بإعلان اللجنة المكلفة بصياغة تعديلات الدستور من قبل المجلس الأعلي للقوات المسلحة عن نصوص المواد التي تري أنها واجبة التعديل لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية ديمقراطية حرة، يكون الجدل السياسي في مصر - افتراضًا- قد انتقل من الشكل إلي المضمون.. وبدلاً من أن تستغرق القوي السياسية المحركة ل(ثورة) 25 يناير في أمور تتعلق بالأشخاص والمواقع.. فإن عليها الآن أن تمضي إلي الحوار حول المقترحات.. ومحتواها وتأثيرها علي تلك الانتخابات التي اعلن الجيش ضمانة لأن تكون حرة ونزيهة ومعبرة عن إرادة الشعب. ما يلفت النظر من حيث المظهر إلي أن اللجنة التزمت بأمرين: • أولاً: المدة الزمنية المقررة من المجلس الأعلي لعملية إعداد التعديلات.. وهي عشرة أيام. • ثانياً: المواد التي تقرر أن تكون موضوعا للتعديل وفقا لما تم الاتفاق عليه بين اللجنة والمجلس الأعلي.. وهي تخص العملية الانتخابية.. دون أن تتطرق إلي أمور أخري توقعتها بعض القوي السياسية.. وكانت خارج نطاق موضوع التكليف.. ومنها تمنيات البعض أن يكون نظام الحكم برلمانيا.. أو مختلطا ما بين الرئاسي والبرلماني.. ومنها أن اللجنة لم تقترب من اختصاصات الرئيس.. وهو ما كانت قوي أيضاً تريد الذهاب إليه.. كما أنها لم تقترب من المادتين الثانية التي تتعلق بأن الشرعية الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.. ولم تقترب من المادة الخامسة التي تتعلق بالفصل بين الدين والسياسة. وقد أشرت إلي هذا من قبل في أكثر من مقال.. والمعني هنا أن (المرحلة الانتقالية) بطبيعتها المؤقتة وسيولتها المعقدة لا تريد أن تفرض علي الشعب في هذا المناخ المائج ما يمكن ألا يكون متاحا له أجواء نقاش حر.. وأن التغييرات الجوهرية التي يمكن أن تقلب فلسفة الدستور رأسا علي عقب.. وتحدث تحولا كبيرا.. واختلافا مناقضا.. لا بد أن يتوافر لها ذهن جماهيري هادئ.. وعقل عام قادر علي أن يحدد مصيره بشكل يعبر عن كل الفئات.. والأهم قوي سياسية قادرة علي أن تفاوض بعضها حول طبيعة التغيير التي تريد إحداثه في الدستور. ومن ثم فإن اللجنة، وفق تكليف المجلس الأعلي، قاربت فقط المواد محل الجدل المحوري، التي تؤثر في قواعد اللعبة الانتخابية المقبلة، ووقتها، ووفقا لاختيار الشعب، وبعد صخب انتخابي يتوقع أن يكون رهيبا، وحينما تطرح البرامج المختلفة علي الناس من كل الفئات، لاسيما في الانتخابات الرئاسية، يكون من حق العصر الجديد أن يفتح نقاشا بالطريقة التي يراها حول الدستور.. ومضمونه.. وفلسفته.. وأهدافه.. وطبيعة صياغة العقد الاجتماعي الجديد. غني عن القول: أن هناك تعديلات قانونية واجبة، وفقا للتعديلات الدستورية، وبعد الاستفتاء علي التعديلات.. وهي سوف تحدد قواعد تفصيلية.. لها علاقة بالمواد التي يقترح تعديلها في الدستور. الملاحظ في التعديلات أنها تعكس ما يلي: • الطبيعة الانتقالية للمرحلة الحالية.. ذلك أنها تعديلات ذات طابع إجرائي لم تمض إلي صلب الدستور.. الموكول إلي المرحلة التالية بما يفترض فيها من استقرار ووضوح رؤية. • إن اللجنة نحَّت جانبا توجهات أعضائها الأيديولوجية.. وقامت بعمل فني.. وإنها تجاوزت الجدل المثار حول طبيعة انتماءات وأفكار بعض مما فيها.. ويحسب هذا لهم.. كما