كان من المفهوم في السنوات الماضية ألا يعجب المثقفون بنتائج جوائز الدولة ومن يفوزون بها، عندما كانت "أياد خفية" تفرض هيمنتها علي كل جوانبها ، لكن ما لم يعد مفهوما، هو استمرار حالة عدم الرضا عقب الثورة، التي تجلت بقوة في نبرة الاحتجاجات التي علت بعد إعلان الفائزين بالجوائز هذا العام، والجديد أن هذه الأصوات انضم لها أعضاء من داخل لجنة التصويت، عندما حذر الدكتور محمد نور فرحات، في بداية التصويت، الجميع من تكرار ما يحدث في كل عام، ودعاهم لتبني قيم الثورة، ثم عاد ليتساءل قرب الانتهاء من التصويت: هل استمعتم إلي؟ وهو ذاته السؤال الذي طرحه الروائي بهاء طاهر الذي قال: استمعنا إليه؟ يبدو أن الأكثر إلحاحا في التليفون هو الأكثر فرصة في الفوز. النتائج استفزت الروائي خيري شلبي عضو اللجنة فأعلنها صريحة: أشعر بالعار أني أحد أعضاء هذه اللجنة، وبعض الأسماء التي اضطررت للتصويت عليها مصابة بتخلف عقلي..! بل ووصل إلي الروائي سعد القرش الذي لم يمنعه بعد مسافته ووجوده في الجزائر من التعليق علي حال جوائز الدولة هذا العام، فكتب علي صفحته علي "الفيس بوك": سمعت أن أحمد رجب فاز بجائزة "النيل للآداب"، أسأل عنه ولا أستطيع الإجابة، أقول ربما يستحقها في أي شيء إلا الأدب يا مولاي، دلوني علي إجابة لأخرج من الحرج، هل علم الموظفون والتقليديون بالثورة. يبقي سؤال القرش وغيره من المثقفين قائما .. إلي متي تتكرر الأخطاء وتتجدد نوعية من الأزمات لم يعد لها مجال عقب الثورة، وفي هذا التحقيق حاولنا التماس إجابات. الدكتور محمد عبد المطلب قال: لقد ناديت بضرورة تأجيل الجوائز هذا العام، لأن الترشيحات لها تمت في ظل نظام، أقل ما فعلته توجيه الجوائز، بدليل أن هناك أشخاصًا معينين تم ترشيحهم إلي هذه الجوائز، وهناك جماعات تحفزت لترشيح شخصيات معينة، ما يعني أن هناك توجيه لها بهذه الترشيحات، ونصف جوائز هذا العام موجهة، كما أنني معترض أن تكون "جائزة النيل" أغلي من "التقديرية"، ومن "جائزة مصر"، التقديرية يجب أن تكون الأعلي قيمة، بينما "جائزة النيل" لا ضرورة لها علي الإطلاق في رأيي. وتابع: هناك 23 عضوا من موظفي وزارة الثقافة في اللجنة، لذا هي لجنة فاسدة، لأن الفوز يتطلب 26 صوتا، أي أن الوزير باستطاعته التدخل لإعطاء الجائزة لمن يشاء. وأكمل: علي لجنة التفوق ألا تسند إليها أعمال بعد حجبها الجوائز عن أشخاص جديرين بها مثل حسن طلب، وأصح هذه الجوائز في رأيي هي التشجيعية لأنها تتم عبر لجان متخصصة تفحص إنتاج المرشح وتعطيه صوتها بناء علي هذا الفحص، أما اللجنة العامة فتكوينها خاطئ، بدليل أنني مثلا أجد ناقدا أدبيا يحكم لصالح الرسم أو الفنون التشكيلية أو العلوم الاجتماعية، أو غيرها من العلوم التي لا تدخل في تخصصه، وهنا يصبح الاسم المعروف إعلاميا أكثر هو السائد، فمثلا مندوب وزارة الاقتصاد، وكيل أول الوزارة لا صلة له بالأدب أو العلم، يصوت للأسماء التي يعرفها عبر الإعلام. الشاعر عبد المنعم رمضان، قال: ما حدث في جوائز الدولة هو نفس ما يحدث في الدولة كلها هذه الأيام، هناك من يسرق كل شيء جميل بعد ثورة 25 يناير، والذي يسرقها نعرفه، ويسعي للوقيعة بين طوائف الشعب المختلفة الإسلاميين والعلمانيين، هو الذي يسرق كل شيء، ويصر علي أحمد رجب و"كمبورة"؛ أقسم بالله أنني كنت سأخجل لو أن جائزة الدولة التشجيعية منحت لرجب، فما بالك بأكبر جائزة، بل كنت سأخجل لو منحت له جائزة "سوق الموسكي". وتابع:عماد أبو غازي، هذا الوزير تجرأ علي مهرجان السينما وألغاه بدواعي الأمن والميزانية، وألغي نشاطات أخري كثيرة، ألا يجوز لنا أن نسأله يا سيادة الوزير لماذا قبلت ترشيحات جوائز الدولة التي تمت أيام الديكتاتور، وكل