حوار - خالد بيومى واحدة من العاملين على تأسيس نص إبداعى خارج المعايير والقوانين يراهن على المغامرة، تتناول قضايا الحب والموت والغربة والوحدة والآلام من منظور فلسفي، وتخترق الذاكرة بأدوات معرفية جديدة، إنها غادة كلش الكاتبة اللبنانية، التى ترى فى خواطرها ما يشبه منظومة تعبيرية تقارب الصوفية، بمدلولها الروحى الصافى... عن أحدث أعمالها «الطيف والأثر» ورأيها فى الربيع العربى وما تنتظره منه كمثقفة دار هذا الحوار: «الطيف والأثر» عنوان أحدث إصداراتك.. لماذا إخترت هذا العنوان؟ - شكّل الطيف رمزية فاعلة فى كتاباتى النثرية الجديدة، ذات العبارة الواحدة، المعروفة بالخاطرة، رمزية روحية عاطفية، أحبّها القراء، وشغفوا بها، وكانوا دائماً يتابعون ما أكتب عن الطيف، ويعتبرون ذلك رحلة أدبية غريبة النسق، وعندما انتهت مجموعة الطيف، ألحقتها بمجموعة أخرى عن الأثر، وهو الرمز العاطفي، الذى استمدّ ظلّه من الطيف نفسه، لذلك كانت خواطرى هذه بالذات، أشبه بمنظومة تعبيرية تقارب الصوفية، بمدلولها الروحى الصافي، ولشدة ما أثارت مخيلة قرائي، آثرت أن أخصص لها القسم الأخير من الكتاب، وأن أجعلها تحمل عنوانه. أنت مشغولة بالثنائيات فى هذا الكتاب، فهل هذه نظرة صوفية للوجود؟ - تستطيع أن تسميها هذه التسمية، فأنا كاتبة يروق لها الفكر والتصوف والزهد، أعيش فى كتاباتى حالة من الهيمان فى بحر الوجود، وسماواته، كما أسعى دوما، إلى سبر أغوار النفس ومغاليقها، من غير أن أبتعد عن أصول الإيمان، إذ أحرص بشدّة، على عقيدة الإسلام، وأحاول توظيف مقدرتى الفكرية، كونى أكتب ما يقارب الفلسفة فى بعض كتبى السابقة، للتأكيد على فاعلية الإسلام وعلومه، بطرق غير مباشرة، فأنا لا أكتب فى الفقه، بل أكتب ما لا يتعارض معه، وما يلتقى وإياه فى جوهر القصد والبلوغ. الموت له حضور قوى فى أعمالك.. فهل هذه رسالة على الاستقالة من الحياة؟ - الموت، كان ولا يزال رفيق وعيى الأول فى الحياة، ونظرتى له هى نظرة مستكينة، هادئة، عميقة، ليس فى الأمر ما يشبه التخلى عن الحياة، بل ما يشبه الانتقال إلى الموت، أقول فى بعض عباراتى: «أنا والموت وليدان يحْبوان على الأرض معاً». «الحياة مفاجأة، والموت خبر». «الآخرة هى المستقبل، والحياة بأجيالها والعصور، تبقى هى الماضى». ويمكن القول، أن موت ثلاثة أخوة لى فى فترات زمنية مختلفة، وموت أبى وأمّي، شكلّ لى دافعاّ أكثر ثباتاً، فى ستحضار حقيقة الموت، الذى هو حق، فالحياة حقيقة، يخطئ مَنْ يسمّيها حكاية، والموت حق، يخطئ مَنْ يسمّيه نهاية. هل تسرب جزء من سيرتك الذاتية فى كتاباتك؟ - نعم، لقد كتبت مقتطعات من الأحداث التى شهدتها حياتى العائلية فى كتابى السابق «عكس الريح» وهو كتاب أجمع قرّاؤه على تأثيره الكبير فى تحريك المشاعر، وفى التأسيس لكتابة جديدة فى فنّ السيرة الذاتية، ولليوم لا يزال هذا الكتاب موضع ترحيب فى الوسط الثقافى والتربوى والإعلامي، خصوصاً أننى كتبت بأسلوب شفّاف نقيّ وصادق، بعيدا عن الاستعراض والتخييل، عن حالة المآسى الصحية التى أصابت أخوتى الراحلين. تميلين إلى العزلة.. ما الذى منحته لك العزلة على مستوى الإبداع؟ وهل تعتبرين نفسك من مثقفى البرج العاجى؟ - العزلة هى غربة النفس، وهى بشكل آخر، مسيرة اللامنتمي، منذ الصغر لم أكن أنتمى إلى القشور فى اللهو واللعب، كنت أتأمل الأشجار، وأشعر بالصفاء الغريب لرؤيتها، وكان لى عن الشجر عشرات الخواطر. عزلتى تكوين أساسى فى شخصيتي، لكنها غير عاجيّة، فأنا من الأناس البسطاء، المكافحين فى العمل الصحفي، وفى الحياة أحب البساطة فى كل شيء وأدعو فى كتاباتى إلى التفكر دائما واستخلاص العبر، وخير ما يعبر عن غربتى الداخلية، النص الذى قلت فيه: «أوقن بأننى لن أبقى إلا وحدي، ولن يرانى أحد، وإن رآني، أبقى وحدي، ولن يقرأنى أحد، وإن قرأني، يبقى وجدى منعزلاً فى كنه رشدي، ولن يفهمنى أحد، وإن فهمني، لن يدرك مدار زهدي، أنا أُصغى إلى نفسي، وأسمع لحن عمري، كنغم لا يُسرى ولا يُجدى». عندما تكتبين عن الوجود والرومانسية والحكمة فى زمن الثورات والتحولات .. ألا تغردين خارج السرب؟ - كل العصور التى شهدتها البشرية، كان فيها تلك الحروب، وكان فيها زهرة الحياة فى الوقت عينه، بمعنى أن رصد الحالات العاطفية والتأملية والفكرية هو أمر طبيعى جدا فى مسار الوجود الإنساني، حتى فى خضم الحرب، يأكل الإنسان، ويحلم، وينام، ويحب، ويعمل، لا انفصال مع مرافق الحياة الاخرى، إلا بالموت. لذلك، فإن ما أكتبه عن الوجود الروحى والفكرى والرومانسى والجمالي، لا يعنى أن الثورات والتحولات لا تعنيني، بل يعنى أننى أتابع بالفطرة، الوجوه الأخرى للوجود، مثل معنى الصبر، ومعنى الصداقة، ومعنى الأمل، ومعانى الجمال، والسماء، والطير، والأمومة، والتبصر. ما موقفك من ثورات الربيع العربى؟ - لا أحب الخوض فى السياسة، غير أنى كمواطنة لبنانية عربية، أقف مع الثورات التى قامت على سجيةّ الشعوب، ولا أرتاح لمستثمرى هذه الثورات، الذين حوّلوها عن مسارها الطبيعي، ضمن مخطط مسّيس يتم توظيفه، بمعيار السياسة الدولية. لنا آمال كثيرة بربيع وطنى عروبى مثمر على مرّ العصور، لنا آمال، بتغيير شروط التعامل مع الشعوب العربية، من قبل الأنظمة الحاكمة، وبتغيير قواعد المكتسبات الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والصحية والإسكانية والعلمية والسياسية، لماذا لم نستعد فلسطين؟ لماذا لم نتقدم على الصعيد العلمى والتكنولوجى والصناعى والبحثيّ؟ لماذ يقتل الحاكم العربي، الشعب والعائلات والاطفال والشباب والعجائز؟ لماذا يهدم البيوت على رؤوسهم ويدفنهم تحت أنقاضها؟ هل نرى مثل ذلك فى الغرب؟ هل يجرؤ رئيس أمريكا أو رئيس فرنسا، على سبيل المثال، على قتل آلاف الأفراد من شعبه؟ غريب وبشع ومخجل وصادم، ما يحدث عندنا، لذلك أقول دائما: إن السياسة هى لسان العقل وأنيابه، وأرى أنّ كل أمّة بنقصان، هى أمّة مقتولة.