محمود الهباش: الدم الفلسطيني أغلى من حماس وفتح ومنظمة التحرير    أصعب 48 ساعة على سكان القاهرة، الأرصاد تحذر من ذروة الموجة الحارة    3 عقوبات أمريكية في انتظار «الجنائية الدولية».. فما هي؟    أمريكا عن مقترح السلام: نريد ردًّا من حماس    ملف يلا كورة.. تدشين مشروع القرن.. عقوبة أفشة.. وموعد عودة فتوح    الأهلي ليلا كورة: وقعنا عقوبة مالية على أفشة.. ولم نقرر تجميده    المصري البورسعيدي يكشف موعد الإعلان عن الملعب الجديد في بورسعيد    تعادل إيطاليا مع تركيا في مباراة ودية استعدادًا ليورو 2024    فجور عصابة العسكر ..الشارع المصري يغلى بسبب العيش والحكومة تستعد لرفع أسعار الكهرباء والبنزين    النائبة مها عبد الناصر تطالب بمحاسبة وزراء الحكومة كل 3 أشهر    «هنلعبوا السنيورة».. أحمد فهمي يطرح بوستر فيلم «عصابة الماكس» استعدادًا لطرحه في عيد الأضحى    برلمانية: نحتاج من الحكومة برامج مٌعلنة ومٌحددة للنهوض بالصحة والتعليم    استعلم الآن.. نتيجة الصف الثالث الاعدادي محافظة أسيوط الترم الثاني برقم الجلوس (الرابط والخطوات)    جورجيا تعتزم سن تشريع يمنع زواج المثليين    «الأهلي» يرد على عبدالله السعيد: لم نحزن على رحيلك    «زي النهارده» في 5 يونيو 1967 .. نكسة 67    الإفتاء تحذر المصريين من ظاهرة خطيرة قبل عيد الأضحى: لا تفعلوا ذلك    وفد «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية يصل القاهرة لاستعراض الأوضاع الحالية في غزة    نبيل عماد يكشف حقيقة خلافه مع حسام حسن    السعيد: حب جماهير الزمالك أعادني للحياة.. وسبب الاعتزال الدولي واعتبار تجربة الأهلي    إعلام فلسطيني: شهداء ومصابين في قصف مدفعي إسرائيلي استهدف منزلا وسط غزة    مودي يعلن فوزه في الانتخابات الهندية لكن حزبه سيخسر الأغلبية    أحمد كريمة: من يعبث بثوابت الدين فهو مرتد    الوكالة الدولية للطاقة الذرية تبحث ملف تطوير البنية التحتية للطاقة النووية في مصر    إبراهيم عيسى: المواطن يشعر بأن الحكومة الجديدة ستكون توأم للمستقيلة    استغلالا لزيادة الطلب، ارتفاع أسعار سيارات شيري تيجو 7 المجمعة محليا والتطبيق اليوم    متى يبدأ صيام 10 ذي الحجة 2024؟.. تعرف على فضلها عن سواها    طريقة عمل البرجر، بخطوات سهلة ونتيجة مضمونة    برلمان سلوفينيا يوافق على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة    «شديد السخونة».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف موعد انخفاض درجات الحرارة    البابا تواضروس: بعض الأقباط طلبوا الهجرة خارج البلاد أيام حكم مرسي    البابا تواضروس يروي كواليس زيارته للفاتيكان في عهد الإخوان    سم ليس له ترياق.. "الصحة": هذه السمكة تسبب الوفاة في 6 ساعات    محافظ المنوفية: تفعيل خدمة المنظومة الإلكترونية للتصالح بشما وسنتريس    دونجا: جمهور الزمالك بيفهم كورة.. ودا سبب عدم انضمامي لمنتخب مصر    أفريكسيم بنك يدعو مصر للمساهمة في بنك الطاقة الأفريقي لتمويل النفط والغاز    البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    البابا تواضروس يكشف كواليس لقائه الأول مع الرئيس السيسي    عيار 21 الآن بالمصنعية بعد الانخفاض.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء 5 يونيو 2024 بالصاغة    علماء الأزهر: صكوك الأضاحي لها قيمة كبيرة في تعظيم ثوابها والحفاظ على البيئة    متى تنتهي الموجة الحارة ؟ الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأربعاء 5 يونيو 2024    الأهلي يوقع اتفاق «مشروع القرن»    متى تنتهي خطة تخفيف الأحمال؟ الحكومة تحسم الجدل    البابا تواضروس: التجليس له طقس كبير ومرسي أرسل رئيس وزراءه ذرًا للرماد    حظك اليوم برج الجدي الأربعاء 5-6-2024 مهنيا وعاطفيا    حمو بيكا يهدي زوجته سيارة بورش احتفالا بعيد ميلادها (فيديو)    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج الثور    حظك اليوم| الاربعاء 5 يونيو لمواليد برج الميزان    إعدام 3 طن سكر مخلوط بملح الطعام فى سوهاج    عقار ميت غمر المنهار.. ارتفاع أعداد الضحايا إلى 5 حالات وفاة وإصابة 4 آخرين    "تحريض على الفجور وتعاطي مخدرات".. القصة الكاملة لسقوط الراقصة "دوسه" بالجيزة    إمام مسجد الحصري: لا تطرد سائلا ينتظر الأضحية عند بابك؟    «التموين» تكشف احتياطي مصر من الذهب: هناك أكثر من 100 موقع مثل منجم السكري (فيديو)    وزارة الصحة: نصائح هامة يجب اتباعها أثناء أداء مناسك الحج    مع اقتراب عيد الأضحى.. 3 طرق فعالة لإزالة بقع الدم من الملابس    عيد الأضحى 2024 : 3 نصائح لتنظيف المنزل بسهولة    مؤسسة حياة كريمة توقع اتفاقية تعاون مع شركة «استرازينيكا»    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحروسة القصر العائم

فى صمت ظل يخت «المحروسة» العائم يتهادى، على ضفاف الإسكندرية الساحلية، منتظراً دون يأس، المشاركة فى نحت إنجاز جديد فى تاريخ مصر، يحمل بين جوانحه، ذكريات كان شاهداً عليها، وأسرار قادة مصر والعالم، الذين قضوا الأيام والليالى فى رحلات عالمية وتاريخية بين أروقته، قبل أن ينتقل إلى الإسماعيلية، فى انتظار المشاركة فى الاحتفال بالإنجاز التاريخى اليوم.
شاهداً على لحظات الفخر والعزة والانتصار فهو اليخت الملكى الذى استقله الخديو إسماعيل 17 نوفمبر 1869، بصحبة ملوك ورؤساء أكبر دول العالم، ليشق قناة السويس، معلناً افتتاحها الأول فى حفل أسطورى، فيما استقله الرئيس محمد أنورالسادات، معلناً إعادة استقبال القناة للملاحة الدولية، 1975 بعد تطهيرها من آثار حرب تحرير سيناء، ودحر الاحتلال الإسرائيلي، واليوم يستقله الرئيس عبدالفتاح السيسى، بصحبة ضيوف مصر من ملوك ورؤساء العالم، معلناً الافتتاح الرسمى، للمجرى الملاحى الجديد للقناة.
وفى لحظات من تاريخ مصر، كان «محروسة» وهو اسمه الحقيقى، فيما يعرفه العامة ب«المحروسة» نسبة إلى اسم مصر المحروسة، شاهداً على امتزاج لحظات الانتصار الوطنى، بلحظات انكسار شخصى لبعض القادة التاريخيين لمصر فى عهدها الملكى، فاليخت الملكى الذى أصدر الخديو إسماعيل الأمر ببنائه، ليستقله فى رحلته الأولى، إلى أوربا لدعوة ملوكها وقادتها، لحضور حفل افتتاح قناة السويس، ومن ثم استقلاله وضيوف مصر ليكون أول عائمة تعبر القناة العالمية، هو ذاته اليخت الذى حمل الخديو إسماعيل إلى منفاه فى نابلى بإيطاليا ومنها لمنفاه الأخير بالاستانة، بعد عزله بفرمان أصدره السلطان العثمانى تحت ضغوط من إنجلترا وفرنسا القوتين الاستعماريتين فى ذلك الوقت، اللتان أثار مخاوفهما، مساعى إسماعيل لاستقلال مصر وإعادة نفوذها لما كانت عليه فى عهد جده محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة.
