دعوة للحب والتسامح، والإيمان بنعمة الله التى يخص بها قلوب بعض عباده المحظوظين دون اختيار منهم، فى «الألفة والإلاف» حدثنا ابن حزم الأندلسى بقصر الأمير طاز «عن العشاق» وهى سهرة مسرحية قصيرة للمخرج هانى عفيفى.. لم يحتو العرض على عناصر المسرح التقليدية، حيث استغنى المخرج عن خشبة المسرح، وأصر على عرضه بمكان أثرى تاريخى «قصر الأمير طاز»، مستغلا «سينوغرافيا»، المكان البديعة، فى وصف حال العشاق على لسان ابن حزم، وبالرغم من أن الرحلة إلى قصر الأمير طاز بشارع الخليفة تتطلب معاناة فى الوصول إلى المكان إلا أن الجمهور لم يتردد فى الزحام حول هذا المكان الأثرى الخلاب، الذى يرجع تاريخ إنشائه إلى الأمير سيف الدين طاز الناصرى، أحد الأمراء البارزين فى عصر المماليك، وتم إنشاء القصر عام 1352، وهو عبارة عن فناء كبير فى الوسط، خصص كحديقة تتوزع حولها من الجهات الأربع مبانى القصر الرئيسية والفرعية، أما الآن فلم يتبق من هذه المبانى سوى الواجهتين الرئيسية المطلة على شارع السيوفية والخلفية المطلة على حارة الشيخ خليل، وبالتالى كان اختيار المخرج لهذا المكان هو الأنسب لوضع الجمهور فى حالة رومانسية، وكأنهم يجلسون بين يدى الإمام الأندلسى لسماع نصائحه وحكاياته عن الحب، فالعرض جمع بين فن الرواية «الحكى» والتمثيل، ولمدة ساعة ونصف يروي خلالها الراوى حكايات عن حال العشاق من هجر وغدر وفراق ووصل وكراهية وسلو وذكرى، ويجسد أبطال العمل معه هذه الحكايات فى اسكتشات سريعة خاطفة، لكن لم يهتم العرض بإبراز إمكانيات ممثليه بقدر ما اهتم بالحكى على لسان الراوى «ابن حزم» وإن كان هذا قد شكل عيبا فى العرض المسرحى لأن الممثلين كانوا يعملون على توصيف أحوال الأحبة ورواياتهم التى تناولها ابن حزم فى كتابه «طوق الحمامة» دون الانشغال بتقديمها بمهارات تمثيلية عالية، باستثناء بطل العرض فقد كان أكثرهم اهتماما بالجمع بين الحكى والتمثيل معا بنفس درجة الكفاءة.. وبعيدا عن ضعف التمثيل فى بعض الأحيان إلا أن العرض تضمن أيضًا عزفًا موسيقيًا على العود والقانون إلى جانب مقاطع غناء لأم كلثوم حيث كانت أم كلثوم هى دليل ابن حزم فى العرض للتعبير عن تفسير معانى الحب لديه ففى كل حال يوصفه تختتمه المطربة بإحدى أغانى كوكب الشرق على سبيل المثال فى وصفه للحب، «الحب داء عياء وفيه الدواء.. مرض مستلذ وعلة مشتهاة لا يود سقيمها البرء ولا يتمنى عليلها الشفاء» تختتم المطربة هذا القول بمقطع و «عمرى ما اشكى من حبك مهما غرامك لوعنى»، وفى وصفه للهجر والوصل كان مقطع «اهو منه ده وايه ده الحب كده»، وهكذا استخدمت أغانى أم كلثوم «فات المعياد» و«حب إيه»، و«عودت عينى» وغيرها فى مقاطع متفرقة من العرض إلى جانب العزف الموسيقى الذى سبق وأشرنا إليه والاستعراضات التى صاحبت الموسيقى والغناء بالإضافة إلى الملابس التى طرأ عليها بعض التغيير الجيد هذا العام كل هذه العناصر امتزجت معا بحرفية شديدة صنعها المخرج وساهمت فى جعل «عن العشاق» سهرة مسرحية ساحرة تضع الجمهور لمدة ساعة ونصف الساعة فى حالة من الصفاء الذهنى والروحى الخالص.
