الشهادة كلمة، والكلمة إما أن تكون طيبة فتكون شجرة يثبت في الأرض أصلها، ويمتد في السماء فرعها، وإما أن تكون خبيثة فتكون شجرة، مجتثة من فوق الأرض ما لها من قرار، والقول حكم، والحكم قسطاس لسانه الاستقامة، والاستقامة أنفاسها العدل، والعدل هواء وماء، في وجوده روض وريحان وحياة وبقاء، وفي فقده دماء وموت وأكفان وفناء، يقول الحق سبحانه: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَي وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (152 الأنعام). لا يمكن لمنصف يخشي الله ويتقيه، وعرف للحق والعدل معني، وأقام الشهادة لله، ونزع من رأسه وقلبه غطاء التعصب والتحيز والجور أن ينكر لا أقول اضطهاد المسيحيين في مصر ولكن علي الأقل الحياة المجحفة التي يحياها كثير من المسيحيين في مصر لا كل المسيحيين، وقبل أن تبرق العيون وترتفع الحواجب وتنفعل المشاعر دعوني أقول ولا يستطيع أحد كذلك أن ينكر ما يقع علي كثير من المسلمين من إجحاف وتضييق، إلا أن الإجحاف الواقع علي الطرف المسيحي أكثر وأثقل. ولكن لكل إجحاف حيثياته وأسبابه وكمه وكيفه ومكانه، فالجميع يقع عليه الإجحاف ولكن بصورة نسبية غير منظمة وغير ممنهجة. وكلا الطرفين مشارك أساسي في إيقاع الإجحاف بالطرف الآخر عن عمد وقصد، سواء كان بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سواء كان بيده أو بيد غيره. لكن والحق يقال إن الطرف المسيحي الإجحاف به يظل هو الطافي علي السطح والظاهر والواضح للعيان في كثير من المواقع، بينما الطرف المسلم قد لا يظهر الإجحاف به واضحًا وجلياً لكثير من العوامل، منها: عامل الأغلبية والسيطرة التي تستدعي عدم إظهاره والإلحاح عليه لعدم إثارة الأغلبية علي الأقلية، وأسباب أخري عديدة سنأتي عليها في المقالات القادمة. لكن هذا الإجحاف الواقع علي الطرفين هل أسبابه دينية محضة؟ كما يروج البعض ويحاول عن قصد أو غير قصد أن يلصق الأسباب بالدين (الإسلام والمسيحية)، أم أن له أسباباً أخري استدعت ضرورة الزج بالدين حتي بدا ظاهراً للعيان أن الصراع صراع ديني؟ أنا من وجهة نظري أري أن الصراع في الأساس هو صراع سياسي شخصي ابتدءه البعض من الطرفين لتحقيق طموحات ومكاسب ونزوات سياسية شخصية لا علاقة لها بالدين. إلا أنه في سبيل تحقيق تلك الطموحات لم يكن للبعض بدا في سبيل تحقيق طموحاته سوي استدعاء الدين لإثارة النعرات الدينية والطائفية والعزف علي وتر المشاعر الدينية للمسلمين والمسيحيين البسطاء إلي أن امتد الأمر، فوصل للأسف الشديد إلي ساحة النخب المثقفة في الطرفين إلا قليل ممن رحم ربك. وما سوف أقوم بسرده في المقالات القادمة من حقائق وتفاصيل ووقائع حقيقية موجودة علي أرض الواقع الحقيقي ربما لا يتحدث عنها أحد، ولم يتحدث عنها أحد من قبل، لا لقلتها أو لخفائها، لكن لأن الشحن الديني والطائفي وصل لدرجة جعلت كثيرين يتعمدون إخفاء الحقائق والتعتيم عليها وتبريرها وتفسيرها في إطار غير إطارها الموضوعي، ليبقي المتكسبون من الطرفين قابضين علي ما تم تحصيله من مكاسب وامتيازات، إذ إن التقليب في سرد الواقع كما هو وسرد الحقائق كما هي ربما يتهدد تلك المكاسب التي لولا وجود الفتنة الطائفية واشتعالها وإخمادها كل حين، لما حلم البعض بالتحصل علي عشر معشار ما تم التحصل عليه من مكاسب، وهي في جلها مكاسب شخصية وسياسية وطائفية وليست مكاسب حقوقية حقيقية لجميع المواطنين مسلمين أو مسيحيين. وإن كل ما سوف أتحدث عنه من وقائع وحقائق تثبت مدي الإجحاف الواقع علي المسيحيين المصريين، إلا أنها والحق يقال وبكل موضوعية وصدق وأمانة في القول ودون تحيز ليست لها أي علاقة بالدين الإسلامي كدين ولا بالدين المسيحي كدين وإن اتخذت من الدين لباساً ومظهراً. وإن حاول بعض من الطرفين أن يلصقها بدين الآخر فهو تكتيك يأتي ضمناً كأحد أسلحة الحرب غير النظيفة التي تحاول تحقيق أكبر قدر من المكاسب علي حساب تشويه دين الآخر وازدرائه والتحقير منه والمبالغة في إظهاره في أحط ما يكون، ناهيك عن تجنيد وشراء بعض من يعملون في الصحافة والإعلام من ضعاف النفوس ومن لا مبدأ لهم من الطرفين أو من الطرف المضاد لتحقيق ذلك مما لم يعد خافياً علي أحد. باحث إسلامي مقيم بأسيوط