وعام 1914 أبحر اليخت مقلا الخديو عباس حلمى الثانى إلى منفاه بالآستانة بتركيا.
مشهد آخر للانكسار الشخصى للملك فاروق آخر ملوك أسرة محمد على باشا الكبير، كان يخت «محروسة» شاهداً عليه، حيث امتزج فى الوقت ذاته بلحظات انتصار وطني، ففى الخامسة والنصف مساء 26 يوليو من العام 1952، وقف فاروق وعدد من أبناء أسرته، وسط حاشيته، وبحضور قيادات ثورة 23 يوليو أو حركة الجيش، كما كانت تسمى فى ذلك الوقت، وقف على الشاطئ ينظر فى ساعته، حتى دقت السادسة، فانطلقت فرقة الموسيقى تعزف السلام الملكى والمدفعية تطلق 21 طلقة، والملك يصافح مودعية، ليتم إنزال آخر علم ملكي، خدم القصر يجهشون بالبكاء، بينما يلف أحد الحراس العلم الملكى ويسلمه لعلى ماهر رئيس الوزراء الأسبق الذى كان فى وداعه، حيث سلمه بدوره للملك، الذى واصل خطواته نحو المحروسة ليشق اليخت البحر، متجها بفاروق إلى منفاه الأخير فى ميناء نابولى بإيطاليا حيث تلقى قائد «محروسة» أوامر بايصال الملك الذى أجبرته الثورة على التنازل عن العرش لنجله، قبل أن يتم عزله وإعلان الجمهورية بعد ذلك بأيام، ففى الرحلة الأخيرة للملك على المحروسة تجسدت مشاعر انكساره الشخصى، بينما كانت انتصارا وطنيا لثورة وإرادة شعب، وكان السادات بين مودعيه فى ذلك اليوم.
وعقب ثورة يوليو 1952، غير الرئيس جمال عبدالناصر اسم اليخت الملكى من محروسة، إلى «الحرية» فى دلالة سياسية، بتحرر الشعب الذى واصل مساعيه نحو الحرية حتى أجبر الاحتلال الإنجليزى على الجلاء عن أرض مصر، إلى أن أعاد الرئيس مبارك له اسمه التاريخى «محروسة»، فى عام 2000.
مليون و200 ألف ميل شق فيها المحروسة أعالى البحار حول العالم حاملاً ملوك ورؤساء مصر والعالم، على مدار تاريخه، الرئيس جمال عبدالناصر استقله فى رحلات مهمة، منها رحلته للمشاركة فى مؤتمر دول عدم الانحياز، ومؤتمر الدار البيضاء، ومؤتمر الرباط، إلى جانب رحلته إلى أمريكا، بعد أن غير اسمه إلى «الحرية».
اليخت الذى تم بناؤه فى عام 1865 بواسطة ترسانة سامودا بورس بإيطاليا وفقا لتصميم السير أوليفر لانج، يبلغ طوله الآن، 145.72 مترا وتم بناؤه بناء على طلب من الخديوى إسماعيل باشا، بعد أن أهدى يخت كان يملكه للاستانة، وكان هذا اليخت وما زال ضمن أسطول البحرية المصرية.
محروسة يحوى كنوزا أثرية، بينها بيانو نادر صنع خصيصاً ل أوجينى إمبراطورة فرنسا، زوجة نابليون الثانى، فى ألمانيا، وعندما حضرت على متن المحروسة للمشاركة فى الحفل الأسطورى للافتتاح الأول لقناة السويس عام 1886، أهدت البيانو الذى عزفت عليه فى حضور ملوك العالم، للملك فاروق، وهذا البيانو التاريخى قطعة فنية تاريخية ما زال فى مكانه على اليخت وبحالة جيدة، إلى جانب احتواء اليخت الذى يضم 5 طوابق على تحف فنية، تجسد على جدران قاعاته، تاريخ مصر الفرعونى وعصوره المختلفة رسمها أشهر الفنانين العالميين.
