أسعار الجمبري والكابوريا اليوم السبت 4-5-2024 في محافظة قنا    عمرو أديب عن الفسيخ: "مخلوق مش موجود غير في مصر.. تاكله وتموت سعيد"    مصدر ل تايمز أوف إسرائيل: صبر واشنطن مع حماس بدأ ينفد    8 مستندات لتحديد تاريخ مخالفة البناء.. اعرفها لتقديم طلب التصالح    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024.. عز 24155 جنيها للطن    توريد أكثر من 16 ألف طن قمح بالإسكندرية    أخبار مصر: خبر سار للاقتصاد المصري، فرمان بنهاية شيكابالا في الزمالك، شيرين تثير الجدل بالكويت، أمريكا تطالب قطر بطرد حماس    أسعار الذهب في بداية تعاملات السبت 4 مايو    حسين هريدي: أمريكا لا تؤيد فكرة وقف إطلاق نار دائم في غزة    دبلوماسي روسي ينتقد الاتهامات الأمريكية بتورط موسكو في الهجمات الإلكترونية على أوروبا    بلينكن يقول إن هجوما إسرائيليا على رفح سيتسبب بأضرار "تتجاوز ما هو مقبول    جيش الاحتلال يعتقل 5 فلسطينيين من بلدة سبسطية شمال غربي نابلس بالضفة الغربية    الزمالك يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة سموحة    موعد مباراة الأهلي والجونة والقنوات الناقلة في الدوري المصري    بداية من اليوم.. ممنوع دخول المقيمين إلى مكة المكرمة إلا في هذه الحالة    تصل ل600 جنيه.. سعر اللوحات المعدنية في قانون المرور الجديد (تفاصيل)    حالة الطقس المتوقعة غدًا الأحد 5 مايو 2024 | إنفوجراف    مونودراما فريدة يختتم لياليه على مسرح الطليعة في هذا الموعد    نشرة المرأة والصحة : نصائح لتلوين البيض في شم النسيم بأمان.. هدى الإتربي تثير الجدل بسعر إطلالتها في شوارع بيروت    اكتشاف جثة لطفل في مسكن مستأجر بشبرا الخيمة: تفاصيل القضية المروعة    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    30 دقيقة تأخير في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية» السبت 4 مايو 2024    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان (الحلقة الرابعة عَشْرَة)

وصولاً لبداية «الألفينيات» (ومرورًا بحقبتي: «الثمانينيات»، و«التسعينيات»)؛ بدا منحنى العلاقة بين «الولايات المتحدة الأمريكية»، والجماعات التابعة ل«تنظيم الإخوان الدولي»، وكأنه فى تصاعدٍ مستمر.. خاصةً، بعد ما أبدته تلك الجماعات من تعاون واضح (دعمًا، وتجنيدًا) حول توظيف «التيار الجهادى»؛ لتقويض نفوذ «الاتحاد السوفيتى» السابق.. لكن.. فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر من العام 2011م؛ بدت الصورة (ظاهريًّا) وكأن منحنى تلك العلاقة (أي: العلاقة بين «واشنطن» وتيار «الإسلام السياسي») سوف يتأثر - إلى حدٍّ بعيد - عبر «التوجهات الأمنية» التى فرضت نفسها على الخطاب السياسى الأمريكي.. فضلاً عما تبع ذلك «الخطاب» من انتشار مفاهيم: «الحرب على الإرهاب»، و«نشر الديمقراطية فى العالم العربي».. إذ اعتبرت «واشنطن» أن «المنطقة العربية»، هى مصدر «الخطر الأساسي» عليها (!)، حيث يجد «الإرهابيون» بتلك المنطقة (وفقًا للتصور الأمريكي) ملاذًا آمنًا، بعيدًا عن يدها الباطشة (!)
