المشاركة والإقبال الكبير من الشعب علي الاستفتاء حول تعديل الدستور، بالإضافة لما لها من طابع سياسي إيجابي، لها أبعاد أخري اجتماعية وثقافية، من حيث اختلاف دوافع المشاركة، مما يعني احتياج المجتمع لتوعية سياسية في هذه المرحلة الانتقالية تحقيقا للديمقراطية، التي كانت الهدف الرئيسي لثورة "25 يناير"، حول فكرة المشاركة من منظور اجتماعي، وكيفية تنميتها والتوعية للفئات التي تشارك للمرة الأولي في الحياة الديمقراطية كان لنا هذا التحقيق، الذي يلفت إلي نقاط مهمة في هذه المرحلة الحساسة التي تسبق أول انتخابات برلمانية ورئاسية بعد الثورة. للكاتب الصحفي صلاح عيسي توضيح لمفهوم الممارسة السياسية في المجتمع، يقول: "الممارسة السياسية هي ممارسة تحتاج لمهتم بالسياسة في المقام الأول، والتي لابد أن يتم إثارتها منذ مرحلة التعليم الأساسي للأطفال بتدريس كل ما له علاقة بمفهوم الانتخاب وتعريف الدستور والتعريف بالمحليات والمجالس التشريعية، فلا بد من وجود مادة التربية السياسية والتربية الوطنية منذ التعليم الأساسي وحتي نهاية التعليم العام علي الأقل. كما يجب أن تكون هناك أشكال عملية لتنفيذ هذه الممارسة بالمدارس واتحادات الطلاب والجماعات المدرسية، مثل نموذج جامعة الدول العربية الذي يقام بالجامعات الخاصة في مصر، فيتدرب الطفل علي متابعة الحالة العامة للمجتمع، فهي تدريب وتعليم يترسخ من البداية، إضافة للثقافة العامة للمجتمع". وعما يخص التهيئة الحالية للمجتمع استعدادا للانتخابات البرلمانية والرئاسية المنتظرة، بعد الاستفتاء حول التعديلات الدستورية، قال عيسي: الاستفتاء كان للموافقة أو الرفض للتعديلات الدستورية، بينما تعامل المواطنون معه بمنطق ديني "المسيحيون والمسلمون"، فهذا الاستفتاء عكس نموذجا لحالة التشوه المصري، وأثبت أن المجتمع غير مؤهل لانتخابات قريبة. واستطرد: علي أي الأحوال لم نحقق كل أهدافنا في وقت سريع فهدم الاستبداد أسهل من بناء الديمقراطية الذي ينطوي علي مخاطر لا مفر منها. علي صعيد غرس الوعي السياسي في الأطفال، يقول أستاذ التربية كمال مغيث الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية: "كان لدينا نمط ونسق تعليمي يرسخ فكر الدولة السلطوية المستبدة في مواجهة المواطن الخانع المطيع، لأن نسق التعليم كان يعتمد مجموعة من المفردات منها "احفظ"، "تذكر"، "سمّع"، "اكتب ما يملي عليك"، "الإجابة النموذجية"، "الكتاب سلطة"، "المعلم سلطة"، "الاتجاه الوحيد للتقدم"، "الثواب والعقاب" و"رفض المغايرة والاختلاف والإبداع والتفرد". كانت هذه هي قيم التعليم في مجتمع سلطوي، ولكن سوف نلاحظ أن الذين قادوا هذه الثورة المجيدة، ممن تعرضوا لمؤثرات تربوية تختلف عن هذا النسق المصري التقليدي، نسق يؤمن بالحق في الحرية والحق في التفكير والحق في التغيير والحق في التعبير، عبر اتصالهم بالفيس بوك وبقنوات معرفية تختلف جذريا مع التعليم المصري. ومن هنا فأنا أظن أنه إذا أردنا أن نتسق مع ثورة «25يناير»، فإن علينا أن نغير هذا النسق التقليدي البالي، وأن يصبح نسق التعليم يعتمد علي قيم ومفردات "اسأل"، "فكر" و"عبر بطريقتك"، وأن المعرفة أمر نسبي كما أن الحقيقة متعددة الوجوه، وأن الاختيار حق إنساني أصيل، هكذا نؤسس لتعليم يتسق مع الديمقراطية ومجتمع التعددية السياسية". عن رؤية الباحث نبيل عبد الفتاح مدير مركز تاريخ الأهرام للتهيئة السياسية للمجتمع المصري، يقول: "أولا أن موضوع القانون الخاص بالأحزاب السياسية المزمع صدور قرار بقانون من المجلس الأعلي وليس "مرسوم" كاللغة السائدة بالعصر الملكي، بالتالي يحظر إقامة أحزاب علي أساس الدين أو العرق أو النوع الاجتماعي أو المنطقة أو علي اي اساس "تمييزي" أيا كان معيار التمييز بين المواطنين. النقطة الثانية أن تتم إدارة ديمقراطية للأجهزة الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، تدور حول قضايا مرحلة الانتقال والإدارة السياسية والقانونية للمرحلة الانتقالية لمصر وذلك في ضوء قيم الدولة الحديثة والثقافة السياسية