ذكرنا في حلقة سابقة أن الوفد التشيكي الذي زار القاهرة في 28 يونيو 1967، أي بعد أسابيع قليلة من حرب 1967 كان يضم شخصيات عسكرية عالية قامت بإجراء مباحثات مطولة ومفصلة مع القيادات العسكرية المصرية بناء علي طلب الرئيس عبدالناصر الذي كان يريد سرعة تزويد الجيش المصري بالمعدات التشيكية لتعويض خسائر القوات المسلحة المصرية في الحرب. قابل الجنرال التشيكي شمولداس الفريق محمد فوزي القائد العام الجديد للقوات المسلحة المصرية بحضور الفريق عبدالمنعم رياض الرئيس الجديد للأركان والملحق العسكري التشيكي بالقاهرة أبدي الفريق فوزي امتنان القوات المصرية بالمعدات العسكرية التشيكية التي قدمت كهبة، في اعتقادي أن القوات المصرية كان لها نوع من النوستالجيا بالنسبة للأسلحة التشيكية التي كانت أول أسلحة غير غربية تحصل عليها بعد أن كانت تعتمد اساسا علي بعض المعدات البريطانية القديمة وكذلك الفرنسية والإيطالية وساهمت هذه الأسلحة في حرب السويس عام 1956 وهذا قد يفسر ترحيب القيادات العسكرية المصرية بالوفد العسكري التشيكي الذي كان أول وفد من المعسكر الاشتراكي الشيوعي يصل إلي مصر بعد حرب 1967 التي خسرت فيها الكثير من المعدات. أبدي الفريق فوزي اهتماما بنوع المعدات التشيكية التي ستحصل عليها مصر والجدول الزمني لتوريدها وهو ما تم بحثه تفصيلا في مباحثات خاصة مع الفريق عبدالمنعم رياض وذكر الفريق فوزي أنه تم بالفعل تقديم قائمة إلي تشيكوسلوفاكيا بالأسلحة التي تريدها مصر والتي قدمت في نفس الوقت إلي كل دول المعسكر الاشتراكي، ولكن في قوائم مختلفة تتناسب مع إنتاج كل دولة عسكريا، وكان إعادة تسليح سلاح الطيران يحتل الأولوية وخاصة طائرات ميج 21 المقاتلة وطائرات 29 للتدريب وحاملات الجنود المدرعة والمدفعية المضادة للطائرات. أعاد الجنرال التشيكي التأكيد علي ما تم في مقابلة رئيس وفدهم مع الرئيس عبدالناصر مؤكدا أيضا أنه علي عكس الدول الاشتراكية الشيوعية الأخري لا توجد قوات سوفيتية في أراضيها ونتيجة لذلك فإن المسئولية العليا هي في أيدي القوات التشيكية التي يتوجب عليها أن تكون علي أعلي درجة من الجهوزية والاستعداد وأن تكون مجهزة بأحدث الأسلحة، وهذا الأمر يحد من قدرة بلاده علي تقديم هذه المعدات إلي مصر غير أن الحكومة التشيكية تعبر عن رغبتها في تزويد - أي بيع - القوات المصرية بالمعدات طبقا لقدراتها، ذكر الفريق فوزي أنه يتفهم الموقف التشيكي وانتقل بعد ذلك لبحث مطالب عسكرية مصرية محددة، وتم تقديم هذه المطالب مكتوبة في مباحثات بين أحد القيادات العسكرية التشيكية هو المهندس لانجر ووزير الإنتاج الحربي في مصر البشري، كرر الجنرال التشيكي عدة مرات أن هناك صعوبات تتعلق بمدي استيعاب الجيوش العربية للمعدات الجديدة ولذلك يجب أن ترافق هذه المعدات مدربين تشيك من أجل تدريب الوحدات العربية علي كيفية التعامل معها وزيادة الثقة في هذا الصدد وافق الفريق فوزي فورا علي هذا الاقتراح طلب الفريق فوزي بعد ذلك من الجنرال سليم أن يشرح للوفد التشيكي أسباب هزيمة حرب 1967، طبقا لما جاء في تقرير الوفد التشيكي. من ضمن الأسباب