قالت المستشارة تهاني الجبالي، نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا، "نحن بحاجة لاسترداد الثقة في الذات القانونية المصرية التي قادت المنطقة العربية قانونيا ودستوريا، والخطر أنه لو حدث انتكاسة لهذه الذات الدستورية فستتسبب في انتكاسة إقليمية". جاء ذلك خلال الندوة التي أقامها المركز القومي للترجمة، بمناسبة صدور الترجمة العربية لمجموعة كتب "دساتير العالم" بقاعة المجلس الأعلي للثقافة مساء الأحد الماضي، وأكد فيها الحضور أن الدستور المصري أسقط فور تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم، وحضرها كل من: الدكتور فتحي فكري أستاذ القانون العام بجامعة القاهرة، والدكتور عمرو السبكي الباحث في العلوم السياسية، والمستشارة الدكتورة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، كما أدار الندوة الدكتور محمد نور فرحات. أكدت المستشارة تهاني الجبالي،نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا أننا الآن نقف في مرحلة حرجة إما أن نصنع فيها تغييرا نحبه ونتمناه أو أن ينقلب علينا وبالا، جاء ذالك خلال ندوة عقدها المركز القومي للترجمة مساء الأحد الماضي لمناقشة المجلدات الصادرة عنه بعنوان «دساتير العالم». وعبرت عن شعورها بالخجل وأحيانا بالفزع، وشرحت ذلك قائلة: عمق الهزيمة الثقافية التي منينا بها أوصلت مصر إلي انتشار ثقافة تعوق الاستفادة من تجارب الدول الأخري لكي نخرج من مأزقنا». وتابعت: تفاجأت من كلام المتحدثين خلال هذه الندوة، لأننا كدستوريين تربينا علي أن النص الدستوري يتميز بالعمومية والإيجاز، في حين أن العالم كله ثار علي هذه العمومية والإيجاز، ووضع في دستوره تفاصيل أغلقت الباب أمام هوي البعض وحصنت الحقوق والواجبات. وتأكيدا علي ضمان الحفاظ علي هوية الدولة، قالت الجبالي: ما استوقفني في دستور ألمانيا، أن من اختصاص محكمتها الدستورية الطعن أمامها علي برامج الأحزاب إذا ما تضمنت تهديدا للوحدة الألمانية العرقية والدينية وضمان عدم ترك الوطن رهينة لتيارات أو أشكال طائفية". وأشارت إلي أن الثورة تحاول تفتيت بنية الاستبداد دستوريا؛ وذلك بطموحها أن نكون دولة ديمقراطية محصنه دستوريا، وقالت: هل نحن بالفعل قادرون علي الاستفادة من هذا الزخم الذي تمثله تجارب العالم الدستورية، وبخاصة أنني تفاجأت بأن العالم كله سار علي العمومية والإيجاز في الدستور كما تربينا عليه في مصر، وأن هذه الدساتير تتضمن تفاصيل لا تسمح لأحد بالتجاوز، ولا تسمح بحقن دستوري كي يكون رهن ما يراه البعض في مجتمع يفسره كما يشاء، فأصبحت الحقوق محصنة بتفاصيل. ورأت تهاني ضرورة الاهتمام بنموذج الدستور البرازيلي لأن هذه الدولة استطاعت أن تتحول إلي دولة قوية سياسيا واقتصاديا فكيف حدثت هذه المعجزة؟!! وأكدت أن الدولة اسقطت الدستور بعد تنحي مبارك، وأننا سوف نحل دستوراً محلاً الآخر ولم تكن السلطة لأحد سوي الإرادة الشعبية. وقال المستشار الدكتور محمد نور فرحات: هذه الكتب تشمل ترجمة لوثائق دستورية، تنظم للواقع السياسي في دول علمانية، ودساتير أخري تتبع القواعد الدستورية للدولة الموحدة، وللدولة الليبرالية، فالالتقاء راعي أن يمثل جميع التنويعات السياسية في مختلف دول العالم وهو التقاء من وجهة نظري موفق تماما، كما أن الجزء الثالث من الترجمات يوجد في المطبعة الآن وهو يتناول دستور تركيا وجنوب إفريقيا. وطالب د. فرحات بإجراء مقارنة بين دستور البرازيل والدستور المصري الذي كتب عام 1971، والنظام الأساسي السعودي، والدستور السوري، علي أن نري موقع حكومة الحريات العامة في كل دستور من هذه الدساتير. وأكد د. فرحات أن: المسألة الدستورية منذ أن بدأت ثورة 25 يناير عانت من ارتباكات شديدة، وأن رئيس الجمهورية بتنحيه وإسناد الحكم للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، كان هذا إعلانا منه بسقوط دستور 1971، وبعد ذلك أعلن تعطيل الدستور، ثم تعديله، وكان الاستفتاء علي النصوص المعدلة من الدستور المعدل، ثم تشكيل جمعية لوضع دستور جديد قبل ستين يوما، وهذا هو السيناريو الذي رسم الفترة الماضية، ودعا الجمعية التأسيسية أن تتبني منهج النصوص غير القابلة للتعديل الدستوري لاحقا؛ حيث يوجد نصوص في دستور 1971 غير قابلة للتعديل، واقترح أنه آن الأوان ألا يكون للرئيس حق التعديل الدستوري. ومن جانبه نوه الدكتور فتحي فكري، استاذ القانون العام بجامعة القاهرة إلي ضرورة اختيار جوانب معينة من هذه الدساتير لكي نستفيد منها، فسابقا كان اعتماد الدستور يتم بطريقة غير صحيحة حيث لا يشارك فيها الشعب، ولقد آن الأوان أن يشارك الشعب في صياغة الشروط والموافقة عليها. واختار د. فتحي ثلاثة دساتير مر بها شعوبها مرحلة تحول من نظام غير ديمقراطي إلي نظام ديمقراطي، وهي البرازيل وروسيا وألمانيا الاتحادية. كما أشار إلي أن قلة النصوص الدستورية لم تعد صحيحة؛ والدليل علي ذلك دستور الهند، الذي يضمن كل حقوق شعبه للتقدم رغم أن عدد صفحاته 400 صفحة، وكذا الحال في الدستور البرازيلي فالبند الخاص بالحقوق والحريات احتوي علي 78 فرعاً، أي لم يترك حرية من الحريات التي يمكن أن يتمتع بها المواطنين إلا وأشار إليها بكثير من التفاصيل. واعتقد الباحث في العلوم السياسية عمرو الشوبكي أننا لا يجب أن نتعامل مع هذه الخبرات والبلدان باعتبارها فقط نصوصاً قانونية ودستورية، بل يجب أن نتعامل معها باعتبارها سياقات اجتماعية وسياسية لدول مرت بمراحل معينة، بعضها قد يتقاطع معنا في أشياء، والبعض الآخر قد يكون بعيدا وهذا لا ينفي الاستفادة منها. ونحن في حاجة إلي تصميم آخر لهذا المسح العام لهذه الدساتير. وأشار د. عمرو لبعض التخوفات، أهمها أن الشعب المصري يتملكه فكرة تولي مبارك آخر الحكم، وأنه سيظل ثلاثين عاما أخري، ورأي أن هذا لا يمكن حدوثه بعد ثورة 25 يناير، ولذلك ظن أننا لو اضطررنا إلي أن يكون عندنا رئيس ليس له قرارات، فهذا سيفتح الباب لأشياء كثيرة غير جيدة.