صندوق النقد: التوترات الجيوسياسية تشكل تحديًا لمصر    طائرات الاحتلال الاسرائيلي تشن غارات عنيفة على منازل المدنيين غرب رفح الفلسطينية    في مباراة ماراثونية.. غينيا تقتنص فوزا هاما أمام الجزائر في التصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم 2026    غانا تقلب الطاولة على مالي بثنائية في عقر دارها بتصفيات كأس العالم 2026    "ايه اليوم الحلو ده".. أحمد سعد يشعل حفل زفاف جميلة عوض (فيديو)    وفاة المخرج محمد لبيب.. وخالد جلال ينعيه    بعنوان «ثواب الأضحية».. أوقاف الفيوم تعقد 150 ندوة تثقيفية ضمن ندوات مجالس العلم والذكر    شعبة الأدوية: هيئة الدواء أقرت تحريك أسعار بعض الشركات بمتوسط 25%    توقيع بروتوكول تعاون لترسيخ مبادئ الشَّريعة الإسلاميَّة السَّمحة    الرد على الصفقة.. ماذا تضمنت رسالة السنوار إلى مصر وقطر؟    "طاغية".. بايدن يهاجم بوتين أثناء مشاركته في ذكرى إنزال النورماندي    ميليشيا الدعم السريع تحشد قواتها تمهيدا لاجتياح مدينة الفاشر    طائرات الجيش الإسرائيلي يقصف منطقة "كسارة العروش" في مرتفعات جبل الريحان جنوب لبنان    رئاسة الحرمين الشريفين تبدأ تنفيذ المرحلة الثالثة لخطة الحج، واستعدادات خاصة لصلاة الجمعة    حاكم إقليم دارفور: الدعم السريع تحشد قواتها شرقي الفاشر تمهيدا لاجتياحها    مؤتمر لأسر المحبوسين ولائحة الأجور، نقابة الصحفيين تحيي الذكرى 29 ليوم الصحفي الأحد    ب 60 مليون دولار.. تفاصيل تمويل 12 فكرة ناشئة في مجال تكنولوجيا التعليم    موعد سفر بعثة منتخب مصر إلى غينيا بيساو    بثنائية تريزيجيه.. منتخب مصر يفلت من فخ بوركينا فاسو في تصفيات مونديال 2026    الجزائر تخسر ضد غينيا.. ومهاجم بيراميدز يقود الكونغو للتعادل أمام السنغال.. بتصفيات كأس العالم 2026    (فيديو) لحظة إصابة إمام عاشور فى مباراة مصر وبوركينا فاسو    جوميز يختتم المحاضرات الفنية لمدربي قطاعات كرة القدم    إصابة وموقف محرج.. إمام عاشور يثير الجدل أمام بوركينا فاسو    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا الثانوية العامة الجزء الثاني    مصرع سيدة صعقا بالكهرباء في منزلها بالدقهلية    بينهم 3 أطفال.. إصابة 4 أشخاص إثر تصادم "لودر" الحي بسيارة أجرة ببورسعيد    المهن الموسيقية تنعى العازف محمد علي نصر: أعطى درسا في الأخلاق والرجولة    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجبر للثانوية العامة الجزء الثالث    أخبار الحوادث اليوم: الاستئناف تتسلم ملف سائق أوبر التجمع.. و12 يونيو أولى جلسات محاكمة عصام صاصا    مصرع تلميذه غرقا فى ترعة الطارف بسوهاج    انتهاء المراجعة الثالثة.. صندوق النقد: مصر ستحصل على 820 مليون دولار    التنمية المحلية: 98% نسبة مسحوبات التمويل من البنك الدولي لبرنامج تنمية الصعيد    حظك اليوم| برج الحوت الجمعة 7 يونيو.. «القمر مازال موجود في برج الحوت المائي ويدعم كل المواليد المائية»    نجل فؤاد المهندس: والدي كان يحب هؤلاء النجوم وهذا ما فعله بعد وفاة الضيف أحمد    عيد ميلاده ال89.. أحمد عبد المعطي حجازي أحد رواد القصيدة الحديثة    نادين، أبرز المعلومات عن الدكتورة هدى في مسلسل دواعي السفر    خالد جلال ينعى المخرج محمد لبيب مدير دار عرض مسرح الطليعة    رئيس شعبة الذهب: المعدن الأصفر ملاذ آمن واستثمار على المدى البعيد (فيديو)    صندوق النقد يعلن إتمام المراجعة الثالثة مع مصر    نجاح أول تجربة لعلاج جيني يعمل على إعادة السمع للأطفال.. النتائج مبشرة    تهشمت جمجمتها.. جراحة تجميلية ناجحة لطفلة سقطت من الطابق الرابع بالبحيرة    ماذا كان يفعل النبي محمد بعد رؤية هلال شهر ذي الحجة؟ دار الإفتاء توضح    «زوجي عاوزني أشتغل وأصرف عليه؟».. وأمين الفتوى: عنده مشكلة في معرفته لذاته    الحبس وغرامة 300 ألف جنيه عقوبة استخدام برنامج معلوماتي في محتوى مناف للآداب    الشوبكى: الهدف من بيان «شاس الإسرائيلى» مواجهة الأحزاب المتشددة    أحلى بطيخ ممكن تاكله والناس بسأل عليه بالاسم.. بطيخ بلطيم.. فيديو    حزب مصر أكتوبر يجتمع بأمانة الغربية بشأن خطة عمل الفترة المقبلة    وجدي زين الدين: خطاب الرئيس السيسي لتشكيل الحكومة الجديدة يحمل توجيهات لبناء الإنسان    هانى تمام ب"لعلهم يفقهون": لا تجوز الأضحية من مال الزكاة على الإطلاق    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    المشدد من 7 إلى 10 سنوات للمتهمين بتزوير توكيل لقنصلية مصر بفرنسا    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدوار الخراط مبدع من طراز خاص .. يرحل فى صمت مهيب يليق به
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 06 - 12 - 2015

رحل عن عالمنا مؤخرا الروائى والشاعر والمترجم القدير ادوار الخراط بعد رحلة طويلة مع المرض. إدوار الخراط (مواليد 16 مارس، 1926 - توفى 1 ديسمبر 2015) كان كاتبًا مصريًا، ولد بالإسكندرية لعائلة قبطية أصلها من الصعيد، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1946م، عمل فى مخازن البحرية البريطانية فى الكبارى بالإسكندرية، ثم موظفا فى البنك الأهلى بالإسكندرية، عمل بعدها موظفا بشركة التأمين الأهلية المصرية عام 1955م، ثم مترجما بالسفارة الرومانية بالقاهرة.
شارك إدوار الخراط فى الحركة الوطنية الثورية فى الإسكندرية عام 1946 واعتقل فى 15 مايو 1948م فى معتقلى أبو قير والطور. عمل فى منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية فى منظمة الكتاب الإفريقيين والآسيويين من 1959 إلى 1983م. تفرغ بعد ذلك للكتابة فى القصة القصيرة والنقد الأدبى والترجمة، فاز بجائزة الدولة لمجموعة قصصه (ساعات الكبرياء) فى 1972م.
يمثل إدوار الخراط تيارًا يرفض الواقعية الاجتماعية كما جسّدها نجيب محفوظ فى الخمسينات مثلا ولا يرى من حقيقة إلا حقيقة الذات ويرجّح الرؤية الداخلية، وهو أول من نظّر ال«حساسية الجديدة» فى مصر بعد 1967م.
اعتبرت أول مجموعة قصصية له (الحيطان العالية) 1959 منعطفًا حاسمًا فى القصة العربية إذ ابتعد عن الواقعية السائدة آنذاك وركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس، ثم أكدت مجموعته الثانية (ساعات الكبرياء) هذه النزعة إلى رسم شخوص تتخبط فى عالم كله ظلم واضطهاد وفساد.
أما روايته الأولى (رامة والتِنِّين) 1980 فشكّلت حدثًا أدبيًا من الطراز الأول، تبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط فيها عناصر أسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية. ثم أعاد الخراط الكرة ب(الزمان الآخر) 1985 وبعدد من القصص والروايات (وإن صعب تصنيف هذه النصوص) متحررة من الاعتبارات الإيديولوجية التى كانت سائدة من قبل.
