شهدت قاعة "بيكاسو" بالزمالك فصلا جديدا من الثورة التشكيلية، يتزعمه الفنان التشكيلي مكرم حنين، معلنا من خلال لوحات معرضه الذي حمل عنوان "الروحانية بين الواقع والخيال" إسقاط العبثية والارتباك والفوضي في مجال الفنون الجميلة، التي وصفها بأنها كانت سبباً في ابتعاد الجمهورعن قاعات العرض، مقدما مجموعة لوحات تعبيرية عن وجوه الريف والحنين إلي الماضي. واضعا في منتصف معرضه لوحة واحدة عن ثورة "25 يناير" لمجموعة من المتظاهرين يرفعون لافتات بيضاء، لم يسجل عليها أية شعارات، إيماناُ منه أن الشباب هم من سيكتبون المستقبل بطريقتهم الخاصة. تجولنا معه في معرضه ودار الحوار حول قضايا الفن والحركة التشكيلية في مصر، كما يراها بصفته فنانا تشكيليا، وبصفته ناقدا فنيا. ماذا تعني بإعلان قيام الثورة التشكيلية في الحركة الفنية؟ - ضاعت سنوات طويلة قبل الثورة، ونحن بدون هوية فكرية أو فنية، إلا عند قلة من الفنانين التزموا بمبادئهم الفنية، فقد فيها الفنان لغة التخاطب مع الجمهور، ولم تعد لأعماله قدرة علي جذب الجمهور، أهدروا الفن بأفكار خرافية، وحان الآن موعد الانقلاب علي كل هذا ما حدث للفن. ويقوم بهذه الثورة فنانون لهم رؤية عميقة، لمراجعة الفنانين توجهاتهم لترك هذا الارتباك والفوضي والعودة إلي القيم الإنسانية في الفن والأخلاق والجمال، وهذا يحتاج وقت للنضج، وأن يكون نبض الأعمال ومصدرها تلك الروحانية التي تجذب المتلقي من خلال الانتظام الجمالي ومعايشته للتاريخ بكل مراحله: الفرعوني والإسلامي والقبطي والروماني والإفريقي وغيرها، لذلك رسمت لوحات من وحي أعمال الفنان "بيكار"، وأهديتها إليه وأرسلتها له ليطمئن إلي أننا عدنا إلي الفن الأصيل، وسوف نكمل التاريخ الذي سرق منا طوال فترة النظام، كما أهديت لوحتي "بنات قبلي" وهي لثلاث فتيات من قبلي في علاقة صداقة فنية وتشكيلية أهديتها إلي روح رائد الفن المصري محمود سعيد، وهما تشبه لوحته "بنات بحري" وهي دعوة للفنانين أن يعود إلي الجذور الجمالية، وإلي ثقافة الجمهور الذي افتقد الجمال في العمل الفني. في كتاباتك النقدية وصفت الحركة الفنية بأنها ليست إلا "فساد متكامل".. لماذا؟ - طوال فترة ربع قرن عشنا فسادًا متكاملاً فسادًا فكريا، فسادًا إداريا وتنفيذيا لمؤسسات الثقافية الرسمية، وانعدام في الرؤية المستقبلية للفن المصري، وتهميش وتجميد للفنون المصرية الأصلية، وكأنه مقصود أن يبعد الفن عن هويته، فساد الفعاليات والأنشطة التي قدمت مسخرة ومهازل تحت عنوان الفن، لابد أن نعتذر للفن لأنهم قدموا أشياء باسمه لا تمت بصلة لمعني الفن، كانوا يقدمون أعمالا سيئة وكلها منقولة من كتالوجات أجنبية وأجندة فكرية لا تخصنا، وكتبت هذا الكلام كثيرا، فعلي سبيل المثال في بينالي الإسكندرية قدمت إحدي المشاركات مجموعة صور فوتوغرافية نقلتها من مجموعة صور كانت معروضة في متحف "المودرن آرت"، وحصلت علي جائزة البينالي..= هذا غير الفنان الذي قدم عمل فني بعنوان "البيت النوبي"، ونفذه بالطوب ووضع بداخله ملابس قديمة، وحصل عنه علي جائزة 40 ألف جنيه، رغم أنه عمل مسروقًا من فنان سويسري قدمه بمصر في معارض بينالي القاهرة، والغريب أنني عندما زرت المتحف ذات مرة فوجئت بعدد هائل من الفئران تجري بالمتحف، بسبب هذا العمل العبثي، بعدما تحول لمقلب قمامة لمخلفات الزوار، وكتبت عن هذه الوقعة ولكن الجميع صمت وكأنهم يعيشون عصر الصمت، والصمت يعني وقتها الموافقة علي الحدث، وبينالي القاهرة الذي سقط من سقف قصر الفنون غرفة مقلوبة ومن تحتها وضعت مرايا لتري العمل، أهل هذا عمل فني؟ هذا استخفاف بعقولنا وبفنونا. نعلم أنك كثيرا ما تزور متحف الفن الحديث بالأوبرا فلماذا هذه المتابعة؟ - نعم أزور المتحف بحثاً عن أمل في تغير الأعمال الفنية المعروضة، في الأسماء في الأفكار، أو حتي تبديل شكلي وإعادة صياغة الرؤية، ولكن لم يحدث أي تتغير في العروض منذ سنوات، وكأن العارضين أصبحوا ملاك جدران قاعة العرض، لدرجة أنني من يأسي أصبحت أذهب للمتحف لتأكد أنهم في مكانهم ولم يتغيروا. والمتحف كله الي الآن في فساد في الرؤية غير منظم لان الرشاوي لعبت دورها الإيجابي عرضت أعمال الفنانين الفطريين بجانب رواد الفن المصري، لابد أن يعرض بوضع استراتيجية ابتعد الجمهور عن المتحف لأنه لا يمثل تاريخه، وأن من ينظم المتحف هم شلة الوزير فاروق حسني التي تضم مجموعة أسماء أبدعوا فشلاً، لا يمكن أن أطلق عليهم فنانين فشلة لأن كلمة فنان كثيرة عليهم، ولا أقبل أن ألوث كلمة فن بهؤلاء الفشلة. وللأسف هذا المتحف أفسده الراحل أحمد فؤاد سليم بسوء التنظيم، وبالفبركة والأونطة وشوية علاقات بقي مدير متحف! وأفسد النقد بكتابته العقيمة التي صدقها البعض، أخطأ في تقييم الفنانين وكتب عن الفنان منير كنعنان أنه رائد التجريدية التعبيرية، أسوأ فترة في تاريخ الفن هي فترة أحمد فؤاد سليم. ماذا تنتظر من وزارة الثقافة في الفترة المقبلة؟ - لا تغير في الفترة القادمة بدون التغيير الجذري الآن، والتغيير الفوري، ولا أجد سببا في تأخر الوزارة في تغيير قياداتها التي يشوبها شكوك، ولا أقبل أي مبررات لتأخير التغيير، فمازالت أري نفس الشلة القاتلة والمخربة المسمومة الفكر في وزارة الثقافة، والتي شربت الفساد حتي النخاع، أما التغييرعن طريق المسابقة فهو الأفضل، ولكن يجب أن تكون فيها مصداقية وشفافية، فمازال الشك بداخل الشعب المصري، أعلم أن الكتابة عن تغيير المسئولين لا تجد من يستمع إليها، فقد دعاني الوزير السابق فاروق حسني لمكتبه وكنت أظن أنه استجاب لكتابتي التي طلبت فيها أن يستبعد الراحل احمد فؤاد سليم من المتحف، لكن الوزير رفض وقالي: الصحافة لا تؤثر علي قرارات الوزارة إلا بنسبة 25%، فالقرار يؤخذ لاعتبارات أخري. شاركت مع قطاع الفنون التشكيلية ضمن لجنة اختيار الأعمال للمعرض العام2010 فكيف تري هذه المشاركة؟ - رفضنا في هذا المعرض أعمالا كثيرة لفنانين كبار وجيل وسط لأنها كانت سيئة، وكان قرار الرفض بالإجماع لان الفنانين كانوا يستهترون بالمعرض العام، ويقدمون أعمالا سبق عرضها، وكأنهم لا يملكون غيرها، كنا نتظر من جيل الستينيات أن يقدم أجمل وأقوي أعمالهم، لكن تهميش الفنانين الكبار وابتعادهم عن الحركة جعلهم لا يقدمون الجديد، وقد منحنا الفنان محسن شعلان رئيس اللجنة حرية كبيرة في هذا المعرض، ولم يتدخل، لذلك رفضنا عددا هائلا، وقدمت اقتراحا من خلال المؤتمر الصحفي بأن يكون المعرض العام تحت عنوان محدد ويعلن قبلها بمدة كافية، ولا يكون المعرض لمجرد تجميع أعمال فنانين لعرضها، وأن اللجنة تري الأعمال علي الطبيعة وليس من صور لأن حين يحضرون الأعمال الرؤية تختلف. ارتفعت قيمة شراء الأعمال الفنية من لجنة المقتنيات من العام الماضي فهل تري أنها تتناسب مع قيمة الفنان المصري؟ - مين يقتني من مين؟ هذه الفزورة أبحث لها عن حل، اللوحات التي تقدر ب50 ألف جنيه تشتريها لجنة المقتنيات بخمسة آلاف، اللجنة بالكامل تحتاج للتغيير شكلاً ومضموناً، الاقتناء حق من حقوق الفنان المصري، لكن ما كان يحدث أن المسئولين كانوا يرشحون أعمالهم، دون مراعاة العدالة في توزيع الاقتناء بين الفنانين، مع مراعاة الاقتناء لتشجيع الشباب، كما أري أنه من الضروري أن يتم فصل تبعية الاقتناء عن سلطة رئيس قطاع الفنون التشكيلية المادية، ويكون لها ميزانية خاصة. دائما معارضك في الجالريهات الخاصة فلماذا لا تعرض في قاعات الدولة؟ - ليس معرضي انا فقط بل كل من يريد جمهور يتذوق الفن سوف يجده في القاعات الخاصة أكثر، وهذا بسبب ما قدمته المؤسسة الرسمية علي مدار ربع قرن العبث والهبوط الفكري، وتقيمه بجوائز مالية مبالغ فيها وأهدرت فيها المال العام عن قصد، نجد أن الجاليرهات الخاصة تقدم الأعمال الفنية الثرية ذات القيمة والأعمال النحتية للرواد، فيقبل عليها العامة والنخبة من المتذوقين. ماذا تتوقع من نقابة التشكيليين بعد اختيار نقيب جديد لها؟ - المجلس لابد أن يحمي الفنان ويقف معه في الأزمات والمشكلات التي يتعرض لها، والاهتمام بالفنانين كبار السن مثل الفنان محمد صبري رائد الباستيل الذي يعاني المرض، وأن يبعد المجلس نفسه عن الدخول في التكسب من وراء النقابة، هل معقول أن معاش الفنان التشكيلي بالنقابة 60 جنيها! بينما معاش الفنان في نقابة الفنون التطبيقية 600 جنيه، وهناك فنانون أعضاء في نقابتين.