الترشيحات قامت بها جهات كانت تراعي الديكتاتور، وأنصاره، وأعوانه كان لابد للسيد الوزير أن يلغي جوائز الدولة، لكن إلغاء الأنشطة المهمة، والسينما الجميلة، والإبقاء علي هذه الجوائز والشخصيات يعني أنهم لا يريدون لنا إلا "كمبورة". وأكمل: بخصوص "جائزة التفوق" تحديدا، هناك أعضاء في لجنة أمناء المجلس الأعلي للثقافة، منهم جابر عصفور وآخرون، كلما أرادوا أن يستبعدوا شخصا لأنه أحد خصومهم، وضعوا في منافسته "ميت"، لأن الناس تنحني أمام الموتي، وأظن أن جائزة إدريس علي - وأنا سعيد بها له ولأسرته- لكن أعتقد أن عصابة جابر عصفور كانت تحرم الأحياء من الجوائز بالموتي، فعلوا هذا عندما تذكروا عز الدين إسماعيل ليحرموا أحمد عبد المعطي حجازي، وفعلوها في العام التالي حين تذكروا النقاش ليحرموا حجازي، وفعلوها هذا العام حين تذكروا إدريس علي ليحرموا حسن طلب، إنه تاريخ عصفور الشخصي، في كيفية استبعاد خصومه. وأضاف: فاروق حسني وجابر عصفور مستمران في صورة عماد أبو غازي، أما الأول فقد ظل عشرين سنة من الفساد، والثاني أصبح وزيرا عل جثث الشهداء، ثم هرب من الوزارة عندما أيقن أن سيده سيسقط، وهما مستمران حتي الآن، وحتي أمين المجلس الأعلي الذي يمنح الجوائز، ذلك الشخص الذي لم نعرفه من قبل، عز الدين شكري، ولم نعرف له أي إسهام ثقافي أو استراتيجية ثقافية أو وجهة نظر، والذي هبط علينا من مكان كنا نظن أنه مجهول. الشاعر شعبان يوسف، قال: الجوائز هي ذاتها كباقي السنوات الماضية، لم تتقدم خطوة واحدة، ولم يصبها التغيير أو يأتي عليها الدور، الإدارة واحدة والأعضاء الذين يصوتون هم أنفسهم، والمرشحون كلهم قادمون من هيئات وجامعات مشكوك في نزاهتها أساسا، ومن المفترض أن تتغير كل هذه الأمور. وتابع: جوائز الدولة بها مشكلة طوال الوقت، نظام الترشيح والتصويت خطأ، ولا تستطيع منع المرشحين من الإلحاح والتباكي، دعونا نلاحظ، لقد تقدم محمد مستجاب للجائزة أكثر من مرة، فلم يحصل عليها إلا بعد رحيله، كذلك الأمر مع إدريس علي، ونفس القصة حدثت مع فاروق عبد القادر، طوال خمس سنوات متتالية، تذهب جائزة التفوق للموتي، ويتم حجبها عن الأحياء؛ من العار ألا يحصل البساطي علي الجائزة، بينما يتبادر اسمه للأذهان إذا ما تبادر لها القصة القصيرة. وأكمل: الجهات المرشحة لم تزل تغازل السلطة، ولا أحد يستوعب لماذا نري وجوها مثل مصطفي الفقي، ومكرم محمد أحمد، وصلاح عيسي في جوائز الدولة، كيف يفوز شخص بجائزة من الجوائز الدولة وهو من مداحي النظام السابق، بل ومن مادحي القذافي، علي وزير الثقافة الآن أن يشكل هيئة تأسيسة من أجل هذه الجوائز التي هي للناس جميعهم، ويجب أن تذهب لمستحقيها. الروائي خيري شلبي، الذي بدا أنه اكتفي بما قال في اجتماع اللجنة قال: عندنا اجتماع في آخر يوليه، سنناقش فيه موضوع دور المجلس الأعلي للثقافة في حياتنا الثقافة، وسنناقش مسألة الجوائز، وسأقترح لجانًا سرية متخصصة بحيث يقدم كل مرشح كل أعماله إلي الأمانة العامة، وتوزعها الأخيرة علي اللجان المتخصصة، لتقرأها بدقة وتفحصها سواء كانت علمية أو سينمائية، ويترتب علي هذا الفحص قبول الترشيح أو رفضه، وقبول الترشيح يتم التصويت عليه من أعضاء المجلس الأعلي للثقافة، وسأقترح أنه لا يمثل في المجلس الاعلي للثقافة إلا الشخصيات المختارة لأشخاصها باعتبارهم مثقفين لهم قامتهم، وأسماؤهم، وتاريخهم، أما أعضاء النقابات والاتحادات والي آخره فاذا لم يكن رئيس النقابة او رئيس الاتحاد مختارا لشخصه فلا داعي لاختياره باعتبار منصبه، وليس بالضرورة أن تكون الاتحادات والنقابات ممثلة في المجلس، لكن من الممكن ان تكون هناك شخصيات ذات ثقل اجتماعي أو ثقافي داخل النقابات يتم اختيارها.