تخوفات كثيرة واقتراحات وترتيب أولويات تخص الخطوات التي يجب أن تمر بها مصر، بعد نجاح ثورة "25 يناير" في تنحية رئيس الجمهورية، شهدها اللقاء المفتوح الذي عقدته مكتبة الإسكندرية "ببيت السناري" ظهر أول أمس للحديث عن مستقبل مصر في المرحلة القادمة، وكان من أبرز النقاط التي حققت شبه إجماع من الحضور سواء من شباب ائتلاف ثورة "25 يناير" أو من كتّاب المقالات والمحللين السياسيين والمسئولين، هي تلك الخاصة بالتحذير من دلالة إطلاق مصطلح "ثورة الشباب" علي ثورة "25 يناير" دون أن تكون ثورة للشعب المصري كله، والتأكيد علي أهمية إرجاء الانتخابات التشريعية إلي أن تفرز الساحة قوي سياسية أخري مختلفة عن قوة "جماعة الإخوان المسلمين" وبعض الأحزاب، وكذلك التأكيد علي أهمية الاستمرار في الاعتصامات والمظاهرات السلمية بمختلف مناطق مصر للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات التي تضمن تغييرا جذريا في النظام المصري الحاكم. كان من أبرز الداعين لاستمرار التظاهرات المليونية هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أحمد بهاء الدين شعبان، وقال بهاء الدين شعبان: محاولة الإيحاء والدفع بأن تسمي ثورة "25 يناير" ثورة الشباب، هو تقليل في قيمة الثورة ووضعها في نطاق ضيق، في حين أنها حلقة من حلقات نضال الشعب المصري لطلب الحرية والديمقراطية منذ أيام محمد علي". وشدد شعبان علي أهمية انشغال المثقفين والعمال والفلاحين وغيرهم من ممثلي الشعب بإعداد أنفسهم وتنظيم حركتهم لخلق قوي سياسية قوية تعوَض حالة التجريف السياسي التي حدثت خلال الثلاثين عاما الأخيرة، واقترح أن يتم مد الفترة الانتقالية لمدة عام علي الأقل لإفساح المجال أمام القوي حديثة النشأة، وقال: "لا مشكلة لدي لأن يمسك الإخوان المسلمين السلطة، لكن ليس في هذا التوقيت الذي يتميز باختلال التوازن بين القوي السياسية". وقد سجّل أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، اختلافه مع أحمد بهاء الدين شعبان فيما يخص مد المرحلة الانتقالية التي يتولاها الجيش لافتا إلي أهمية أن يكون هناك مجلس رئاسي مدني يتولي تأهيل البلاد للعمليات الانتخابية، وقال عبد الفتاح: أنا مهموم الآن بمعركتين بعد معركة الثورة الكبري التي حدثت في ميدان التحرير، أولها معركة التطهير التي تسبق معركة التعمير، والحقيقة أن قلق الناس يدور أغلبه حول موضوع تطهير البلد ممن تسبب في إفساد الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية فيها"، ودعا عبد الفتاح مجددا لاستمرار المظاهرات المليونية من أجل تنفيذ المطالب، وحذر من الانشغال بأشياء أخري غير ما يخص مرحلة التطهير. وأكد الدكتور نبيل صوئيل، رئيس الهيئة القبطية الإنجيلية السابق، علي أهمية تنظيم الجهود ودراسة الأولويات التي يجب أن نشتغل عليها من أجل تنفيذها في ظل وجود جهود للتغير ولكنها غير ممنهجة، وقال: نحن نريدها دولة مدنية بمرجعية دستورية، وعلي الانتخابات أن تتم بالرقم القومي". وحذر أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، من خطورة عقد انتخابات برلمانية سريعة وقال: كل القوي السياسية غير جاهزة الآن لهذه الانتخابات ولو تمت سيكون برلمانا مختلا"، وأكد: أعتقد أنه من الخطأ إنشاء حزب سياسي لشباب 25 يناير، لأن الأحزاب لا تقوم علي أساس شريحة عمرية محددة، وإن كان ذلك من حقهم"، وأضاف: "الثورة وحدت بين المصريين، وفتح ملف تغيير الدستور بأكمله الآن أمر مقلق جدا، لأن هناك تربصات ومجموعات لم تنضج بعد ومتشددة علي الطرف المسيحي والمسلم تتداول الآن الحديث عن المادة الثانية من الدستور وهو ما قد ينهي حالة الثورة، فدعونا نتحدث عن تغيير الدستور لاحقا، وحينها يمكن عمل إضافة مطمئنة للمادة الثانية من الدستور بدلا من حذفها، لكني في كل الأحوال مصرّ علي وجود مجلس مدني يشرف علي المرحلة الانتقالية". في حين نفي الدكتور عصام سلطان، وعضو الهيئة العليا بحزب الوسط، إمكانية أن يسيطر أحد علي الانتخابات البرلمانية القادمة حتي وإن أجريت مبكرا، قائلا: دخول الانتخابات سيكون سهلا وعبر البطاقة الشخصية، والقضاة هم من سيشرف علي الانتخاب وهم من سيعلنون النتيجة، وأكد: توقعت منذ 25 يناير أن هناك كيانات كثيرة ستتغير بعد الثورة سواء بالصعود