تحقيق: محمود جودة ونسرين أبو المجد ومروة مظلوم عادت إمبابة مرة أخري إلي بؤرة الضوء، ومخطئ من يتصور أن الشهرة التي حازها الحي التابع إداريا لمحافظة الجيزة لم يعرف هذا الانتشار الدولي من قبل، ففي عام 1992 زارها وفد من العائلة الملكية البريطانية في أعقاب حادث الشيخ جابر. وقتها كانت إمبابة معروفة باسم «جمهورية إمبابة الإسلامية» وهي ليست تسمية مجازية فقد ظهرت فيها بؤر للتطرف عندما ترك الرئيس الراحل أنور السادات مساجد الاوقاف للجماعات الإسلامية لمواجهة اليسار الذي كان القوة السياسية الاولي في الشارع ثم تجمعت هذه البؤر في جماعة واحدة بقيادة شاب كان يعمل بالملاهي الليلية ثم قرر التوبة عن الاجرام في الكباريهات ليمارس الاجرام باسم الاسلام كان اسمه الشيخ جابر الطبال. وبعد مطاردة واشتباكات استمرت عشرة أيام أمكن التخلص من جابر ورجاله لكن لم يتم القضاء علي فلول الارهاب في المنطقة حتي الآن. لكن ماذا عن إمبابة الحي الشعبي انه يؤوي أكثر من 1.8 مليون نسمة يعيشون فوق 10 كيلو مترات مربعة هي المساحة الكلية للمنطقة التي تتسم بشعبيتها من الدرجة الأولي وتضم عدداً من المناطق العشوائية ويلجأ إليها الوافدون من خارج القاهرة من محافظات الوجهين البحري والقبلي خاصة أن بها عددا كبيرا من البدرومات التي يسكنها العمال والاسر البسيطة التي تعيش تحت مستوي خط الفقر ومعدومة الدخل، ويدفعون لها قيمة ايجارية بسيطة. ومن المناطق الشعبية والعشوائية بإمبابة هي إمبابة القديمة والبصراوي والمنيرة الشرقية وعزبة الصعايدة وشارع الطناني والمطار وأرض عزيز عزت وغيرها.. ولا يوجد بها سوي 4 مناطق يعيش فيها متوسطو الدخل وهي أبراج وعمارات في أرض الجمعية وأرض الحداد.. اضافة الي مدينتي «العمال» و«التحرير» اللتين بنيتا في عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهي عبارة عن بيوت كل منها يتكون من طابقين ويعيش سكان تلك المناطق الاربع علي 10% من مساحة إمبابة الاجمالية. أما الحدود الجغرافية لجمهورية «إمبابة» فهي من الشمال الوراق ومن الجنوب يحدها الدقي والعجوزة ومن الشرق قرية بشتيل التابعة لمركز أوسيم ومن الغرب نهر النيل.. ويوجد بها 4 أسواق عامة وكبري تغلق الشوارع تماما هذا بخلاف الباعة الجائلين المنتشرين في كل شارع وحارة من إمبابة وحتي أمام المنشآت الحيوية بها وأولي هذه الاسواق في شارع المطار يوم الجمعة فقط من كل اسبوع ويباع فيها كل شيء من خضروات وفواكه وطيور وملابس وأحذية وخردة واثاثات منزلية وغيرها.. وثانيها سوق في شارع محمد حجازي وهي موجودة يوميا علي مدار 24 ساعة وتباع فيها الملابس والاحذية وأقامها الباعة الجائلون بقوة النفوذ وفرض السيطرة منذ 10 سنوات خاصة أن حي شمال الجيزة المسئول عن المنطقة وشرطة المرافق لم يستطيعا القضاء علي البيع العشوائي بها حتي باتت واقعا يفرض نفسه علي الجميع. أما السوق الثالثة فهي موجودة منذ 8 سنوات بشكل يومي في شارع النصر بأرض الجمعية لبيع الخضار والفاكهة والملابس، والاخيرة تقع في شارع الغيط بمنطقة المنيرة الشرقية في إمبابة وموجودة منذ 20 سنة ومخصصة للفاكهة والخضروات فقط. وهناك أزمة تنظيمية تواجه إمبابة حالياً بسبب الباعة الجائلين خاصة بعد أن وافق محافظ الجيزة السابق سيد عبدالعزيز