باسمة العنزى قاصة وروائية كويتية وكاتبة مقال، مشغولة بالهم الاجتماعى وبرصد التحولات الاجتماعية فى مجتمعها بلغة رشيقة وعميقة، صدر لها ثلاث مجموعات قصصية هى : «الأشياء»، و«حياة صغيرة خالية من الأحداث»، و»يغلق الباب على ضجر» وصدرت لها رواية بعنوان «حذاء أسود على الرصيف» .. تتحدث معنا فى هذا الحوار عن رؤيتها فى التحول الذى سيفرضه الزمن على الرواية، والذى سينتهى بنا بأن نعيش «زمن النوفيلا»: ■ برز اسمك كأحد الأصوات الأدبية الواعدة فى الكويت والخليج .. فى إطلالة كاشفة على مغامرتك مع الكتابة كيف هي؟
- مغامرة الكتابة التى بدأت فى التسعينيات وجدت لها ما تستحقه من صدى، رغم أنى مقلة فى إصداراتى ومتمهلة فى خطواتى وأغيب أحيانا للعزلة ولأشياء أخرى. الكتابة الجميلة هى التى وصفتها أنت بالمغامرة، متخلصة من الروتين والاعتيادية والضجر، تأتى ملهمة وباعثة على شعورنا بالامتلاء ورغبتنا بالاستمرارية فى عالم غير منصف.
■ كتبت ثلاث مجموعات قصصية ورواية واحدة فقط .. لماذا الانحياز للقصة القصيرة ونحن فى زمن الرواية؟
- فى السابق كان لدى الكثير مما أقوله وأحكيه، لم يكن مناسبا لى كشكل أدبى سوى المجموعات القصصية، الآن أشعر بالحاجة لاختيار ما أريد بدقة والعمل على التركيز عليه، الرواية الأخيرة أو (النوفيلا) حيث إنها شكل غير مألوف فى أدبنا العربي، جاءت لرغبتى فى سرد حكاية زمنها يوم واحد تدور أحداثها فى مكان واحد، بشخوصها وتفاصيلها كان الأنسب لها أن تحتويها (نوفيلا) كرواية قصيرة.
أظن أننا سنكون قريبا فى زمن (النوفيلا) بعد أن توجز الرواية ويختصر السرد وذلك بسبب رتم حياتنا العصرية وما يهدد عالم القراءة من انحسار.
■ هل تكتبين لفهم نفسك أكثر أم لتصفية الحساب مع واقع حياتى لا يشبه ما فى أحلام الصبايا من أمنيات؟
- لا هذا ولا ذاك، أكتب لأنها هوايتى القديمة دون أن يكون لى هدف محدد وواضح، أكتب للمتعة ولتبادل الأفكار مع أبطالي، ولأحاول قليلا أن يصل صوتى للآخر البعيد.
■ هل الولوج من الصحافة إلى الأدب يخدم فى كسر الكلفة بين الكاتب والقارئ ويقرب الأشياء من الواقع؟
- فى عمودى الأسبوعى (لغة الأشياء) أكتب عن الثقافة وهمومها، عن الكتب والمشاعر والتناقضات والأخطاء والانجازات، عن الآخرين غالبا، بالتأكيد الكتابة الصحفية تعطى الكاتب جرعة من الجرأة والشجاعة وتمد جسرا بينه وبين قارئ استثنائي، لكن فى النهاية قراء الصحيفة ليسوا هم بالضرورة قراء الأدب ، والكاتب فى كلتا الحالتين يكتب بأسلوب لن يختلف كثيرا ولو حاول الفصل بينهما. بالنسبة لى كتابة العمود الأسبوعى شبيهة بصنع طبق ساخن بينما اشعر فى الكتابة السردية أننى أحيك معطفا شتويا.
■ هل صاغت طفولتك ناحية مهمة من هويتك ككاتبة؟
- طبعا للطفولة دور فى اختياراتنا المستقبلية، كنت محظوظة جدا لوجودى فى أسرة مهتمة بالقراءة وتشجع عليها صغارها، وجود الكتب والصحف والإصدارات الأسبوعية بالإضافة للنقاش وتوافر وسائل المعرفة هو ما زرع بداخلى بذرة الشغف لقراءة العالم.
■ هل تجرؤين على كتابة سيرتك الذاتية فى أعمالك؟
- أظن كل كاتب لديه جانب صغير يهديه لأبطاله، تتوزع ذاته بين الصفحات كندف القطن فى حقل شاسع، سيرتى الذاتية لا تحمل حكاية عظيمة أو خارقة لو قارنتها بكل ما حولى من حكايات لا تحتمل تأجيل سردها .
أبطالى –أحيانا- يتبنون ملاحظاتى أو رؤيتى لكن غالبا أحاول أن أهبهم مساحة حرية يتحركون بها دون أن أثقل عليهم بما تمليه نزعة المؤلفة فى التدخل. لذا جاء أغلبهم بعيدون جدا عني!
■ كيف تنظرين إلى ثنائية تقسيم الأدب إلى ذكورى ونسوي؟
- لست مع ولا ضد هذا التقسيم، هناك ملامح للكتابة النسوية لكن الاعتراف بهذا التقسيم يعود بنا لما قبل حركة تحرر المرأة وهو أمر ليس فى صالحى ككاتبة.
أظن أن الأمر بات قديما بعض الشيء ولم تعد هذه القضية تعنى الكثيرين اليوم.
■ كيف ترصدين المشهد الأدبى فى الكويت حاليا؟
- المشهد الأدبى مبشر خاصة بعد فوز رواية (ساق البامبو) لسعود السنعوسى بجائزة البوكر مؤخرا، لدينا الكثير من الأنشطة الثقافية ولو أنها موسمية.
مشكلتنا الحقيقية تكمن فى شح المتلقى والقارئ فى الكويت، وأى حركة أدبية سيصل صوتها لو كان هناك صدى، لدينا أيضا موجة (الأدب الرديء) المنتشرة فى العالم العربى مؤخرا، دور نشر تجارية تنشر أى شيء لأى شخص،و شباب يرغبون بالشهرة مبكرا عبر البدء بالكتابة قبل القراءة حتى، غرقنا بشيء هجين من كتابات باللهجة المحلية وقصص الرعب والأكشن واقتباسات الأفلام الأجنبية والنبضات العاطفية السريعة. عدد الكتاب سيتجاوز عدد القراء فى مجتمع صغير، لا يوجد به عدد كاف من النقاد القادرين على التصدى لهذا السيل من الإصدارات الباهته.
القراءة تراجع دورها واللغة العربية فقدت مجدها، والسياسة سرقت الضوء من الابداع فى مجتمعنا، رغم ذلك مازلنا متفائلين.