وفى ظل مشهد مرتبك عالميًّا (من الناحية الأمنية) فى أعقاب 11سبتمبر؛ بدا أمام الرأى العام (الشرق أوسطي) أن «تيار الإسلام السياسي» بات بمثابة ورقة «منتهية الصلاحية» فى ظل السياسات الأمنية «الأمريكية» الجديدة بالمنطقة.. وهو ما لم يكن له أى نصيبٌ من الصحة. (1)
لكن.. ربما ما غذى هذا الاستنتاج «المبكر» لدى العديد من الدوائر الشرق أوسطية (السياسية – الأمنية - البحثية)، هو ذلك الكم «الهائل» من «المبادرات»، و«الدراسات»، التى أنتجها «العقل الأمريكى»، فى أعقاب 11 سبتمبر.. إذ طالبت تلك المبادرات، والدراسات – صراحةً - بإحداث تغييرات «جذرية» فى بنية الثقافة العربية، والإسلامية بالمنطقة.
ففى ديسمبر من العام 2002م (على سبيل المثال)؛ كان أن أطلق وزير الخارجية الأمريكى «كولن باول» (Colin Luther Powell) مبادرته الشهيرة (المبادرة الأمريكية للديمقراطية فى العالم العربي)،أثناء خطابه أمام «مؤسسة التراث» بواشنطن.. إذ أعرب «باول» عن قلقه البالغ إزاء ما وصفه ب»مستقبل الأمة العربية، التى تخطاها قطار الحداثة».. وأن تلك المنطقة يجب أن تخضع للعديد من الإصلاحات «الجذرية»: سياسيًّا، واقتصاديًّا، وتعليميًّا، إلى جانب «تمكين المرأة».
واعتمد «باول» فى الترويج لمبادرته (خصصت «واشنطن» نحو 29 مليون دولار؛ لتنفيذها) على عدد من الإحصاءات الواردة ب«تقرير الأمم المتحدة» حول التنمية البشرية بالشرق الأوسط، الصادر بالعام نفسه (أي: العام 2002م)، مُبينًا أن ما يترجمه «العالم العربي» عن الثقافة الغربية لا يتجاوز 330 كتابًا (أي: ما يُعادل خُمس ما تترجمه اليونان، وحدها).. وأن هناك نحو عشرة ملايين طفل عربى على مشارف سن «الالتحاق بالدراسة»، لا تتوفر لهم «البُنى المدرسية» الكافية.. فضلاً عن أن هناك «65 مليونًا» آخرين، لا يحسنون «القراءة» أو «الكتابة»، من حيث الأصل (!)
■ ■ ■
لكن.. لم يكن ما قاله وزير الخارجية الأمريكى «الأسبق»، هو كل ما جادت به «القريحة الأمريكية» وقتئذ.. فبالتوازى مع «مبادرة كولن باول»؛ كان العديد من الدوائر (البحثية، والأمنية) الأمريكية يضع لمساته «النهائية» حول شكل «الشرق الأوسط» الجديد.. إذ يُنبه، هنا، «الدبلوماسى الفرنسي»، وأستاذ «العلوم السياسية» بمعهد باريس للعلوم السياسية «بيار كونيسا» (Pierre Conesa) إلى تلك الحالة، قائلاً: «علينا ملاحظة هذا الإنتاج الضخم من دراسات الإرهاب، التى أبصرت النور بعد أحداث 11 سبتمبر، مباشرةً.. فقد أنتج مركز التفكير للأبحاث والنمو (RAND)، وحده، خلال الفترة من: 2002م إلى 2003م - بطلب من السُلطات المُختلفة – أكثر من 100 تقرير.. كما انتشر عدد هائل من السيناريوهات (الكارثية)، بطلب من السُلطات ذاتها». (2)
ولم يكن ما نبّه إليه «كونيسا» حول «السيناريوهات الكارثية» مبالغًا فيه، بأى حال من الأحوال.. فقد كان من بين ما أنتجه مركز (RAND) خلال تلك الفترة (تحديدًا بالعام 2003م)، وبطلب من «الحكومة الأمريكية»، و«وكالة الاستخبارات المركزية» (C.I.A)، دراسة «مهمة» تحت عنوان: (Civil Democratic Islam; Partners, Resources and Strategies)، أو (الإسلام المدنى الديمقراطي: الشركاء، والمصادر، والاستراتيجيات).
