رحل عن عالمنا مؤخرًا الكاتب المبدع خليل كلفت الذى أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتابات الفكرية والترجمات الهامة وكذلك الإبداعات الأدبية المتميزة. كان الراحل أديبا ومبدعا موسوعى الذاكرة والفكر والثقافة وإنسانى الهوى ويسارى التوجه، ولد فى النوبة بأسوان فى مصر فى 9 أبريل 1941. خليل كلفت الكاتب والمترجم والإنسان، لا تتوقف قيمة ما أعطاه وأنتجه وأنجزه عند ترجمته الراقية لابداعات يودقيس العظيم، أو لاكتشافه للكاتب البرازيلى الأول ماشادوده اسيس فى رائعتيه (دون كازمورو، والسرايا الخضراء)، أو قصصه القصيرة، ويعتبر ماشادوده اسيس عميد الأدب البرازيلى بلا منازع، وهو الأب الروحى لكافة الإبداعات البرازيلية الحديثة، ولا تتوقف ترجمات كلفت من اللغتين (الإنجليزية والفرنسية) عند حدود الأدب فقط بل تتعداها إلى إبداعات سياسية وفكرية لها حضور عالمى وحى ومشارك فى تشكيل وصياغة اتجاهات الفكر السياسى العالمي، وزيادة على ذلك فقد انشأ عددا من القواميس والمعاجم اللغوية المهمة، والتى لا غنى عنه لاى باحث، أشهرها (إلياس- هاراب التجاري، ومعجم تصريف الأفعال، وغيرها). ويعتبر خليل كلفت فى المجال اللغوى - عموماً - حجة قوية، وإسهاماته العديدة فى هذا الأمر ترشحه لذلك، وقد نشرها فى مجلات (قضايا فكرية، وابن عروس)، وهى دراسات عن الازدواج اللغوى بين الفصحى والعامية، وتجدد النحو وتطويره، وتخليصه من كافة المعوقات التى تعرقل تطور ونمو اللغة ذاتها، ويجعلها متأخرة عن كل اللغات الأخرى الحية.. يضاف إلى ذلك أن خليل كلفت بدأ حياته ناقدًا حصيفًا وواعيًا، ونشر دراساته ومقالاته فى جريدة المساء، التى كانت تصدر صفحة شبه يومية، وكان يشرف عليها الراحل الكبير عبدالفتاح الجمل، وكتب خليل عن الشاعر العراقى الكبير عبدالوهاب البياتى مجموعة مقالات صدرت فى كتاب مستقل بعد ذلك فى السبعينيات، وكتب عن الشاعر الفلسطينى توفيق زيادة وبشر بأدباء المجلة وكتب مقالاً كبيرًا عنهم، قبل أن يصبحوا كتابًا كبارًا، أبرزهم سعيد الكفراوى وجار النبى الحلو، وخاض معركة أدبية أحدثت دويا كبيرا فى أواخر الستينيات مع الكاتب الأردنى الجنسية، الذى أقام فى مصر طويلاً الراحل غالب هلسا، ونشر أيضا خليل بعض دراساته وابداعاته الشعرية، والقصصية فى مجلة جاليرى 68، وهو يعتبر أحد الأعمدة النقدية الكبيرة فى ذلك الوقت، ومن الواجب أن نقدم التحية للدكتور جابر عصفور الذى سارع باتخاذ إجراءات عاجلة لنشر كتابات خليل كلفت النقدية، التى ستصدر عن المجلس الأعلى للثقافة. ولولا أن العمل السياسى خطف خليل كلفت من النقد الأدبى، لأبدع كثيرًا فى هذا المجال، ولكنه لم يستطع إلا أن يشارك فى صياغة وجدانات وعقول جيل كامل، وكتب بقلم اسم مستعار عددا من الإبداعات السياسية أهمها (الإقطاع والرأسمالية الزراعية فى مصر - فى عهد محمد على إلى عهد عبد الناصر) وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة اليابانية، ونقله الباحث اليابانى إيجى ناجاساوا)، الذى ترجم أيضًا سيرة عالم الاجتماع سيد عويس أيضًا صدر لخليل دراسات أخرى عن أسلوب الإنتاج الآسيوى، والبورجوازية البيروقراطية، والقومية العربية)، وفى عام 1982 صدر له كتاب (الكارثة الفلسطينية)، منتقدًا بعض الأفكار السياسية التى رأها آنذاك مدمرة للقوة الباقية للمقاومة. وكان حزب التجمع كان قد أصدر بيانا بعنوان «وداعاً خليل كلفت» وجاء فيه: «ينعى حزب التجمع للشعب المصرى وقواه الاجتماعية والسياسية والثقافية