الكاتب شعبان يوسف مسئول ورشة الزيتون الثقافية واحد أصدقاء الخراط لوكالة فرانس برس قال عنه: لقد رحل الخراط وترك لنا إبداعه فقد أصدر فى العام 1968 مجلة «جاليري» مع مجموعة من المثقفين المصريين المتمردين على الواقعية فى الأدب وقد شكلت رافدا مهما فى الحركة الثقافية والنقدية المصرية. وبدأ الخراط بالتنظير لرؤيته الثقافية المغايرة «الحساسية الجديدة» التى عارض فيها كل الإشكال التقليدية فكريا وكتابيا.
وهو كان يؤكد أن الكتابة الإبداعية تكون فى الخروج عن التقليدى وانتقاده. وقد واجه فى هذا السياق الكثير من الانتقادات لتجربة الروائى المصرى نجيب محفوظ الحائز جائزة نوبل للآداب كونه الممثل الأمين للواقعية فى الرواية.
وقد نال جوائز عدة منها جائزة الدولة فى العام 1972 عن «ساعات الكبرياء» وجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية فى القاهرة فضلا عن جائزة النيل التى تمنحها الدولة وهى الأعرق فى العام 2014. وترجم الخراط العديد من الكتب والمسرحيات الى اللغة العربية عن الانجليزية والفرنسية.. وقد ألف أكثر من 50 كتابا بين القصة القصيرة والرواية والكتابة النقدية الى جانب العديد من المقالات الصحفية من أهمها، «يقين العطش» و«ترابها زعفران» و«الزمن الآخر».
كما نعى الشاعر «محمد المخزنجى» الكاتب الكبير الراحل إدوار الخراط، الذى رحل عن عالمنا، قائلا: بمزيد من الحزن والآسى وبقلوب مؤمنة بقضاء الله استقبلنا خبر وفاة الأديب الكبير الذى أثرى الحياة الأدبية بأكثر من خمسين إصدارا ما بين المجموعات القصصية والشعر والنقد كان من أهمها «رامة والتنين» و«الزمن الآخر»، و«يقين العطش» وغيرها.
كما نعى الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة، رحيل الأديب إدوار الخراط حيث قال عنه: «إن موت الخراط خسارة كبيرة لأديب وروائى أثرى الحياة الثقافية بأعماله، فكان متفانيا فى حب الوطن ورسم ملامح المجتمع فى رواياته، وتغنى بمعشوقته الإسكندرية وحبه لها فى رواية «ترابها زعفران»، مشيرا إلى أنه يعد من رموز الحداثة فى الأدب المصري، وأثرى المكتبة العربية بعدد كبير من الروايات والترجمات.
وأضاف أن الخراط استطاع أن يلمس بأعماله وجدان القراء، واستحسان النقاد، فدارت حول أدبه الكثير من الدراسات النقدية والندوات وصارت محطا لاهتمام الباحثين فى الأدب العربى والحداثة، كما تخرج من تحت عباءته الروائية كثير ممن ساروا على الدرب.
«بحث عن النموذج البشرى المتفوق بطريقته الخاصة»
الكاتب حاتم الجوهرى قال إنه تعود علاقتى بالراحل المبدع الكبير إدوار الخراط إلى ذكريات الحركة الطلابية الأدبية فى التسعينيات، حينما كنت مشغولا بفكرة جمال التمرد، وأن ليس كل تمرد على المجتمع هو إضافة للمنجز والتجربة البشرية، وأن أفكار ما بعد الحداثة وذوبان الحدود بين الفنون والقيم الموروثة، لا تعنى بالضرورة تصفيرها بل يمكن إعادة تشكيلها ونقدها وتقديم انطلاقة جديدة للحياة والبشرية بأسرها.
أذكر أننى فى إحدى دراساتى الأدبية المبكرة فى الجامعة، اعتمدت على كتابه «الكتابة عبر النوعية: مقالات فى القصة القصيدة ونصوص مختارة»، للتأكيد على هذه الفكرة. . خاصة فكرة أن الذات فى علاقتها بالكتابة يمكن أن تتمرد على الأشكال التقليدية للأدب، ولكنها تظل ذاتنا ممسكة بنفسها غير مقهورة، هكذا أرى إدوار الخراط وتصوره النقدى عن فكرة «الكتابة الجديدة» و«الحساسية الجديدة».
