لا بد من الاعتراف بأن تفاعلات المجتمع أصبحت أسبق من توقعاتنا وقياساتنا. في منتصف الأسبوع الماضي كتبت مقالا في الصفحة الأولي تحت عنوان: (التعديلات الدستورية.. من يدافع عنها؟).. وطرحت تساؤلات حول كونها بلا أب.. وأنها تفتقد زخم الاهتمام.. ثم في خلال ليلة واحدة.. وخلال الأيام الأربعة الماضية أصاب الاهتمام الشعبي لهاث الانشغال الكامل بالملف.. وأصبح موضوع التعديلات الدستورية علي كل لسان. معدلات التصويت بدت مرتفعة للناظرين في القاهرة يوم أمس.. طوابير حقيقية أمام اللجان.. منظمو التصويت سارعوا بإرسال أوراق تصويت إضافية إلي اللجان في ضوء الإقبال الشديد.. ما يعني أنهم بدورهم لم يتوقعوا هذا الإقبال. هناك رغبة أصيلة في المشاركة.. ولا بد من الاعتراف بأن السبب الأول في هذا يعود إلي أن الجيش قرر أن يكون التصويت في أي لجنة بالرقم القومي.. هذا تسهيل تاريخي حقق ارتفاع نسبة التفاعل بين مختلف الفئات. المدارس أحيطت بصفوف متتالية.. واللجان تزاحم عليها الناخبون.. والكل كان حائرا ما بين (نعم) و(لا)، لكنه أراد أن يقول رأيه الذي ربما لم يحسم لدي الكثيرين إلا أمام صندوق الاقتراع. سمعت كلامًا علي المقاهي.. قرأت تعليقات علي الإنترنت.. شاهدت مداخلات لناس عاديين في التليفزيونات.. تلقيت مكالمات من أفراد كثيرين يسألون الرأي والمشورة.. وقرأت مقالات مختلفة في الصحف.. وانقسم الناس.. علي الأقل علنًا.. لكن المؤكد أن الاهتمام فاض بنفسه فجأة وبصورة لم يكن عليها الأمر قبل منتصف الأسبوع الماضي.. ما يعني أن علينا ألا نستسلم إلي مقاييس أحكامنا السابقة.. وأن نخضع التوقعات إلي معايير جديدة.. فالبلد يتغير حقا. لقد تابعت - كما تابع غيري - تعديلات دستورية سابقة في السنوات الماضية.. تعديل 2005 بخصوص المادة 76 وتعديل ال34 مادة في 2007. وكان هناك صخب إعلامي وسياسي.. لكن المؤكد أنه كان صخبا لا ظهير جماهيريا له.. والمشاركة كانت ضعيفة.. في هذه المرة لدي الناس إحساس بأن المسألة تعنيهم.. والأمر يخصهم.. وأن مصيرهم معلق بصوتهم.. وهذا يحسب إلي الفعل الثوري الذي بدأ في 25 يناير. حسنا.. الخلاف بين (نعم) و(لا). لم يكن موضوعيا إلي حد بعيد.. المناقشات لا تتعلق بمضامين المواد قيد التعديل والمقترحة من اللجنة التي كلفها المجلس العسكري الأعلي.. الحوار كانت له أبعاد سياسية.. وقد قلت أمس في مقالي بمجلة «روزاليوسف» إن هناك فريقًا سيقول (لا) لأنه لا يريد ان يعضد جماعة الإخوان التي تقول (نعم).. وأضيف اليوم أن فريقا قال (نعم) لأنه نسب (لا) إلي مجموعات تريد أن يستمر التظاهر في ميدان التحرير لفترات طويلة.. وظن بعض المصوتين ب(نعم) أنها تعني عودة الاستقرار والهدوء للشوارع.. هكذا فهم مقترعون الأمر. وقد لا يكون هذا المنهج في النقاش حول التعديلات، وبالتالي تقرير نوعية التصويت، سليمًا. وقد يعني أن موضوع التعديلات ونصوص موادها قد ظلمت.. فلا أحد ناقش مدة حكم الرئيس.. ولا أحد انتقد طريقة قبول ترشيح هذا أو ذاك.. ولكن اليقين هو أن تلك هي المرة الأولي ربما في تاريخ الدولة الحديثة التي ينشغل فيها الناس بحديث حول الدستور.. باستثناء اهتمام كانت له مبررات وظروف وملابسات مختلفة.. حين تعلق الأمر بدستور عام 1923 . وبغض النظر عن نتائج التصويت التي سوف تعلن اليوم، فإن هذا الاهتمام العام يؤشر إلي أمر مهم جدا.. وهو أن معدلات المشاركة في الانتخابات المقبلة.. أي انتخابات سوف تكون رهيبة.. وواضحة.. حتي لو قيد الأمر تنظيميا بجداول الناخبين في لجان محددة.. لأن التصويت في الانتخابات يختلف عن التصويت في الاستفتاء.. ومن الطبيعي - وفقا لهذا - أن تكون الانتخابات البرلمانية ساخنة.. وأن الانتخابات الرئاسية سوف تكون أقرب إلي (مطحنة) سياسية.. وإذا ما افترضنا جدلا زيادة عدد المرشحين في (الرئاسية) فإن هذا يعني أن تلك الانتخابات لن تحسم من المرة الأولي.. وأنه سيكون هناك تفتيت.. وإعادة. لننتظر ونر. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]