واليسار المصرى والعربى رحيل المثقف الاشتراكى الكبير خليل كلفت.. ابن النوبة والكاتب المبدع والأديب الناقد والمفكر الاشتراكى الثائر. كان الأستاذ خليل كلفت فى حياته وحتى آخر لحظة شعلة من النشاط والحيوية الفكرية والثقافية.. بما يملكه من عقل ناقد شجاع متحرر من الصندوق.. وبما يملكه من ثقافة ماركسية عميقة ومعرفة تاريخية واجتماعية. ورحل خليل كلفت.. رحل المثقف النوبى النبيل.. صاحب القلب الكبير والعقل الشجاع.. وإذ يتقدم حزب التجمع بأعمق التعازى القلبية لابنته وأخيه وكل أفراد أسرته.. ولكل أصدقائه وأقاربه ورفاقه ومحبيه.. ولليسار المصرى بكل تياراته وأطيافه واتجاهاته؛ يؤكد أن الراحل الكبير قد ترك لنا وللأجيال وللحياة الفكرية والسياسية والثقافية كتاباته وإبداعاته وترجماته وحواراته رفيعة المستوى عميقة الأثر.. وبها يبقى الأستاذ خليل كلفت حياً لا يموت. كما نعته ورشة الزيتون فجاء فى نعيها «مثقفًا ومناضلًا وكاتبًا وناقدًا ومترجمًا مصريًا بارزًا»، استطاع أن يقدم نموذجًا ناصع النقاء فى العطاء الفكرى والسياسى والأدبى على مدى نصف قرن، ذلك المثقف هو الكاتب الكبير خليل سليمان كلفت، الشهير ب«خليل كلفت». وأضاف البيان: أن خليل كلفت بدأ حياته منذ منتصف الستينيات مع كوكبة اليسار المصرى وشارك فى إثراء المشهد النقدى آنذاك، عبر مقالاته ودراساته الأدبية التى كان ينشرها فى مجلتى جاليرى 68 المصرية، والآداب البيروتية، بالإضافة لجريدة المساء، وقد كتب عن الشعراء خليل حاوى، وعبد الوهاب البياتى، وشعراء المقاومة، ومحمد إبراهيم أبوسنة، وكتب سلسلة مقالات يردّ فيها على أدونيس، وغالى شكرى، وآخرين تحت عنوان: «حملة مشبوهة ضد شعر المقاومة»، وغير ذلك من مقالات وأبحاث، جمع معظمها ونشرها فى كتابه «خطوات فى النقد الأدبى» وكذلك ترجم عن الشاعر بورخيس تحت عنوان: «مختارات الميتافيزيقا والفانتازيا»، وتتعدد ترجماته ما لا يتسع المجال لحصرها، وترجم عددًا كبيرًا فى الشأن الفكرى والسياسى،كما أنشأ كثيرًا من القواميس والمعاجم التى نشرت كاملة فى دار إلياس العصرية، وله جهود بالغة الأهمية فى تجديد النحو العربى.. واختتمت ورشة الزيتون بيانها: لا نستطيع فى ذلك البيان أن نحصى إنجازات الراحل الكبير، ولكننا سنعود إليها بالتفصيل فيما بعد، ولا نملك إلا أن نقول فقدنا أحد أعلامنا الكبار، الذى أثرى المكتبة والحياة المصرية والعربية بكل ما هو جاد وثمين وخالد، رحم الله الرفيق خليل كلفت «صالح محمد صالح». كما نعاه حزب التحالف الشعبى فى بيان فجاء فيه: «خسارتنا لخليل كلفت الكاتب الإنسان»، لا تتوقف عند قيمة ما أعطاه وأنتجه وأنجزه عند ترجمته الراقية لإبداعات يودقيس العظيم، أو لاكتشافه للكاتب البرازيلى الأول ما شادوده أسيس فى رائعتيه (دون كازمورو، والسرايا الخضراء)، أو قصصه القصيرة أو مساهماته السياسية البناءة، ولكن عزاءنا الوحيد فى أن رحيل جسده من دنيانا سيبقى كثير وكثير وكثير من جهد كلفت تتناقله الأجيال فى شتى المجالات سواء الأدبية أو العلمية أو السياسية. الكاتبة سهير المصادفة نعته قائلة: «البقاء لله، بالفعل فقدت مصر أحد مثقفيها النابغين، أثرى المكتبة العربية وكتب الأعمال الإبداعية والسياسية وترجم ترجمات شديدة الأهمية، وأنجز رفا ضخما فى المكتبة يحمل اسمه ويخلده، له فى سلسلة الجوائز كتابان كنت أتمنى أن يفرح بهما قبل وفاته فهما ضمن إصدارات معرض القاهرة الدولى للكتاب، ولكن قدر الله وما شاء فعل.. الله يرحمه بقدر ما منح مصر.