علي إنشاء 3 آلاف فاترينة وكشك لبيع السجائر والحلوي والمستلزمات الاساسية الاخري في منطقة إمبابة حيث انشئ منها ما يقرب من ألف كشك وفاترينة حاليا ولكن بشكل عشوائي بحت ما أدي إلي زيادة التكدس أمام المنشآت الحيوية في ظل عدم وجود رقابة فعلية حالية من المحليات أو شرطة المرافق. في إمبابة عدد من المستشفيات الحكومية العامة والمتخصصة ومنها إمبابة العام والتحرير العام والمعروف في المنطقة باسم المركزي وأحيانا مستشفي الموت ومستشفي تابع لمعهد الصدر والحساسية والحميات وشلل الاطفال والسمع والكلام.. ويوجد مستشفي عام يقع في شارع البوهي مكون من 7 طوابق وبها تجهيزات كاملة وكلف الدولة 80 مليون جنيه وتم انشاؤها علي مساحة ألفي متر، إلا أنه مغلق منذ 10 سنوات ولم يفتح حتي الآن بسبب احتياجه لاجهزة طبية بسيطة لا يتعدي ثمنها مليوني جنيه وهو الأمر الذي قد يواجه اتهاما باهدار للمال العام لعدم استغلال هذا الصرح الطبي طوال السنوات الماضية ويعمل علي اهلاك الاجهزة الطبية الموجودة به طوال تلك المدة. وعن الجانب التعليمي في جمهورية إمبابة الشعبية فإنها تضم 82 مدرسة في المراحل التعليمية المختلفة من ابتدائي واعدادي وثانوي ودبلومات فنية وبها معهدان أزهريان الاول هو معهد الطيار فكري زاهر الديني ويضم مراحل التعليم قبل الجامعي الثلاث ومعهد ابتدائي في منطقة «بني محمد» قرب شارع القومية في منطقة البصراوي ويقع علي بعد كيلو مترين من كنيسة مار مينا. أما المقدسات الدينية ففي إمبابة 8 كنائس هي «مار مينا» في البصراوي التي تحطمت في الاحداث الاخيرة للعنف واشتعلت النيران في المحلات القريبة منها وعمارتين أخريان والكنيسة الانجيلية علي بعد 400 متر منها.. وكنيسة الملاك في شارع الاقصر بالبصراوي، وبالقرب منها الكنيسة «الرسولية» حيث تقع ال4 كنائس في محيط جغرافي لا يزيد علي كيلو متر مربع. أما ال4 كنائس الباقية فأولها هي كنيسة العذراء مريم التي تم حرقها مؤخرا وثانيها في شارع الجامع بمنطقة المنيرة الشرقية وثالثها في إمبابة القديمة قرب كورنيش النيل في شارع تاج الدولة والاخيرة في شارع البشلاوي وتبعد عن كنيسة العذراء المحترقة ب500 متر. أما المساجد والزوايا الصغيرة فلا يوجد حصر محدد لها ومنها ما يتبع وزارة الاوقاف وأكبرها مسجدا خالد بن الوليد بالكيت كات والحافظ بشارع البوهي.. ومنها ما يتبع الجمعية الشرعية، ولا يتعدي عددها بضعة مساجد منها مسجد الجمعية الشرعية بإمبابة في شارع المنيرة الرئيسي، ومسجد عمر بن الخطاب في شارع زكي مطر والثالث اسمه مسجد الهداية ويقع قرب كنيسة مار مينا ب300 متر فقط، والرابع مسجد الهداية في شارع الاسيوطي من شارع الجامع. وللسلفيين عدد من المساجد منها مسجد انصار السنة المحمدية في شارع المنيرة الرئيسي والذي يلقي فيه الشيخ محمد حسين يعقوب القيادة السلفية خطبة يوم الاحد من كل اسبوع «حسب تأكيد الاهالي» وألقي فيه خطبته الشهيرة التي قال فيها بأن السلفيين انتصروا في موقعة غزو الصناديق وقت الاستفتاء علي التعديلات الدستورية الاخيرة. «روزاليوسف» عاشت مع أهالي إمبابة في عدة مناطق رصدت فيها كواليس تلك الجمهورية الشعبية وكما أكد الجميع أن العلاقة بين المسلمين والاقباط فيها هي علاقة حميمة ويشملها الود والتراحم ولا