أرى أنه على عكس ما فهم بشكل كبير فى الوسط الأدبى المصري، كان يؤسس لفكرة المبدع الكبير أو الأديب المتفوق العبقري، الذى يمكن لذاته أن تتجاوز أشكال الكتابة التقليدية وأشكال الايديولوجيا التقليدية (لا أن تتخلى عنهما)، هناك مدارس فنية لا تُفهم إلا بعد مضى مدة من الزمن، ولا يستطيع روادها أو معاصروها -وفق الظروف - طرحها أو فهمها بشكلها الصادم، أرى أن إدوار الخراط كان يتحدث عن فكرة «الذات الخالقة» مثلا كما فى لب فلسفة الوجودية عند سارتر، وليس القشور التى ترتبط بظروف كل عصر، كأن يشيع فى تطبيق الوجودية فكرة تضخيم الذوات الضعيفة التى عادة ما تنتهى بالانسحاق أو الانتحار أو التشوه، أو أن يعنى ذلك فى الأدب انتقال المبتدئين أو أنصاف الموهوبين بين الأشكال الكتابية المختلفة للكتابة عبر النوعية.
إدوار الخراط فى إبداعه السردى والشعري، كان يبحث عن النموذج البشرى المتفوق بطريقته الخاصة، وأعتقد أننا يجب أن نعيد قراءة مشروعه الفكرى والأدبى فى هذا السياق، بعيدا عن التفسيرات المرحلية والاستقطابات التى كانت سائدة فى زمانه، من كانوا منافسين له ومن ناصروه على السواء. تماس إدوار الخراط مع فكرة عظمة ورقى الإبداع البشرى وقدرته على تجاوز الأشكال والأطر الفكرية والتعبيرية السائدة فى زمان ما، تماس مع كسر السائد ومخاطبة القدرات الكامنة للعقل البشرى والتجربة البشرية فى تفوقها وليس فى عاديتها.
«الخراط اختار الخلود»
الكاتب يوسف الرفاعى قد نعى الخراط بأن رحيله خسارة كبيرة للمشهد الثقافى المصرى وذكر «الرفاعى»: أن إدوار الخراط تسارع فى الآونة الأخيرة فقدانه لأدباء وهبوا ذلك المشهد رونقه وأشبعوا ذائقة أجيال بالكلمة والمعنى والفكرة. لكن عزاءنا الوحيد فى هذا الرحيل هو أن الأديب لا يموت، لأن أعماله باقية تتحدث وتنبض وتفكر ويتناقلها محبو أدبه الذى اتسم بالتمرد على التقليدية. ولن أقيس تميزه بجوائز مشهود لها كجائزة الدولة التى نالها عام 1972 أو جائزة النيل التى نالها عام 2014 وإنما أقيسه بنتاجه الأدبى الذى صنعته تحديات منحته مفردات القوة القادرة على البقاء، فقد عبر مع أبناء جيله فترات عاشت فيها الدولة والمجتمع ظروفا قاسية كادت تعصف ببقائها وتماسكها. وأحسب أن الأديب الذى يولد فى عصر حافل بالإشكاليات، مثل إدوار الخراط، يملك مبررات التميز حين يكتب ويفكر وينقد ويترجم وهو ما انعكس على أعماله الأدبية التى فاقت الخمسين عملا. ومن بين أعماله التى أستحسنها روايته الأولى «رامه والتنين» رغم ميلى الفطرى للنمط الواقعى فى الكتابة الذى مثّله عن جدارة نجيب محفوظ. وأحسب أن الخراط لم يثر على أدب محفوظ إلا بعد ثورة يوليو التى جرفت أشياء كثيرة راسخة وغرست شتلات إبداع من نوع مختلف. تقول الروائية الإنجليزية مارى آن إيفانز: «موتانا لا يموتون حقا إلا حين ننساهم»، وإدوار الخراط سيبقى فى الذاكرة، لأنه اختار الخلود بأعمال محترمة. رحمه الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.