تطالعني تساؤلات بعض المنتسبين للثورة من وقت لآخر قائلة في التعليق علي مقالاتي: «انت لسه عايش؟».. وفي الرد علي هذا الاستفهام الذي يبدو أن أصحابه يريدون أن يطمئنوا علي، أقول: الحمد لله.. ما زلت أحيا.. آكل وأشرب.. وأدير تحرير «روزاليوسف» حتي اللحظة.. وأكتب مقالاتي يوميا.. وأفكر في حال بلدي.. وأحلل شئونه.. وأقدم رؤيتي لمن يهتم بها من القراء.. وغيرهم. أما أولئك الذين يتمنون ألا يصادفوا مقالي في صباح كل يوم.. فأنا أترفق بحالهم.. متمنيا لهم أن يخرجوا من حالة غير صادقة انتابتهم مؤخراً.. يظنون بها أنهم يمكن أن يعيشوا دون أن يسمعوا رأيا مخالفًا.. أو أن الحياة ستكون أفضل لو كانوا فيها وحدهم.. للأسف هذا غير صحيح.. حتي لو أقنعوا أنفسهم بذلك.. وعليهم أن يتدربوا علي أن الآخرين موجودون.. تلك هي الديمقراطية.. التي يطالب بها الكثيرون. بعض الناس تتضايق حين تصلها ردود أفعال من هذا النوع.. أنا لست من هؤلاء.. التعليقات سواء كانت إيجابية أو سلبية هي تعبير حقيقي عن طراز من الاهتمام.. ولكل القراء.. اختلفوا معي أو وافقوا فإنني أتقدم بالشكر إليهم لأنهم يمنحونني من وقتهم ليتعرفوا علي ما أقول.. حتي لو رفضوه. لقد أصررت علي ألا أستقيل من موقعي.. منتظراً قرار سلطة الدولة التي عينتني رئيسًا للتحرير.. وربما يكون قرارها قد اقترب.. وسوف أكون سعيدًا لو صدر.. بعد ست سنوات أنا فخور بما أديته فيها.. خصوصًا أنني أعدت إصدار جريدة كانت متوقفة منذ سبعين عاماً.. وهذا إنجاز عظيم يسعد أي صحفي.. لاسيما إذا كانت «روزاليوسف» اليومية قد صدرت في عام 1934 لعام واحد برئاسة تحرير عباس محمود العقاد وإدارة الراحلة العظيمة فاطمة اليوسف.. وأعدنا إصدار تلك الصحيفة في 2005.. وصارت «روزاليوسف» جريدة ومجلة. كل الأسماء التي حفرت لنفسها مكانة في تاريخ الصحافة قدمت عملاً مميزاً.. أشكر الله علي أنه منحني هذه الميزة.. وللزملاء من بعدنا أن يوفقهم الله في إضافة جديدة.. تعلي اسم المطبوعة.. وترسخ وجودها التاريخي.. الذي بدأ في عام 1925. ورؤساء التحرير حين يتركون مواقعهم فإنهم لا يموتون فسيولوجياً.. الأعمار بيد الله.. وهي لا ترتبط بالمناصب.. كما أنهم لا يموتون مهنياً.. خصوصاً إذا اعتقدوا أنهم صحفيون.. ولاسيما إذا كانوا كتابًا.. الأساتذة الأفاضل: إبراهيم سعدة ومكرم محمد أحمد وصلاح منتصر وأحمد بهاء الدين ومحمد التابعي وفتحي غانم وصلاح حافظ.. وكثيرون غيرهم.. أخجل من أن أصنف نفسي معهم ظلوا يكتبون ويقومون بعملهم الصحفي.. بعد أن تركوا رئاسات التحرير. علي سبيل المثال، ورغم اختلافي معه، فإن القدير الأستاذ الكبير أحمد حمروش، كان رئيساً لتحرير «روزاليوسف» في نهاية الستينيات، وهو يكتب حتي الآن في مجلة «روزاليوسف».. أطال الله في عمره ومنحه الصحة والعافية. كما أن المعارك والحملات النفسية لا تنهي مسيرة كاتب.. موسي صبري اعترك أعنف الحملات.. وصلاح عيسي لم يزل ينتقد إلي اليوم.. ومكرم محمد أحمد يواجه العنت إلي اللحظة.. كل هذه المصاعب هي بعض من الطاقة التي يشحن بها الكاتب نفسه.. ولا يمكن لها أن تثنيه عن مسيرته المهنية.. المهنة مغروسة في الجينات وإن لم نولد بها. ماذا يفعل رئيس تحرير حين يترك موقعه، لاسيما إذا كان صغير السن نسبياً؟ هل يصبح عاطلاً؟ لابد أن بعض المنتسبين للثورة سوف يأسفون.. الصحافة ليست وظيفة حتي لو كانت رئاسة تحرير مهمة لابد أن يأتي وقت وتنتهي.. قد يصبح رئيساً لتحرير جريدة أخري.. قد يكتفي بأن يكون كاتباً.. قد يؤسس موقعاً إخبارياً.. قد يقدم برنامجاً تليفزيونياً خارج مصر.. قد يكتب مسلسلاً.. قد يؤلف كتاباً.. قد يكتفي بأن يدون مقالاته علي الإنترنت في الفضاء المجاني المفتوح. لا تخشوا عليه.. الحياة رحبة. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]