عودة الشباب إلي ميدان التحرير احتجاجا علي نتيجة الاستفتاء ضد الثورة. الشعب الذي قام بالثورة هو الذي وافقت أغلبيته علي التعديلات. والثورة قامت من أجل المصريين، ولم تكن فقط ثورة مجموعة من الشباب في ميدان عام. كما نادي المصريون في 25 يناير بمكافحة الفساد، والعدالة الاجتماعية، فقد طالبوا بحكم الأغلبية أيضًا. الذين وافقوا علي التعديلات كانوا أغلبية. بينما الذين رفضوا، رغم وجاهة آرائهم لم يكونوا كذلك. والعودة للتحرير احتجاجا علي أصوات معظم المصريين رغبة مقنعة في فرض رأي واحد علي الجميع.. وهي معضلة لا يمكن الاستهانة بها أو تجاهلها. رفض الرأي الغالب ليس من الثورة، بالعكس.. هو ضد الثورة. وهناك فرق بين الذين خرجوا للتغيير من التحرير، وبين الذين لديهم استعداد دائم للاعتصام هناك انتصار لمطالبهم.. وإن كانت ضد الشعب.. أو خلافا لآرائه. الاعتصامات احتجاج، والاحتجاج في النظم الديمقراطية لا يصح في مواجهة الرأي الآخر. الاحتجاجات شرعية في مواجهة الفساد، والثورات الشعبية ضد تعنت الإدارة وعنفوانها مشروعة هي الأخري.. فالله لا يحب الجهر بالسوء إلا لمن ظلم ، بينما الفصل في تغليب الآراء علي أخري بين متحاورين بالنوم في الشوارع ليس من الحريات. لا معني للاستفتاء إذا لو كانت النتائج المخالفة لأهواء بعض أهل العزم تعود بنا لمربعات متأخرة. ولو كان، فلا معني للاقتراع، ولا شأن يذكر لصناديق الانتخابات.. والمعني أيضا أن الأصل في الديمقراطية لدي البعض هو أن يطلب البعض، ليطاع البعض، فتقتصر المطالب باسم الشعب علي فئة وحيدة، وتحصًّل المكتسبات فئة وحيدة أيضاً باسم الشعب، بينما الشعب صامت خوفا من الاعتصامات! في الديمقراطيات أيضًا لا معني للطعن في الآراء المخالفة دفعا بتعرض بعضها لعدة تأثيرات. فالدعاية والدعاية المضادة جزء من العملية الديمقراطية. صحيح استخدام الدين، واللعب علي وتر العقائد، والتحايل علي السياسة بقال الله وقال الرسول مرفوض، لكن الرد علي الحشود بالعودة للمبيت بالشوارع مرفوض هو الآخر. ثم إن القدرة علي الحشد هي إحدي أدوات اللعبة ، فالديمقراطية ليست ديمقراطية يحيي الجمل أو عمرو حمزاوي أو البرادعي وحدهم.. الديمقراطية للجميع، يدخل فيها عصام البلتاجي وعبد المنعم أبو الفتوح وعبود الزمر أيضا. حتي إذا خرج من السجن أحد القتلة، فاستقبله الناس استقبال المسيح علي باب أور شليم ! الممارسات السياسية الحقيقية وعي، ورؤية وقدرة علي التوجيه والجمع. وهي بعيدة عن الإقصاء والتعلل بقوة الآخرين في مواجه ضعف البعض. لايمكن اعتبار الذين أيدوا التعديلات الدستورية ضمن "فلول النظام السابق" أو "بقايا أعضاء الحزب الوطني"، ولا يصح اتهامهم بالجهل والعمل وفق أجندات خاصة كما قال البرادعي . لأن أجندات الأغلبية عامة، بينما أجندات الأفراد هي التي تتصف بالخصوصية. ليس صحيحا أيضا أن المؤيدين للتعديلات "ثورة مضادة"، فببساطة لا يعقل أن يشكل 77% من المقترعين ثورة ضد الثورة ، وإلا لما كانت الثورة قد قامت من الأساس. الذين عادوا للتحرير احتجاجا علي إقرار التعديلات هم الأقرب للثورة المضادة.. لو كانت هناك ثورة مضادة.