المدنية. النقطة الثالثة إصدار لقانون يجرم ويحظر استخدام أماكن العبادة الرسمية والأهلية في إطلاق الدعاوي السياسية، لصالح اتجاه دون الآخر، وكذلك تغليظ العقاب علي جميع أشكال التحريض علي الكراهية الدينية والمذهبية والحض علي الفتنة الطائفية أو الاعتداء علي دور العبادة أو إشاعة الازدراء الديني. أيضا رفع العقوبة إلي الحد الذي تشكل رادعا عاما ضد جميع أشكال التحريض علي الفتنة الطائفية أو الاعتداء علي دور العبادة أيا كانت. كذلك لا بد من إحداث تغييرات عقلانية في الأشخاص الذين يديرون الأجهزة الإعلامية القومية بحيث يكونون أكثر عقلانية وديمقراطية والأهم أن تتوافر لديهم الخبرات المهنية وحسن السمعة والسيرة والسلوك وذلك حتي يستطيعوا أن يديروا الحوار العام في المجتمع بكفاءة وموضوعية وتبصر سياسي. وحول ما إذا كان التوجه الإعلامي سواء بالقنوات الخاصة وبالتليفزيون المصري السابق ليوم الاستفتاء علي التعديلات الدستورية كان موفقا أم لا في إدارة الحوار وعرض وجهات النظر للمواطن العادي قال عبد الفتاح: "كلها كانت تدار بشكل لا مهني وكانت تحض الناس علي التصويت ب"نعم" من خلال إشاعة الخوف والقلق من عدم الاستقرار في حالة التصويت ب"لا" وهو أمر لا توجد أي مؤشرات جادة عليه، في نفس الوقت لم يكن هناك ممثلون جادون للتعبير عن وجهات النظر المختلفة يعرضون أطروحاتهم بدون مبالغة أو تعميمات لا سند لها". وعن آلية تطوير دور الإعلام في التهيئة السياسية للمجتمع توضح الخبيرة الإعلامية مني الحديدي رؤيتها كخطوط عريضة أو أساسية، قائلة: "في رأيي لا أستطيع وضع كل وسائل الإعلام ببوتقة واحدة، لكن كل وسيلة تراعي نوعية من تخاطبه، فلو بدأنا بالوسائل العصرية كالإنترنت والصحافة الإلكترونية، نري أنها تخاطب شريحة علي قدر من الانفتاح الفكري والمعرفي، وهم لا يمثلون الأغلبية، لذا فهو غير كاف لتكوين عقلية سياسية واعية. أما بالنسبة للصحافة، فتتعامل مع قطاع المتعلمين وقراء الصحف فقط، بالإضافة إلي أن من بين هؤلاء أيضا من لا يهتم بقراءة المقالات الجادة والتحليلات السياسية، إذن فالصحافة أيضا تتوجه لجزء من المجتمع وليس كله. أما وسائل الإعلام "الراديو والتليفزيون" سواء الرسمي أو الخاص، فعليها الدور الأكبر لتوجيه أطياف المجتمع، من خلال تقديم قدر من المعلومات التوعية السياسية أولا لترتفع نسبة المشاركة من 70% إلي أن تصبح 100% وثانيا حتي لا يتكرر ما حدث في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، التي ذهب الكثير من الناس لتختار ما بين "نعم" و"لا" دون فهم واضح أو رؤية لسبب اختيارهم لهذا أو ذاك. لذا علي وسائل الإعلام في الفترة القادمة أن تكون علي حجم المسئولية، وتعيد النظر في خرائط برامجها، لتكون علي قدر المسئولية المنوطة بها، مع الانتباه للاختلاف بين مخاطبة المجتمع المصري بالداخل، ومخاطبة الخارج. في توجه مختلف لآلية تفعيل الممارسة والمفاهيم السياسية للمواطن المصري، يقول الدكتور أنور مغيث أستاذ الفلسفة بآداب حلوان: يجب أن تقوم منظمات المجتمع المدني بدورها في مواجهة محاولات الالتفاف علي الثورة، وتوعية المجتمع من سيطرة "الإسلام السياسي". ونفي مغيث أن يكون هناك إخفاق من المثقف بشكل أو بآخر في تعميق دوره تجاه المجتمع في الفترة السابقة علي الاستفتاء، من حيث توعية المجتمع بالتعديلات الدستورية ومدلولاتها؟ ويرجع المسئولية إلي أن المفوم السياسي للناس ضحل، ويجب أن يبذل المثقف دورا أكبر في توعية البسطاء. وبدوره يحذر بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، من إجراء انتخابات قريبا، قائلا: يجب أن نتعلم مما حدث بالاستفتاء، الذي تم بشكل سريع وغير مدروس، بالتالي لم تكن هناك فرصة كافية لفهم التعديلات والمناقشة فيها، وإذا استمر الجدول الزمني علي نفس المنوال، لن يكون هناك فرصة حقيقية لتوعية سياسية حقيقية علي كافة المستويات، ومن ثم سيكون هناك طغيان التعبئة السياسية والدينية، فمع قصور الجانب السياسي سيكون هناك غرابة التقليدية والعشائرية والتعبئة الطائفية.