جيل إخواني لا يقبل يد المرشد كتبت أمس عن التحديات التي تواجه جماعة الإخوان التي (لم تعد محظورة).. وقلت إنها لم تزل (غير قانونية).. وذكرت في صدارة التحديات التي تواجه التنظيم الديني الأعرق سياسيا في مصر ما يتعلق بالمعضلة التاريخية والمعضلة الفكرية. موجز الأولي أنه كلما صعد الإخوان إلي الذروة فإنهم يهوون إلي السفح كما تثبت سبع وقائع تاريخية.. وموجز الثانية أن الأدبيات الأصلية والاساسية للجماعة تناقض تحولها إلي العمل العلني. اليوم أكمل في تشخيص هذه التحديات التي تعبر عن أزمة الكيان المثير للجدل: • ثالثا: تعدد التيارات الدينية التي تأخذ طريقها إلي العلن: في إطار الانفتاح المستجد سياسياً، أفرجت السلطات عن عدد كبير من قيادات تنظيمات مختلفة، شملت الإخوان أنفسهم والجهاد والجماعة الإسلامية، في ذات الوقت الذي وجدت فيه الجماعات السلفية وفصائل التبليغ والدعوة أن إلغاء جهاز أمن الدولة قد رفع عنها قيودا مهولة فانطلقت إلي الشارع تعلن عن نفسها. بُعيد لحظات من خروجه قال عبود الزمر إنه يدعو إلي تحالف بين الجهاد والجماعة الإسلامية والسلفيين في مواجهة الإخوان.. وليس هذا مناورة كما قد يعتقد البعض.. ولكنه تجسيد لخلاف فكري عميق بين هذه التيارات.. وقد نشب احتداد وصولا إلي صراع بين الإخوان وسلفيين في ثلاثة مواقع تقريبا: المنيا والمنوفية والدقهلية.. وفي خلفية هذه النزاعات تنافسات علي التأثير بين الناس، وتراث من الماضي في زمن السبعينيات والثمانينيات، خصوصاً أن الإخوان استقطبوا من الجماعات الإسلامية عدداً مهماً من الكوادر.. أصبحوا قيادات إخوانية.. عدد منهم هو الذي يطالب بإصلاح الجماعة الآن ويناقض قياداتها. لقد فزع الكثيرون من تصريحات إخوانية أعطت انطباعا مخيفا حول الصورة السياسية التي يريدها التنظيم للبلد، وأصابهم الهلع المتضاعف حين بدءوا في الاستماع إلي تصريحات وتلويحات من جماعات السلفية المتطرفة، وبما في ذلك ما يمثله عبود الزمر من سلفية جهادية.. ناهيك عن وقائع ملموسة. ويعتقد البعض أن هذا التطرف الأبعد إنما يصب في صالح جماعة الإخوان باعتبارها تريد أن تبدو أكثر اعتدالاً مقارنة بغيرها.. ولكن هذا الاستنتاج خاطئ.. أولاً - لأن الرأي العام ليست لديه هذه التفرقات الدقيقة ما بين أولئك وهؤلاء.. ومن ثم تعلق كل المساوئ في رقبة الجماعة الأشهر.. (علي عكس ما يجاهد الكاتب فهمي هويدي كي يمايز بين المتطرف والأكثر تطرفا).. وثانياً: لأن الخلافات الفكرية بين تلك التيارات تعكس إمكانيات صراع حقيقية.. سوف يكون لها تأثير بالغ علي المناخ السياسي المصري. حتي هذه اللحظة يمثل السلفيون -أكثر من غيرهم - تحديا سياسيا مريعا للإخوان أشمل وأصعب مما قد يعتقد أي حزب مدني. • رابعاً: انعكاس تأثيرات الفعل الثوري في 25 يناير علي الجماعة.. ولهذا وجهان.. الأول داخل الإخوان أنفسهم.. والثاني من حولهم.. فيما يخص داخل الجماعة فإن جيلا جديداً بدأ المناداة بالإصلاح الداخلي، ما يعرف باسم شباب الإخوان.. أولئك الذين عقدوا مؤتمرا يجسد وجودهم قبل أيام.. بعد أن فشلت الجماعة في استيعاب النداءات.. وتعالت عليها.. ورفضت بداية الحوار في ذات الوقت الذي كانت تعلن فيه عن توجه لحوار مع شباب الأقباط.. ثم حاولت قيادة الجماعة تكتيكيا أن تبدي قدرتها علي التفهم لمطالب أولئك الشباب الإخواني.. لكنه تفهم إعلامي وليس موضوعياً. لقد هبت عاصفة الفعل الثوري علي الجماعة بدورها.. وهذا في حد ذاته ليس حسبما ما يعتقد البعض أنه مناورة.. إذ إن له جذوراً واضحة خلال السنوات الخمس الماضية وبدأ بمدونات عربية