فى مجموعته القصصية الأولى «اختيارات» الصادرة حديثًا بالتعاون بين جماعة إضافة الأدبية ودار الدار، يقدم القاص والطبيب الشاب طه سويدى تجربة مهمة يمزج فيها بين عالم الريف وحياة المدينة، والواقع والخيال، والماضى والحاضر. عبر هذه الثنائية تتحرك قصص طه الخمسة عشرة، متخذا من الهامش مسرح للأحداث وهو ما يتيح له أن يستعدى الأسطورة بكل ما تحمله من جموح ودهشة ويحولها لواقع معاش، كما فى قصة «ذهب» التى تنطلق من لحظة آنية ثم سريعًا ما يتداخل هذا الواقع مع أسطورة الصياد العائد من عالم بعيد «كانت حكاية الصياد العجوز تحظى تارة بسخرية أهل القرية (الراجل كبر ومخه اتلحس)، وتارة بتعاطفهم (مسكين محيلتوش غيره)». يؤكد الكاتب على مدى أهمية الهامش بوصفه المساحة التى تمنحنا رؤية مغايرة عن الحياة التى نعيشها والعالم الذى نعرفه، فيلتقط بعين مدربة مجموعة من التفاصيل الصغيرة التى تمر علينا فى حياتنا اليومية دون أن نتوقف عندها أو نركز فيها كما فى قصة «مجنون» التى تحكى عن أستاذ حسين موظف الأرشيف، وهو صورة نموذجية للشخص المهمش، ورغم ذلك يدفع به الكاتب لقلب الأحداث ويمنحه المساحة ليعبر عن ذاته وحياته المليئة بالتفاصيل والحكايات التى قد لا نراها «الأستاذ حسين تبقى له على سن المعاش ربما عامين، هكذا سمعت من بعض الموظفين، وقد توفيت ابنته الكبرى منذ أشهر، وتبدل حاله كثيراً بعد وفاتها، وأعتقد الموظفون أنه أصبح مريضاً نفسياً، إذ كان لا يكف عن تأمل صورتها والحديث معها». هذه المساحة التى تمزج بين المعاش والأسطورى والواقع والخيال فى العديد من قصص المجموعة، استطاع الكاتب أن يمنحها قدرًا كبيرًا من التميز عبر الاعتماد على الشفاهية من خلال أصوات الناس وأحاديثهم العادية بلغتهم العامية، بالإضافة لتعدد الأصوات داخل القصة الواحدة فمثلاً فى قصة «مجنون» هناك صوت البطل وصوت زملائه الموظفين وصوت المدير ممثل الرأسمالية المتوحشة، ورغم هذه الروح المختلفة فى قصص طه سويدى إلا أن المجموعة كانت تحتاج لمجهود أكبر من دار النشر والكاتب فيما يخص التحرير الأدبى والمراجعة اللغوية فهناك بعض القصص بها جمل وتراكيب لغوية مثقلة وبعض الاستطراد كان يمكن تجنبه.
