تستقر أمام الباب، تراقب المارة من وراء نقابها، حاملة معها عصا خشبية طويلة تتكئ عليها حينًا، وأخرى تضرب بها من تسول له نفسه ليضايق إحدى الفتيات، التى وكلت نفسها حارسا عليهن.. نبيلة أو «أم هبة» كما يناديها البعض بين محيىً ومستغيثَ.. أصوات عالية وصياح وتراشق بألفاظ نابية والضحية فتاة فى زيها المدرسى تحمل حقيبتها فى طريقها إلى مدرستها تداعب نسمات الصباح، وتفترشها بساطًا لأحلامها، قبل أن تقع فريسة لعدد من الصبية ويتحرشون بها، فتتدخل نبيلة مسرعة تحاول أن تنقذ تلك الفتاة من بين أيديهم:ده كان أول عهد ليا بمجمع المدارس فى أول يوم دراسى من سنة ونص، هكذا أوضحت نبيلة أن هذا المنظر لم يفارق خيالها طوال ليلتين منعت ابنتها فيهم من الذهاب إلى المدرسة خوفًا عليها. فى اليوم التالى ذهبت إلى عملها، حيث تعمل موظفة بمحافظة الجيزة، وطلبت أجازة بدون مرتب، وعقدت العزم على أن تحمى بنات المدرسة التجارية التى تقع وسط مدرسة الحرية الإعدادية للبنين، ومدرسة سميرة موسى الابتدائية للبنين ومدرسة الزراعة الثانوية المشتركة، «ده مجمع التحرش بشارع الهرم من 7 الصبح لقبل العصر». تقوم السيدة الأربعينية بوظائفها المنزلية، من إعداد الطعام وتنظيف المنزل، ومراجعة الدروس مع وليدها الصغير «عبد الرحمن»، ليلا، حتى تتمكن فى الصباح من الذهاب مع ابنتها إلى المدرسة، التى لم تتغيب عنها يوم واحد. وقبل أن يرن الجرس ليعلن عن بداية يوم دراسى جديد، تقف نبيلة تستقبل الفتيات، توجه لهم النصائح والدعابات، برفقة مديرة المدرسة والمدرسين الذين اعتادوا أن تصل قبلهم جميعًا. ومع بداية الحصة الأولى تغلق الباب تجلس على كريسها الخشبي، تمنع أولياء الأمور من الدخول إلى المدرسة وتنتظر واقعة تحرش جديدة، لتتصدى لها، فرغم وجود عدد من حراس للمدرسة لا يخل يوم واحد بدون واقعة تحرش بالفتيات، وتقول إن عدد من الصبية يقف أمام باب المدرسة يتلصصون على الفتيات ويعبثون بأجسادهن، وأسبوع بدون تحرش.. ذات يوم ضربت «أم هبه» أحد المتحرشين حتى سالت دمائه، واتصلت بالشرطة وسلمته لهم ليكون رادع لكل من تسول له نفسه أن يفعل ذلك، فانتشرت تلك القصة على المسامع، وذاع صيت «أم هبة» وهابها الأولاد وعاشت فتيات المدرسة أسبوع بدون تحرش، فى حماية عربة الشرطة التى لم ترابط أمام المدرسة سوى أسبوع واحد إلى أن يتناسوا ما حدث وعاد الوضع كما هو عليه. طوال ساعات النهار فى حراك دائم مع الصبية، ليأتى موعد الانصراف لتحد وتيرة المضايقات، ففى تمام الثانية عشر ونصف موعد خروج المجمع بأكمله، تطلب من ابنتها أن تمكث داخل المدرسة حتى تقوم بمهامها، فتعبر الطريق مع إحدى الفتيات، وتقوم بتوصيل أخرى لأقرب وسيلة مواصلات، وتعود إلى المدرسة لتأخذ دفعة أخرى من الفتيات اللائى ستنجدن بها وتلف عصاها حولهن وتوصلهن إلى شارع «الطالبية» الذى يبعد خطوات من المدرسة، ليكن فى مأمن بعيدًا عن تلك بقعة التحرش.