وتكمن أهمية الدراسة، التى أعدتها «شيريل بينرد» (Cheryl Benard) (3)، فى أنها كانت بمثابة «مسح جيولوجي» (Geological Surveying) لمعالم، وطبقات «المجتمعات الإسلامية» من الداخل؛ بحثًا عن شريك مُستقبلي» يُمكن أن يُحقق مستهدفات «الولايات المتحدة الأمريكية» بالمنطقة، بدلاً من أنظمة الحُكم القائمة بالمنطقة نفسها (!).. إذ قسمت الدراسة (ذات التوجه «البرجماتي» البحت) الكتل «الفاعلة» بالمجتمعات الإسلامية إلى 4 طبقات رئيسية، هى (4):
(أ) - الأصوليون (Fundamentalists): وهؤلاء يرفضون «القيم الديمقراطية»، و»الثقافة الغربية» المعاصرة.. إذ يسعون نحو تأسيس «دولة سلطوية»، تنفذ رؤيتهم «المتطرفة» للشريعة الإسلامية، و«الأخلاق».. وهم على استعداد؛ لاستخدام المبتكرات، و«التكنولوجيا الحديثة»؛ لتحقيق هذا الهدف.
(ب) - التقليديون (Traditionalists): ويسعى هؤلاء نحو «مجتمع محافظ».. إذ يرتابون فى دعوات «الحداثة»، و«الابتكار»، و«التغيير».
(ج)- الحداثيون (Modernists): وهؤلاء يريدون أن يُصبح «العالم الإسلامي»، جزءًا من «الحداثة العالمية»، إذ يسعون نحو «تحديث الإسلام»، وإصلاحه؛ حتى يتماشى مع العصر.
(د)- العلمانيون (Secularists):
ويريد هؤلاء أن يتقبل «العالم الإسلامي» فكرة الفصل بين العمل الدينى»، و«العمل السياسي» على غرار الديمقراطيات الغربية «الصناعية».. وأن «المعتقد الدينى» علاقة خاصة، لا تقبل الوصاية من أحد.
■ ■ ■
فى سياق التفاصيل «التشريحية»، التى وضعتها دراسة مركز (RAND) للشرائح الأربع داخل المجتمعات الإسلامية؛ أوضحت الدراسة أن «العلمانيين» (فى إطار فهمهم للديمقراطية الغربية)، يُمكن أن يكونوا - بشكلٍ عام - شريكًا «رئيسيًّا» للولايات المتحدة داخل «العالم الإسلامي».. إلا أن «الولايات المتحدة» يجب ألا تفعل هذا لسببين:
الأول: لأن غالبية «التيار العلماني» ذو نزعة «يسارية»، تناهض «الأمركة»، إذ يعلون - فى المقابل – من النبرة «القومية» الصارخة (!)
والثانى: لأنهم «أقلية» داخل تلك المجتمعات.. لذلك؛ على «واشنطن» ألا تُعوّل على «العلمانيين» كشركاء «دائمين»، أو «أساسيين».. بل ينبغى عليها أن تعمل على «عزلهم» عن البؤر المعادية لأمريكا(!)
أما «الأصوليون» أو «الراديكاليون» (Radicals)، فهم معادون – بطبيعة الحال - للديمقراطية الحديثة («القيم الغربية» بشكلٍ عام، و«الولايات المتحدة الأمريكية» على وجه الخصوص)؛ إذ تتنافى أهدافهم، ورؤيتهم العامة مع الغرب.. لذلك؛ على «الولايات المتحدة» ألا تدعمهم، إلا فى إطار «قضايا تكتيكية مؤقتة» (temporary tactical issues).. لكن.. على «واشنطن»، بشكل عام، أن تكشف أعمالهم «غير القانونية»(!)