يحسب إلي المجلس الأعلي الذي أقنع أعضاء اللجنة بالعمل من أجل الدولة لا من أجل المصلحة الايديولوجية.. وهو منهج لا يمكن تفويت الانتباه إليه في طريقة عمل المجلس الأعلي. • إن التعديلات اتجهت إلي تحقيق انفتاح سياسي واسع، وبما يتيح فرصا لكل الراغبين في المشاركة.. إن كانت لديهم مواصفات الحد الأدني من القدرة.. ويتضح هذا من أكثر من أمر.. أبرزهم الشروط الميسورة للترشيح لمنصب الرئيس.. مقارنة بما كان الحال عليه في نص المادة 76 السابق.. ومن تقليص مدة الرئاسة إلي أربع سنوات بدلاً من ست سنوات.. ما يعني اعطاء فرصة لتدفق التغيير في المجتمع.. خصوصا مع قصر ولاية أي شخص لمنصب الرئيس علي فترتين.. وهو منهج استلهم التوقيتات الدستورية الأمريكية وتباعد عن التوقيتات الفرنسية التي أصبحت الآن كل خمس سنوات. • في سياق الانفتاح السياسي، وتقليص تقييد الدولة للمناخ العام، فإن التعديلات وضعت ضوابط ملحوظة علي فرض حالة الطوائ.. وطوقت إمكانية امتدادها لمدد طويلة.. قياسا بالطبع علي الحالة التي كانت الأمور عليها.. وجعلت هذا الخيار مقيدا برلمانيا.. وامتداده أكثر من ستة أشهر مقيدا بتفويض شعبي عام من خلال الاستفتاء. • لم تزل فلسفة التعديلات حائرة ما بين استهداف استيعاب المستقلين في الحياة السياسية وما بين الرغبة في تعضيد العمل من خلال الأحزاب.. ويمكن القول إن هناك تساوياً بين الهدفين.. إذا ما لاحظنا التيسير الواضح في إتاحة الفرصة للمستقلين للترشيح لمنصب الرئيس مقارنة حتي بالشروط الفرنسية (سوف نوضح هذا فيما بعد).. في ذات الوقت الذي تعطي فيه التعديلات أريحية للأحزاب لأن ترشح شخصا منها إذا كانت قد حصلت علي مقعد في آخر انتخابات.. إن تساوي الرغبة في تحقيق الهدفين لا ينفي احتمال وجود حيرة دستورية.. قد يحسمها التعديل الاشمل لكل الدستور فيما بعد.. بحيث يتضح ماذا يريد المجتمع السياسي للبلد: هل هو يريد حياة تقوم علي الحزبية الصريحة.. أم يريد أن يتيح الفرصة للعمل السياسي المستقل؟ • عالجت التعديلات معضلات آنية، لها وقعها علي المناخ السياسي، ولم يلح فيها أنها تعطي أفقا أبعد للمستقبل.. علي سبيل المثال هي عالجت مشكلات الفصل في صحة العضوية في مجلسي الشعب والشوري بأن أحالتها مباشرة إلي المحكمة الدستورية.. وجعلت مدة الفصل في الأمر شهراً.. وهذا مبدأ يحل مشكلات ولا ينفي احتمالات التبديل في التعديل التالي علي نطاق واسع. • منحت التعديلات صلاحيات واسعة للمحكمة الدستورية، ما يعني أن عليها أن تتجهز لأنواء أكثر تعقيدا من أدوارها الحالية في الوقت المقبل.. ومن ذلك الفصل في صحة العضوية، وإدارة الانتخابات الرئاسية، وفحص قانون الانتخابات الرئاسية، في ذات الوقت الذي سحب فيه من محكمة النقض مسألة الفصل في صحة العضوية البرلمانية.. وأعيدت إلي القضاء برمته عملية الإشراف علي الانتخابات. • تميل فلسفة التعديلات إلي تجنب العنصر الأجنبي في العملية السياسية المصرية، سواء من خلال شروط جنسية المرشح للرئاسة وجنسية زوجته وجنسية أبويه، أو من خلال إقرار الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات.. ما يعني ضمنا أن من حق هذا القضاء أن يقبل رقابة أجنبية من عدمه.. وأن بيده القرار. [email protected] www.abkamal.net