فى طياته بذور الإحساس بالعزلة ويمهد الأرض لبذور الفتنة، ويصادر على حقوق المسلمين فى الغرب، حيث إن الإسلام لا يعرف الأقليات وإنما المواطنة الكاملة التى تعطى الحقوق والواجبات للجميع، حيث إن المواطن المسلم فى بريطانيا مواطن بريطانى، وكذلك المسيحى المصرى هو مواطن مصرى مواطنة كاملة فى الحقوق والواجبات، ولا محل مع هذه المواطنة الكاملة أن يوصف أى منهما بالأقليات. من جانبه أكد د. شوقى علام مفتى الجمهورية أن العالم العربى والإسلامى يمر بتحديات تتطلب منا جميعا أن نكون على المستوى، خاصة أن التوقيت الآن يشهد مشاهد عنف من تيارات تبحث عن شرعنة، لوجودها .. وأوضح أن الإحصائيات تعلن أن خمسين ألف مقاتل بين صفوف داعش من مسلمى الأقليات، كما أن هذا التنظيم يتحدث بإثنى عشرة لغة لنشر أفكاره وفتاويه، وهو ما يعد مؤشرًا خطيرًا للحالة الراهنة، ومن يحلل هذا الوضع يجد أن الفتوى التى تصدر من غير المتخصصين والمتشددين انتشرت وبصورة كبيرة لاسيما، وسط الجاليات الإسلامية بالغرب وأوضح أن من الخطوات التى تحاول الأمانة العامة لدور الإفتاء القيام بها من أجل مواجهة هذا الانتشار القوى، لفتاوى غير المتخصصين وتيارات الفكر المتشدد إيجاد منظومة علمية وتأهيلية لأئمة المساجد فى الغرب، وتأصيل الرباط بين الأئمة وبين المؤسسات الكبرى فى العالم الإسلامى وعلى رأسها الأزهر الشريف، والإفتاء المصرية وأضاف، د. شوقى إنه سيتم تقديم مبادرات إفتاء لحل كثير من المشكلات والتى منها الخوف من الإسلام أو ما يسمى الإسلاموفوبيا، ومواجهة الإرهاب والتطرف بصدور مفتوحة، فأنا على قناعة تامة بان حربنا الفكرية مع الإرهاب لا تقل عن الحرب الميدانية. فيما أشاد .د عباس شومان وكيل الأزهر، بالجهود التى تبذلها دار الإفتاء المصرية، واختيارها لموضوع مؤتمر التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد للأقليات الإسلامية، والذى جاء فى وقته لمواجهة أصحاب الفتاوى المتشددة التى ساهمت فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين. وأكد أن الأمة الإسلامية تعانى من جراح مؤلمة نتيجة انتشار الفتاوى المتشددة من غير المؤهلين والمتخصصين، واصفا ذلك بالطامة الكبرى التى يجب أن يتم مواجهتها سواء بالتشريعات أو من خلال العلماء المتخصصين، مطالبا من يتصدى للإفتاء بغير علم أن يبتعد عن هذا الطريق رحمة بنفسه من عقاب الله تعالى. كما أكد وكيل الأزهر على ضرورة الاستفادة من النماذج المشرفة فى التاريخ الإسلامى من عهد الرسول والصحابة والتابعين والفقهاء، لتوضيح الأحكام التى تساعد على مواجهة التشدد فى الفتوى وتؤكد على التيسير، داعيا إلى ضرورة الاستفادة من النصوص الشرعية وعدم إعمال العقل فى المسائل المحسومة بالنصوص الشرعية. كما أكد الشيخ، إبراهيم صالح الحسينى مفتى نيجيريا أن مشكلة العالم الإسلامى اليوم ليس فى قلة العلم أو عدم فهمه، لكن المشكلة فى عدم العمل بهذا العلم الذى تعلمناه، وعدم تطبيقه تطبيقا عمليا. وأوضح أن، الإرهاب خطره لم يعد قاصرا على التكفير والتفجير فقط بل، أدى إلى محاولة إزالة الإسلام نفسه، مؤكدا أن علماء الأمة تقاعسوا عن أداء واجبهم فى الإفتاء والتعليم والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة حتى خلت الساحة من العلماء، وظهر المدعين الذين يدعون الإحاطة بكل شىء، وظهرت فتنة الإقصاء. واستطرد قائلا: «إن هؤلاء الإرهابيين لم يشموا رائحة الإسلام، وأنه لابد من الاتفاق، حول قيادة فكرية إسلامية تدعو إلى الوسطية وفهم عريق للدين. من جانبه أوضح المستشار محمد حسام عبد الرحيم وزير العدل أن مواجهة فكر الجماعات المتطرفة وفتاويها المنتشرة بحاجة لجهد كبير من العلماء للتصدى من خلال تجديد الخطاب الدينى. وأوضح أن العالم كله يشهد حالة غير مسبوقة من التوتر تسببت فى زعزعة استقرار الدول والمجتمعات بسبب تيارات فكرية، تعادى الحكومات والشعوب بنيت أعمالها، على فتاوى مغلوطة مخالفة للدين المبنى على الرحمة. من جهة أخرى شاركت دار الإفتاء المصرية ببحث للدكتور مجدى محمد عاشور المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية عن خبرات المؤسسات الإفتائية فى العالم الإسلامى فى التواصل مع الأقليات، دار الإفتاء المصرية نموذجًا. وعن طبيعة بحثه قال د. مجدى عاشور: إن اختيار دار الإفتاء لهذا البحث جاء من قناعتها بضرورة الكشف عن سمات خبرتها الكبيرة الممتدة عبر أكثر من مائة وعشرين عامًا فى التواصل مع المسلمين شرقًا وغربًا، محليًّا ودوليًّا، أفرادًا وهيئات، وبحث قضاياهم والاهتمام بشئونهم وأحوالهم بمجالاتها المتعددة. وأوضح أن دار الإفتاء تسعى لترسيخ أسس العيش الكريم مع الآخر وترشيد مسيرة الأقليات فى مجتمعاتهم دونما اضطراب أو انحراف، كبيان حقوق الإنسان فى الإسلام، وجواز مشاركة الأقليات فى الانتخابات والوظائف، واستحباب معاملة غير المسلم بأنواع البر والصلة، واعتماد الفتوى فى المعاملات على إجازة مذهب السادة الحنفية للعقود الفاسدة فى ديار غير المسلمين، وهو ما يُعَدُّ لبنة أصيلة فى بناء الفقه الإفتائى للأقليات وتثبيت أركانه. وفى النهاية أكد عاشور أن بحثه يُعَدُّ لبنة أولى فى مسيرة تكشيف تجربة دار الإفتاء الفريدة وخبرتها الكبيرة الراسخة، والتى تنطلق منها هذه المؤسسة العريقة فى أداء رسالتها والقيام بدورها المحلى والعالمى، حفاظًا على الوسطية والاعتدال، وتثبيتًا لدعائم الاستقرار والحضارة فى ربوع المعمورة.