وفيما بينت الدراسة أن أفضل طريقة يجب أن تتعامل بها «الولايات المتحدة» مع التيار «التقليدي»، هى الاحتفاظ بعلاقات «هادئة» معهم، إذ لا يُمكن أن نتوقع منهم انحيازًا للمفاهيم الغربية، فى أى وقت من الأوقات.. بدت «توصياتها» أكثر انحيازًا للارتباط مع ما وصفته ب«التيار الحداثى» داخل المُجتمعات الإسلامية.. وهو تيار (وفقًا للتصور الأمريكي) تقف على قمته «جماعات الإسلام السياسي» ذات الاتصالات المباشرة مع القوى الغربية، مثل: «النموذج التركي»، ومن يتوافق معه من «قوى»، يُمكن أن تسير على نهجه، إذا ما وصلت للحُكم، مستقبلاً.
وعلى خلفية «سنوات المخاض» تلك؛ كانت المنطقة – بمختلف امتداداتها – على موعدٍ «قريب» مع الإعلان عن أكثر المشاريع، التى استهدفتها، إثارةً للجدل.. ونقصد بذلك: «مشروع الشرق الأوسط الكبير»، أو (The Greater Middle East Project)، الذى أعلنه «بوش الابن»، خلال قمة الدول الثمانى (G8) بالعام 2004م.
ورغم أن العديد من الوثائق «الرسمية» حول «مشروع الشرق الأوسط الكبير» لم تر النور، إلى اللحظة.. إلا أن العملية «الترويجية» للمشروع دارت - فى مجملها - حول:
(أ)- إن هناك تدهورًا حادًا فى بنية «النظم السياسية» العربية، والإسلامية.. وبالتالي؛ لابد من إحداث تغييرات «جوهرية» فى بنية تلك النظم، اعتمادًا على ثلاثة «محاور» أساسية، هي: «المحور السياسي»، و»المحور الثقافى – الاجتماعي»، و»المحور الاقتصادي»، إذ يشمل «المحور الأول» (أي: المحور السياسى) قضايا: «سيادة القانون»، و«حقوق الإنسان»، و«دعم الديمقراطية».. بينما يشمل «المحور الثاني» قضايا: «التعليم»، و«حرية التعبير عن الرأي»، و«المساواة بين المرأة والرجل».. ويندرج تحت «المحور الثالث» (أي: المحور الاقتصادي) قضايا: «التشغيل»، و«الهيكلة»، و«دعم التجارة الحرة».
(ب)- إن عملية التدهور تلك (وفقًا للتصور الأمريكى)، أصبحت مُحفّزًا على نمو «العنف»، و«الإرهاب»، وتحوله إلى «إرهاب عابر للحدود»، إذ وصلت موجاتُه إلى العمقين: «الأوروبي، والأمريكي».
(ج)- على الولايات المتحدة أن تبدأ – بشكلٍ فورى - فى اتخاذ عدد من الخطوات الجادة؛ لتجاوز تلك الأزمة، عبر استهداف «البنية الحاكمة» لأنظمة 23 دولة عربية وإسلامية (5) بمنطقة «الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا» (M.E.N.A)، بالتعاون مع شركائها الدوليين (مجموعة الدول الثماني).. وأن عملية التغيير «المرتقبة»، يجب أن تعتمد - إلى جانب «تشجيع الفرص الاقتصادية» - على: برامج «الحُكم الرشيد» (عبر منظمات المجتمع المدنى)، و«بناء مجتمع المعرفة».