أو الهبوط وتركز توقعي في جماعة الإخوان المسلمين والكنسية المصرية، وأنا حينما أتحدث عن الدين فأقصد به التدين المصري والمتميز الخاص بالمسلم والمسيحي علي السواء، بعيدا عن التدين السعودي أو الإيراني أو السوداني". كلمة عصام سلطان أعقبت كلمة الدكتور محمد عرفان، عضو ائتلاف شباب الثورة، الذي آثر أن يقدم نفسه بحيثيته الإخوانية، قائلا: أقدم لكم نفسي كعضو من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، لأني أعلم جيدا تخوفات الكثيرين من الإخوان، ولأني علي صلة وثيقة مع قيادات الجماعة مما يمنحني حق التحدث بشكل شبه رسمي، لقد تواجدنا في ميدان التحرير كجزء من المصريين، وكنا نستدعي خبرتنا التنظيمية بما يخدم ما لاقيناه في الميدان، ومن معايشتنا اكتشفنا ضيق الفجوة بيننا وبين الشباب العاديين، وهنا أؤكد أنه يجب أن تدمج الجماعة وتقنن بشكل شرعي قانوني، وقد طلبنا كشباب من قياداتنا أن نركز علي العمل التوعوي ونبتعد عن الاشتباكات السياسية، وأن يكون الحزب الذي يتم تشكيله معتمدا علي أفكار يتقبلها الجميع خارج الجماعة وألا يكون تحت هيمنة أو إدارة الإخوان". وتحدث الباحث في شئون المواطنة سمير مرقص قائلا: لابد أن أكون حذرا حينما اتحدث عن تسمية الثورة، ولكني سأسميها الموجة الأولي التي تقاطع فيها الشباب مع الطبقة الوسطي المصرية بكل درجاتها، والتي تهدف لعمل تغيير حقيقي يتمثل في تغيير هياكل القوي"، وتابع: بعد هذه الموجة الأولي علينا أن نحدد ثلاث مهام أساسية لابد أن نشتغل بها، الأولي أهمية ان نعطي وقتًا لكي نعرف ونحلل ما حدث ويحدث، والثانية أن نحدد بدقة شديدة ما الذي نريده تحديدا، هل تحديد ملامح للجمهورية الجديدة التي نريدها وصياغة علاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم وتقييد سلطة الحاكم؟، أم تحديد ملامح الدولة المدنية التي نريدها؟، والثالثة أن نحدد الأمور الإجرائية التي لا يجب ان تطغي علي المهمتين الأولتيين كحريات تكوين الأحزاب وشكل النظام الانتخابي وشكل المحليات وتكوين المؤسسات المدنية وغيرها". وعبّر الكاتب السياسي الدكتور عمار علي حسن عما تفعله النخبة مع الثورة، قائلا: هذه النخبة تلقي بحمولتها وعجزها القديم علي الثورة، وهناك ثورة مضادة ناعمة تتم بطرق وإجراءات وعلينا أن ننتبه لها لأنها تهدف لخدمة مصالحها الخاصة"، وتابع: نحن أمام ثورة ناقصة، وأخشي أن تتحول لنماذج أخري من الثورات التي قامت في العالم، فثورة جوانتيمالا تحولت لانقلاب عسكري، والثورة البلشفية قام بها ناس وجني ثمارها ناس آخرون، أما هنا فمن غير الحقيقي أن الثورة حققت أهدافها بمجرد الإطاحة بحسني مبارك"، وأكد علي حسن أنه حزين علي اتجاهين في الإعلام، الأول الذي يتعامل بمنطق أن الثورة انتهت وحققت أهدافها والثاني الذي مازال يقدم خدماته للوجوه القديمة". وتحدث حلمي النمنم، نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب قائلا: بقدر سعادتي بما حدث لأنه استرجاع لكرامة وكبرياء المصريين، بقدر تخوفي وقلقي من استمرار انتشار أعضاء الحزب الوطني في المؤسسات والمناصب الحساسة والحاكمة، والغريب أن الصحف لا تنتبه إلي أنها تركز علي الفساد الاقتصادي وحده دون التركيز علي الفساد السياسي" وشدد النمنم علي أهمية إعادة النظر في الدستور وضمان ألا تتحول مصر لحكم عسكري، وأبدي تخوفه من وجود المليشيات حول الشيخ يوسف القرضاوي يوم الجمعة الماضية قائلا: هناك محاولة لأسلمة ما حدث منذ 25 يناير وعلينا أن ننتبه لأن الإخوان المسلمين قوة منظمة". هذا وقد اقترحت داليا حسين، عضو ائتلاف شباب الثورة أن يتم إعلان دستور مؤقت مع مجلس رئاسي يضمن أن يعود الجيش إلي ثكناته، وإنشاء لجنة قضائية مستقلة مهمتها محاسبة الفاسدين وقالت: أنا خائفة لكني متفائلة أكثر لأن هناك وعي سياسياً كبيراً لدي الناس بأن إرادتهم هي التي تحقق المطالب"، فيما أشار أحمد عيد، عضو إئتلاف الثورة إلي أن الثورة يمكن التأريخ لها من أحداث 11-11-2004 حينما نشأت حركة كفاية وقال: تفاجئنا بالشعب المصري في 25 يناير، لقد خططنا لنزول الميدان وليس لكل ما حدث، والجهود التي بذلت في الميدان كانت جهودًا عفوية من الناس كعمل سجن أو لجنة إعاشة أو مستشفي ميداني وغيرها، هي إذا ثورة الجميع التي بدأها الشباب".