السلفيون مجني علي عقولهم. ظلمهم الذين أخرجوهم، وجني عليهم الذين أنشأوهم أول مرة، شر الدواب الصم البكم، فلو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم، لكن السلفية لا يسمعون. بعض التيارات الأصولية خرجت «تخليص حق»، فالوهابية ضربت الجزيرة العربية أملاً في الرد علي هجوم فكري شيعي حزّم جزيرة العرب، وأسس قاعدة لا يستهان بها في جبل الدروز بالشام، وعلي أطراف العراق.. وفي مصر. صحيح التيارات السلفية أقدم من حركة محمد بن عبدالوهاب، لكنها سعت هي الأخري لتخليص حق المسلمين من خرافات «الغنوصية». التيار السلفي هو الوحيد في التاريخ الإسلامي الذي لم يطرأ عليه أي تغييرات، فالذين ظنوا أنهم خرجوا لصون الإسلام من الاعتداءات الفكرية، وقعوا في بحور أبطال العقل بالنقل.. فمارسوا التقليد علي أنه أمر الله، وامتهنوا اللجج كأنه من العقيدة، ثم حرموا «الاجتهاد»، فصاروا مثل الذي يحمل أسفارًا! حاول السلفيون العودة بالعقيدة للأصول، إلا أنهم تجمدوا، وتثلجوا علي اجترار اجتهادات عقائدية، موقوفة علي جيل تابعي التابعين. تاريخيًا، لم تنشأ حركة فلسفية دينية لدي مدرسة المدينة السلفية، في حين تنوعت الانطلاقات العقلية في التفسير والتدبير بالعراق. سلفيو المدينة، سموا فقهاء العراق أهل «الرأي»، وامتنعوا عن الأخذ منهم والرد عليهم، وكان الرأي «آفة»، والاجتهاد «خطيئة»، مع أن معظم مدارس «التقليد» في المدينة هم الذين كانوا خطيئة التاريخ الإسلامي. بعد مائة وخمسين عامًا من وفاة النبي، كان السلفيون الأوائل قد استقروا علي تحريم «الرأي» وأبطلوا «العقل» بالنقل. «العقل» هو فك طلاسم النصوص القرآنية حسب المصلحة، وطبقًا لمتغيرات الواقع، بينما «النقل» هو التمسك باجتهادات الصحابة في التفسير والأحكام الشرعية حتي لو تغير الزمن، وضاقت المصالح. ما المعني؟ المعني أن السلفيين الأوائل، فسروا، ثم عاشوا وفق تفاسيرهم، بينما عمدت مدرسة «الرأي» في العراق علي الحياة، مع تطويع النصوص.. لمصلحة الكافة. اجتهدت مدرسة «الرأي» في العراق لاستيعاب كثير من المتغيرات التي طرأت بعد وفاة النبي، لكن السلفيين الأوائل لم يفعلوا.. وجاء السلفيون الجدد ليبنوا سياجًا حول الإسلام، فيحبسون أنفسهم وراءه.. وينادون «إنما نحن مؤمنون». تاريخيًا، كانت المعارك المتواصلة بين السلفية، وأهل التجديد في استيعاب الأصول، فبينما غير الإمام الشافعي فقهه بعد قدومه إلي مصر من العراق لاختلاف العرف في البلدين، مات أحمد ابن حنبل «السلفي» متمسكًا بقوله «الحديث الضعيف أحب إلي من الرأي»! السلفية نتوء في عمود الإسلام الفقري، فالسلفية مقلدون ودمويون حتي إن دعوا للصبر علي البلاء.. أو قالوا إنهم احتسبوا في موت سيد بلال. ففي كتاب الله إن من ولي دبره متحرفًا لقتال أو متحيزًا لفئة فلا خوف عليه ولا جناح. التحرف في الآية هو التحضير لإعادة الكر في معركة جديدة، والسلفيون يتحرفون باللحي الطويلة والجلابيب القصيرة.. ويؤمنون بأنهم وحدهم.. أهل الله!