■ ■ ■
يُمكننا، هنا (وفقًا للشائع) أن ننطلق (مرحليًّا) من أن «المبادرات»، و«الدراسات» السابقة للإعلان عن «مشروع الشرق الأوسط الكبير» كانت بمثابة «حجر الزاوية» الذى تأسست عليه أهدافه.. ورغم أنّ هذا الأمر له نصيب من الصحة (جزئيًّا)؛ إلا أننا نمتلك – فى المقابل – عدة ملاحظات:
أولاً – يبدو (على خلاف الشائع)، أن أحداث «الحادى عشر من سبتمبر» لم تكن بداية لتوتر العلاقات بين «واشنطن»، و«تيار الإسلام السياسي» بمنطقة الشرق الأوسط، بقدر ما كانت «بداية مختلفة» للتعامل مع ذلك التيار (راجع الهامش «رقم: 1» من الحلقة).. وأن العديد من الدوائر الأمنية، والبحثية «الأمريكية» كانت ترحب بهذا التيار شريكًا فى الحُكم بمنطقة الشرق الأوسط، باعتباره «نموذجًا حداثيًّا» لا يرفض القيم الغربية، كما يُمكن توظيفه فى احتواء التيارات «الأكثر تشددًا» داخل العمق الغربى (دراسة RAND نموذجًا).
ثانيًا – إن كان «النموذج التركي» (الموّصف: حداثيًّا) نموذجًا قياسيًّا - بالنسبة للدوائر الأمريكية المختلفة – باعتباره نموذجًا لا يرفض «القيم الغربية»، ونابعًا من عمق «الثقافة الإسلامية».. فليس خافيًّا – هنا – أن الجماعات «الغربية» التابعة ل«تنظيم الإخوان الدولي» دأبت - عبر عشرات السنين – أن تُصدر للحكومات الغربية (على خلاف حقيقة مناهجها التربوية) أنها تتماشى والمفهوم نفسه (6).. ومن ثم؛ لم تستبعد «واشنطن» الجماعة من سياق مشروعها، الرامى ل«تغيير أنظمة المنطقة»، فى العام 2004م.
ثالثًا – ثمة دلالة «مهمة» حول استبعاد «الولايات المتحدة الأمريكية» للتيار المدنى (العلماني) كشريك فى الحُكم (رغم أنه النموذج الأكثر فهمًا، واستيعابًا لقيم الديمقراطية، والحداثة).. إذ اعتبرت «واشنطن» أن «النزعة القومية» لهذا التيار، ورفضه لممارسات «الهيمنة الأمريكية» أكثر خطورة على مصالحها، من التحالف وتيار يرفع «تكتيكيًّا» لواء الحداثة(!)
رابعًا – رغم العداء المُعلن بين «واشنطن»، و«التيار الأصولى» (الراديكالي).. إلا أن العديد من الدوائر الأمريكية، لم تكن ترى حرجًا فى «التوظيف السياسي» لعناصر ذلك التيار فى إطار «قضايا تكتيكية مؤقتة» (temporary tactical issues).. وهو ما بدت له العديد من الشواهد، خلال أكثر من حادث، وعبر أكثر من «حقبة».
خامسًا – روجت أغلب الدراسات (الشرق أوسطية، والغربية)، التى تعرضت ل«مشروع الشرق الأوسط الكبير» إلى أن أحداث «11 سبتمبر»، كانت هى المُحفز الرئيسى لإطلاق هذا المشروع، من حيث الأصل (!).. وأنه كان ثمة «مبادرات تمهيدية» أطلقها كل من: وزير الخارجية الأمريكى الأسبق «كولن باول» (Colin Luther Powell)، ومدير تخطيط السياسات الأسبق بوزارة الخارجية الأمريكية «ريتشارد هاس» (Richard Nathan Haass) عن تحديث البنية الثقافية، والسياسية بالوطن العربي.
لكن.. لم يكن هذا الأمر – وفقًا لما نمتلكه من معلومات «موثقة» – سوى الجزء «الظاهر» من جبل الجليد (!)، إذ لم تفعل إدارة «بوش الابن» فى العام 2004م، سوى أنها أعلنت عن «مشروع»، امتدت جذوره لما قبل «أحداث سبتمبر» بنحو 10 سنوات (!).. أى أن «المشروع» (بمسماه المعروف)، كان قد استقر (بجوانبه المعلنة) داخل أدراج «وزارة الدفاع الأمريكية» (البنتاجون) منذ التسعينيات (!).. كما نشرت إحدى «مجلات الدفاع» الأمريكية (Joint Forces Quarterly )، فى خريف العام 1995م، تقريرًا فى 6 صفحات «كاملة» عن بعض جوانب المشروع، و«الدور التركي» فى تنفيذه.. إذ حمل التقرير الذى كتبه «جد سنايدر» (Jed C. Snyder)، وقتئذ، عنوان: «الدور التركى فى مشروع الشرق الأوسط الكبير» (Turkey's Role In the Greater Middle East).