تفرق الاديان بين أهلها فكلهم مصريون ويأكلون من إناء واحد ويتبادلون الزيارات في الاعياد سواء الفطر والاضحي للمسلمين أو القيامة والفصح وغيرهما للاقباط حتي إن المسلمين يعيشون في عقارات يملكها أقباط والعكس صحيح. وتعتبر أكثر مناطق إمبابة عشوائية هي أرض عزيز عزت التي تعتبر امبراطورية كبيرة داخل تلك الجمهورية فالكثافة السكانية بها مرتفعة للغاية ويعيش أهلها فوق 85 فدانا وكان مقررا تطوير المنطقة وازالة مقالب القمامة والعشش الموجودة بها ورصف طرقها منذ سنوات طويلة إلا أن محافظ الجيزة السابق كان قد أعلن أن ذلك سيتم في اطار خطة مدتها 3 سنوات ولم يتم منها شيء، وتضم أرض عزيز عزت أوكارا للمخدرات والدعارة والبلطجة وهو ما يضاعف من خطورتها في قلب القاهرة. ففي شارع الحرية يوجد ناضورجية تجار المخدرات الذين يرصدون كل حركة والغرباء الوافدين علي المنطقة والمسئولين عن تأمين تلك التجارة ودخول وخروج العملاء والمدمنين إليها.. ومن شارع الحرية يمكن الوصول من المخرج الاخر علي شارع البدرومات ومنه إلي مساكن العجوزة بمنطقة الكيت كات. ويقول «محمود.ع» 35 سنة من سكان أرض عزيز عزت بأن تجارة المخدرات أصبحت سهلة في المنطقة في ظل الانفلات الامني الفترة الماضية وهو ما يعرض اطفاله الثلاثة الي الخطر خاصة أن المتعاطين يتزايدون بشكل كبير لشراء البانجو والحشيش بل وحتي تذاكر الهيروين التي تمسح عقول المدمنين. وما يميز المنطقة ضيق شوارعها التي يصعب اختراقها بسيارات الشرطة لشن الحملات عليها ومع صعوبة اختراق الافراد والغرباء لها فإن الأمر يصبح أكثر تعقيدا وصعوبة وبالتالي فإنه ليس من الصعب تحويل منطقة الحمامات في إمبابة الي مخازن للمخدرات والسلاح نظرا لسيطرة التجار والبلطجية والمسجلين مخدرات عليها بالاسلحة البيضاء بجميع أشكالها ومياه النار ويحكمون سيطرتهم علي الوافدين إليها بكلمة سر يتم تغييرها بين الحين والآخر ولا يعرفها سوي من يتردد علي المكان ولابد أن يمر علي عدة نقاط مرورية خاضعة للناضورجية أو يكون علي اتصال دائم بهم. وسيلة المواصلات السهلة التي يمكنها اختراق الشوارع بسهولة هي التوك توك الذي لا يمانع سائقوه من الاطفال من نقل المخدرات أو المتعاطين الي أي مكان وكله بثمنه ويؤكد الاهالي أن من أباطرة تجارة المخدرات في منطقة الحمامات بأرض عزيز عزت امرأة تدعي «قدارة». أما السكان العاديون فيلحق بهم بالغ الضرر لأنهم لا يعيشون في أمان ويعيشون أيضا في حياة غير آدمية في البدرومات المنتشرة في المنطقة وتخرج عليهم مياه الصرف الصحي والروائح الكريهة نظرا لانخفاضها عن سطح الارض، الأمر الذي كان سببا في اعتصامهم مرارا وتكرارا أمام مبني محافظة الجيزة علي مدار السنوات الماضية للمطالبة بسكن آدمي يعيشون فيه إلا أن شيئا لم يتحقق من ذلك، ويواصل الأهالي حياتهم غير الآدمية في مهانة وفقر رغم أن المسئولين في عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك وعدوهم بتوفير مسكن ملائم وصحي لهم بعد انهيار مساكنهم واستيداعهم في تلك البدرومات التي أنشئت كمخازن للسلع منذ البداية. تذمر شديد للأهالي الذين يستخدمون دورات مياه عامة ومشتركة وأمراض مزمنة يصابون بها وحساسية للصدر والجلد يصاب بها الصغار والكبار، وارتفاع معدل الجريمة وحوادث