فى عام 1868 أبحر به الخديو إسماعيل لحضور المعارض المقامة بباريس، فالتقى بالمهندس المعمارى اوسمنت، مصمم العاصمة الفرنسية الحديثة، التى عشقها إسماعيل خاصة أنه تلقى جزءا من تعليمه بها، فجاء بالمهندس الفرنسى على ظهر هذا اليخت لتصميم القاهرة الخديوية على ذات الطراز الفرنسى، وهو ما قد كان، والتى لا تزال حتى الآن فى المثلث الذى يضم ميدان التحرير وشارع قصر العينى وحتى رمسيس ومنطقة عابدين، المحيطة بالقصر الملكى.. وفى عام 1899 أبحر اليخت من الإسكندرية إلى بور سعيد للاحتفال بإزاحة الستار عن تمثال ديليسبس عند مدخل قناة السويس الشمالي، عام 1926 أبحر به الملك فؤاد الأول فى 21 ديسمبر من السويس إلى بورسعيد لافتتاح مدينة بورفؤاد.
فى العهد الجمهورى شهد اليخت الملكى، حوادث تاريخية، فقد أدت حرب تحرير سيناء، وتدمير خط بارليف، إلى وجود مخلفات حرب، وحطام آليات، وانهيارات لخط بارليف الذى تهاوى أمام ضربات الجيش المصرى الباسل، مما أعاق الملاحة بالقناة، وهو ما تطلب عامين لتطهيرها وإعادة افتتاحها، وكعادته كان «محروسة» فى الانتظار على أهبة الاستعداد، وقد جدد شبابه، ليشق القناة المحررة للمرة الثانية فى لحظة تاريخية، حاملاً على متنه، الزعيم الراحل بطل الحرب والسلام محمد أنور السادات، معلناً فى 5 يونيو 1975، وقبل ذكرى نكسة 7 يونيو بيومين، عودة القناة المحررة للملاحة الدولية، معلناً انتصار الإرادة المصرية، وقد استقله السادات فى رحلة تالية فى زيارته إلى حيفا.
ويتكون بناء «محروسة» من خمسة طوابق: السفلى يضم الماكينات والغلايات وخزانات الوقود.. الطابق الرئيسى غرف الجلوس، المطابخ، المخازن، الجناح الشتوى، والقاعة الفرعونية إضافة إلى جناح الأمراء والأميرات.
الطابق العلوى الأول يضم مقدمة اليخت، المخطاف، الأوناش، صالة الطعام، وهى صالة كبيرة متسعة مرتفعة، تحوى طاولة طعام تصل 14 مترا من قطعة واحدة، مثبتة فى جسم اليخت، يحيط بها مقاعد، أكبرهما حجما متقابلين فى الوسط، للملك والملكة، وأقل منهم درجة فى الحجم على يمين ويسار الملك والملكة لكبار رجال الدولة.
الطابق العلوى الثانى سطح المدفعية، الحديقة الشتوية والصيفية، الجناح الصيفى والصالة الزرقاء، وهى صالة سقفها مرتفع لدورين، دوبليكس، بديعة الجمال، السلام الموصلة للمستوى الثانى منها دائرية، مطعمة بالذهب والفضة الخالصة، وتحوى «ألبوم صور سحرى» على شكل كتاب مثبت فى جدار، كل صفحة خشبية منه تحمل صورة من الصور التى سجلت، حفل الافتتاح الأسطورى للقناة.
الطابق العلوى الثالث الممشى والعائمات واحتوى اليخت على أربعة مصاعد منها المصعد الخاص بالجناح الخصوصي. وجراج خاص بسيارة جلالة الملك ذات اللون الأحمر الملكى، التى كان يحملها معه على اليخت لاستخدامها فى البلدان الأوروبية التى يزورها.
وبعد 150 عاماً، يضع الرئيس عبدالفتاح السيسي، بصمته التاريخية، على «محروسة» التى تواصل شهادتها على حلقة جديدة من التاريخ المصري، مستقبلة بين جوانحها، المزيد من ملوك ورؤساء العرب والغرب، المنتظر مشاركتهم، فى حفل الافتتاح الثالث للقناة، بافتتاح فرعها الجديد، ليشهد قادة العالم إنجازاً مصرياً جديدا، بينما سفينة فى كل ميناء على وجه الكرة الأرضية ستطلق صافرتها بالتزامن مع مرور «محرسة» بالقناة تحية لشريان الحياة العالمى المتدفق على أرض مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.