.. ومن ثمَّ؛ كُنا أمام «مشروع» ضارب بجذوره نحو ما هو أعمق مما تصورناه فى «الماضى القريب»، إذ انطلق أغلب مراقبى الشرق الأوسط (تحليلاً) - أثناء محاولات فهم «السياسات الأمريكية» الجديدة (الخاصة ب«منطقة الشرق الأوسط») - من أرضية «أحداث 11 سبتمبر».. وذلك؛ من دون الانتباه – بشكلٍ كافٍ- إلى أن معالم الارتباط بقوى «الإسلام السياسي»، وتصعيدها على رأس السلطة (مع استبعاد التيار «المدنى - القومي»، كشريك «ديمقراطي» من المعادلة السياسية)، كانت قد تشكلت داخل «العقل الأمريكي» قبل هذا الأمر بسنوات (!)
أما كيف تحقق هذا الأمر(؟).. فهذا ما سيكون لنا معه أكثر من وقفة تالية.

هوامش
(1)- فى أعقاب 11 سبتمبر (مباشرةً)، استدعى «البيت الأبيض» مدير برنامج: «تحليل سياسات واستراتيجيات الإسلام السياسي» بوكالة الاستخبارات المركزية (C.I.A)؛ لشرح وجهة نظر القائمين على البرنامج حول ضرورة ارتباط «واشنطن» بقوى «الإسلام السياسي» فى الشرق الأوسط (ومن بينها: «جماعة الإخوان» فى مصر) بدلاً من الأنظمة، التى كانت قائمة، حينئذ (وهو ما تم، بالفعل، فى أعقاب ما اصطلح على تسميته ب«ثورات الربيع العربى»).. وللوقوف (بشكل كامل) على ما تم خلال هذا اللقاء، يُمكن مراجعة:
هانى عبدالله، «كعبة الجواسيس: الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولي»، مركز الأهرام للنشر (مؤسسة الأهرام)، القاهرة، 2015م. (فصل بعنوان: هنا C.I.A).
(2)-
Pierre Conesa, “La fabrication de l'ennemi, ou: comment tuer avec sa conscience pour soi”, Robert Laffont, S.A, Paris, 2011.
(3)- «شيريل بينرد»، هى باحث بمركز التفكير للدراسات والنمو «راند».. حصلت على درجة الماجستير من «الجامعة الأمريكية ببيروت»، وعلى درجة الدكتوراة من «جامعة فيينا».. تزوجت ب«زلماى خليل زاد» سفير الولايات المتحدة السابق بالأمم المتحدة، وأفغانستان، والعراق، ولها منه «ابنان».. تم التحفظ على أموالها خلال التحقيقات التى طالت زوجها، بقضايا متعلقة بعمليات «غسل الأموال».. إلا أن جهات التحقيق رفعت الحظر عن أموالها بالعام 2014م، مع إصدار قرار بحظر النشر فى القضية (!)
(4)-
Civil Democratic Islam; Partners, Resources and Strategies, by: “Cheryl Benard”, RAND, (National Security Research Division), 2003.
(5)- كانت الدول المستهدفة بالمشروع، وفقًا لآخر صيغة «مُعلنة»: (موريتانيا – المغرب – الجزائر – تونس - ليبيا – مصر – السودان – لبنانالبحرينقطرالإمارات – سلطنة عُمان – اليمن – إيرانالعراقباكستان – أفغانستان – سوريا – تركيا (كنموذج) – فلسطين – المملكة العربية السعودية – الكويتالأردن).
(6)- للمزيد حول «توثيق»، و«تحقيق» تلك النقطة، يُمكن مراجعة: هانى عبدالله (مصدر سابق).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.