الاغتصاب التي تتعرض لها فتياتهم بين الحين والآخر. عزيز عزت منطقة تفتقد الامان وبها كل أنواع السرقة رغم وقوعها خلف قسم شرطة إمبابة مباشرة، ومن جانب المعيشة بين المسلمين والاقباط قابلنا أحمد حداد 25 سنة الذي يعيش في منطقة البصراوي في عقار يجاوره فيه عدد من الاقباط، ويشير إلي أنه تربي مع الشباب من أقرانه الاقباط ويقول إن بينهم «عيش وملح» ويري أن جارته «أم مينا» مثل والدته تماما فهو لا يخجل منها في الحديث أو طلب نصيحة أو مشورة وبعد أحداث كنيسة مارمينا الاخيرة اتصل بأصدقائه الاقباط واطمأن عليهم واستاءوا جميعا من الاحداث القائمة والتفريق بين مسلم ومسيحي. ولفت أحمد إلي شارع الاقصر الذي توجد فيه أكثر من كنيسة في إمبابة وبه عدد من المحال والمقاهي البلدية والباعة الجائلين الذين لا يفرق أحد بين دياناتهم.. ويرفض أحمد القول بأن المنطقة تضم الكثير من البلطجية، ويفسر أعمال البلطجة والمشاجرات في إمبابة بشكل متواصل بعدم وجود فرص عمل للشباب فاتجه بعضهم الي توزيع المخدرات للحصول علي لقمة العيش معتبرين أنها افضل وأشرف بكثير من السرقة والبطالة، ويشير أحمد الي أن إمبابة سقطت من حسابات المسئولين رغم انها تضم الملايين من المصريين. وينفي الشيخ محمد عبدالرحمن إمام مسجد الأربعين تاج الدولة بإمبابة وجود أي نوع من الاحتقان الطائفي بإمبابة، لافتا إلي أن المعاملات اليومية بين كل الاطراف طبيعية للغاية. ويعبر الشيخ محمد عن مدي هذه المعاملة الطيبة من خلال الحفاوة التي يجدها من صديق قبطي له يعمل ترزيا في محل مجاور للمسجد، ومن منطلق تحقيق مزيد من التواصل يقول الشيخ «محمد» إنه قام منذ شهرين هو وصديقه إمام مسجد «الهندي» بإمبابة بتقديم دعوة للتواصل مع كنيسة «مار جرجس» التي تبعد 30 متراً فقط عن مسجد الاربعين لتقديم خدمات للصالح العام للمنطقة وبالفعل عندما ذهب للكنيسة وطرق بابها قوبل بحفاوة شديدة من القمص إبراهيم بباوي واهتمام، وحدث اتفاق علي عقد لقاءات شهرية هدفها خدمة المنطقة من اقامة مراكز طبية مشتركة أو عيادات وتنظيم رحلات وخلافه.. وأيضا عقد اجتماع مماثل داخل المسجد بحضور قيادات كنسية بغرض اننا مصريون ولا فرق بين أقباط ومسلمين وأنه من المفترض أن نترفع ونسمو عن أي خلافات قد تحدث من هذا النوع.. ويرجع ما يحد في إمبابة الي الوضع العام في مصر من وجود انفلات أمني، ويري الحل في قيام الشرطة بواجبها للحد من أي أحداث عنيفة، ورفع الوعي لدي المواطنين من خلال خطب في مساجد وكنائس تدعو إلي حرمة الدماء وحفظ المقدسات وضرورة التواصل واحترام الآخر.. والحذر من التدخلات الاجنبية التي تحاول أن تحدث فتنة بين المسلمين والمسيحيين. ويكمل القمص إبراهيم بباوي قمص كنيسة «مار جرجس» أن لقاءات المحبة والتواصل بين أهالي إمبابة متواجدة ومستمرة وأنهم بصدد تأسيس جمعية تحمل اسم «الاخاء الاسلامي المسيحي» هدفها عمل مشروعات صغيرة وتشغيل شباب إمبابة العاطل.. ومحو الامية ونظافة الشوارع.. ويوضح القمص «إبراهيم» طبيعة منطقة إمبابة وأسباب البلطجة بها بأن أجواء المحبة لا تزال موجودة في المناطق القديمة من إمبابة أمام المناطق الواقعة في عمق إمبابة بمنطقة «البصراوي» و«بشتيل» فيها، كانت في الاساس زراعية وتحولت الي مناطق شديدة العشوائية.