وإنجليزية كتبها الشباب الإخواني.. وهو الآن يعكس أموراً مختلفة.. منها: صراعات جيلية علي المستوي المفاهيمي والتنظيمي، هذا كسر علني لقاعدة السمع والطاعة التي بني عليها التنظيم.. وهو في حد ذاته مؤثر جداً، ويؤكد أن المستجدات لا يمكن لها أن تعود إلي الخلف.. في نهاية الأمر بدأ المرشد الذي يقبِّل الكبار يده تبجيلا يستمع إلي انتقادات لم تكن معروفة أبداً.. علي الأقل علنا من قبل.. ويواجه جيلاً ليس مستعدا لأن ينحني لتقبيل اليد. علي الجانب الآخر فإن الفعل الثوري في 25 يناير أظهر خلافات عميقة بين الإخوان ومن شاركوهم في القيام بالأحداث التي أدت إلي تخلي الرئيس السابق عن منصبه.. لقد بدا الأمر علي أنه تنسيق وتحالف أو ركوب من الإخوان علي الموجة الثورية.. ثم تبين للمجموعات الليبرالية أن النهم الإخواني يريد أن يستأثر بكل شيء أثمر عنه الفعل الثوري خصوصا بعد الفرقة في المواقف التي تجلّت في استفتاء 19 مارس.. ومن المؤكد الآن أن التقارب بين الجماعة وغيرها من التيارات لم يعد موجوداً.. علي الأقل بالطريقة التي كان عليها من قبل.. كما أن التحالف مع محمد البرادعي قد تلاشي في لحظات. • خامسا: التحدي الدولي.. بخلاف إصرار عبدالله جول علي أن يلتقي مرشد الإخوان خلال زيارته لمصر، فإن عدداً كبيراً من الزائرين الأجانب للدولة لم يفعلوا ذلك.. علنا علي الأقل.. وربما كانت هناك قنوات سرية تتحسس الأمور.. ويعكس هذا الأمر الشكلاني تخوفا مريعا في الأوساط الدولية من الحالة التي سوف تكون عليها مصر توجها وسياسة إذا ما حصل الإخوان علي أغلبية برلمانية تسمح لهم بتشكيل حكومة أو السيطرة السياسية علي الساحة.. تخوفاً لم يسمح للأجانب بأن يمنحوا دعما مظهريا للإخوان. الغرب ينتظر من مصر كدولة محورية أن تكون عصرية ومدنية، ويستوعب جيدا التأثير الإلهامي للنموذج المصري الديمقراطي (طور البناء) علي المنطقة برمتها.. كما أن لدي عديد من الدول العربية تخوفات معقدة ربما منعتها من أن تقدم يد العون لمصر خشية أن يذهب هذا العون إلي جماعة الإخوان بطريقة أو أخري.. فيكون الدعم ضد هذه الدول بيدها.. هذه مسألة معقدة تتعلق بأمور كثيرة تحدد مستقبل التنظيم.. كما سوف تحدد تصرفات الدولة. وفي ذات الوقت فإن الجماعة لديها تحديات إقليمية فرعية، تضخم من حجم التحدي الدولي، تتعلق بموقف الفروع الإخوانية في دول عربية مختلفة، وما تعانيه كل منها من مواقف، علي سبيل المثال ما مصير الإخوان في حركة حماس كنموذج أذرته جماعة الإخوان في مصر.. وكيف ستكون الحال في الأردن؟! مجمل هذه التحديات إنما يمثل، مع غيره من ملابسات جانبية، مشكلة حقيقية تجسد أزمة الجماعة التي لا تبدو يسيرة كما قد يعتقد البعض وهو يقيم الموقف علي أن المسارات سوف تتجه إلي (قطاف سياسي مروع) للجماعة وهي تنتقل إلي مرحلة جديدة.. يكفي أن البرلمانيين السابقين يتجهزون الآن لانتخابات حامية الوطيس مع الإخوان وفي داخلهم إحساس كبير بأن التنظيم الذي كان محظورا هو سبب فقدانهم مواقعهم. إن أخطر ما تعانيه الجماعة الآن - وقد أشرت إليه أمس - هو أنها مضطرة - دون رغبة حقيقية - أن تكون علنية في حين أنها بنيويا قد قامت علي أساس أنها سرية.. وسوف تكون لهذا تكلفة تنظيمية وقيمية وفكرية وأسلوبية.. خصوصا إذا أصرت الجماعة علي أن تبقي كما هي قائمة بينما يكون لها جناح سياسي معلن باسم حزب.. ما يعني أنها سوف تتحرك علي ساقين: سرية وأخري علنية.. وهذا لا يستقيم عضويا.. حتي لو لم يكن له حساب قانوني إلي الآن.. لا أعتقد أن هذا يمكن أن يكون مقبولاً. [email protected] www.abkamal.net