الرئيسية للهزيمة فقدان غالبية الطائرات الحربية في الساعات الأولي من الحرب حيث لم تكن لقيادات الطيران معلومات كافية عن بدء عملية الهجوم حيث تمكنت إسرائيل من إعطال نظام الرادار المصري بالكامل، كما أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في البداية نجحت في استفزاز الرادارات المصرية باستخدام تردداتها الرئيسة وهو ما كشف النظام بأكمله وكيف يعمل وعطله في هذه الفترة الحرجة، كل ذلك تم بالتعاون والمساعدة من جانب السفينة الحربية الأمريكية ليبيرتي التي قصفتها إسرائيل فيما بعد وقتلت العشرات من بحارتها - الأسلوب الآخر الذي استخدمته إسرائيل هو إلقاء أعداد كبيرة من أجزاء معدنية صغيرة من طائراتها الحربية عطلت شاشات الرادار المصرية وجعلت من المستحيل رؤية هذه الطائرات واعترف الجنرال سليم أن كل ذلك كان بالمقدور تلافيه والتغلب عليه لو كانت القوات التي تعمل علي الرادارات مدربة جيدا. أما بالنسبة للقوات البرية فإنها فشلت لعدم وجود غطاء جوي لها فضلا عن تعطيل وسائل الاتصالات العسكرية المصرية عن طريق الراديو بواسطة سفينة الاتصالات الأمريكية ليبيرتي، ولكن من الأسباب الرئيسية أن أطقم العاملين علي الرادارات المصرية لم يتحولوا إلي استخدام ترددات بديلة مما كان يمكنهم من تفادي أساليب العدو، يعلق التقرير التشيكي بالقول إنه طوال استعراض وحديث الفريق فوزي والجنرال سليم فإنهما لم يشيرا مطلقا إلي ما كان يفعله كبار القادة المصريين في هذه الفترة الحرجة وأين كانوا وطبقا لتقارير السفارة التشيكية فإن هؤلاء القادة لم يكونوا في أماكن عملهم ولم يكن سلاح الطيران معبا وجاهزا وألغيت حالة الإنذار وكان قائد الطيران مشغولا خلال الهجوم في إحدي الحفلات، كما أن الفريق مرتجي قائد القوات البرية ترك موقعه خلال الهجوم في سيناء واتجه إلي القاهرة كما أن القيادات الوسطي في سلاح الطيران والقوات البرية سمح لها حتي بعد يوم 17 مايو أي في عز تصاعد الموقف بمغادرة وحداتها وإعطاء القيادة لمن هم أقل منهم في الرتبة. كان التقرير التشيكي في جزئه العسكري لاذعا في انتقاد غياب التنسيق بين الوحدات المصرية وأن وزارة الحربية المصرية عقدت الموقف من جانبها، لم يذكر الجانب التشيكي ذلك للعسكريين المصريين ولكنهم ضمنوا ذلك في ملاحظاتهم التي رفعت إلي المسئولين في براج، أكد الفريق فوزي في النهاية أنهم بدأوا في إعادة بناء القوات المسلحة المصرية وهم سيتعلمون من تجاربهم وتفادي الأخطاء التي وقعوا فيها، وفي النهاية أشار المسئول التشيكي إلي الاتفاق العسكري الذي وقعه البلدان في أبريل 1967 وأبدي استعداد براج لتنفيذه علي الفور، وامتدح التقرير قدرات الفريق عبدالمنعم رياض الذي ترك انطباعا بأنه قائد نشط وكفء. هذه في نهاية الزيارة المثيرة للاهتمام للوفد التشيكي للقاهرة بعد أيام قليلة من انتهاء الحرب والتي ألقت الضوء علي أسباب هزيمة القوات المصرية، ولكنها في نفس الوقت أكدت عزيمة مصر علي إعادة بناء قواتها بسرعة وعدم الاستسلام لليأس وتمثل ذلك في التغييرات العميقة التي أجراها الرئيس عبدالناصر في القيادات العسكرية المصرية.