في خطبته الأخيرة في قطر اقترب الشيخ القرضاوي من هدفه بالنسبة لتونس، أقول اقترب ولم يذهب إليه مباشرة، وأرجح أنه في خطبة الجمعة القادمة سيطلب بكل وضوح من الشعب التونسي أن يمشي وراء سلطة التطرف الديني وأن يلقي بحياته ودستوره المدني في البحر، وفي ذلك لست أستبعد أن يهتف للشيخ راشد الغنوشي، وأن يناشده العودة لقيادة مسيرة الشعب التونسي كي يلقي نفس المصير الذي لاقته غزة ولاقاه الشعب السوداني من قبل. كان الرجل في خطبته الجمعة الماضية غاضبا أشد الغضب لأن الشعب التونسي لم يقض قضاء باتا تاما علي رجال السلطة التي كانت موجودة في عهد زين العابدين بن علي، كما طالب بحماس بإلغاء الدستور العلماني الذي يحكم تونس، أي أنه باختصار يطالب بإلغاء كل إنجازات ومكتسبات الشعب التونسي منذ الاستقلال حتي الآن، بالنسبة له وكل نجوم الفضائيات من مشايخنا الأجلاء الذين يحرصون دائما علي إنكار أي صلة لهم بالتطرف الديني، عندما يجد الجد، تجدهم يسارعون إلي الدعوة بكل وضوح إلي إلغاء السياسة بكل بنودها المدنية، التي هي الإطار الوحيد للحفاظ علي حقوق الإنسان، والبحث عن إطار جديد للحكم يحتلون فيه أماكن الصدارة.. إنها السلطة، لا أكثر ولا أقل.. هذا هو الهدف. هل حدثتك من قبل عن المثل الشعبي المصري الذي يقول "فار وقع من فوق السطوح، فالقط قال له.. اسم الله، فرد عليه: ابعد عني وأجرك علي الله».. يا لعمق فهم السياسة وأصول الحكم عند المصريين، جملة «اسم الله» تقولها الأم حبا وعطفا علي الطفل عندما يتعثر ويقع، وهي الجملة التي قالها القط للفأر الذي وقع من فوق السطوح، الأغبياء وحدهم والغافلون من الممكن أن ينخدعوا بمقولة القط، وأن الهدف منها هو إظهار الحب والعطف من عدوه التقليدي، أما الشعب المصري فهو علي يقين أن الكلمات الحلوة أحيانا تكون مقدمة لعملية افتراس وحشية. غير أنني علي يقين من أن الشعب التونسي لم يخلع الفك المفترس ليقع ضحية لمن هو أشد افتراسا. علي الأذكياء من رجال الدين في المنطقة العربية أن يعرفوا جيدا أنه في الحركات الانقلابية لا يتولي المعتدلون السلطة، بل يتولاها أشد الأجنحة تطرفا، عليهم الترويج لكل ما روج له أصحاب العقول والقلوب الكبيرة في طول التاريخ وعرضه، وهو احترام الدساتير والقوانين. هذا هو ما يجب أن ندعو له ونطلبه للشعب التونسي، لا يجب أن نطلب لهم المزيد من الفرقة وعمليات الثأر والانتقام، وليكن القانون في تونس هو المظلة الحامية لكل الناس، نعم كل الناس وأولهم اللصوص والقتلة والفاسدون والمفسدون، كل من أخطأ لابد أن يلقي جزاءه في قاعة المحكمة، لا يجب تشجيع هستريا الانتقام والثأر في الشارع، فهذا هو بالضبط الطريق الذي يقود إلي سكة الندامة، لا نريد للتوانسة أن يندموا ونندم معهم وهو الأمر الذي سيحدث حتما عندما نستمع لما ينصحنا به الشيخ القرضاوي. لقد جرب سكان منطقتنا كل أنواع الديكتاتوريات، ولا داعي لتجربة المزيد من حكم الديكتاتوريات الدينية، إن الطريق مفتوح أمام الشعب التونسي وأمامنا جميعا للسير في طريق الديمقراطية وعلينا أن نواصل السير فيه مهما كلفنا ذلك من صعاب ومتاعب. لقد تمكن الشعب التونسي من طرد الديكتاتور بغير قيادة أو تعليمات من قياداته الدينية الثورية القديمة، أو قياداته السياسية المعارضة الراهنة. وعليه أن يتمسك بحبل النجاة الوحيد، الدستور وسيادة القانون.