قبل عامين من معانقة عامها التسعين، رحلت الفنانة الرائدة القديرة فاطمة رشدي، في الثالث والعشرين من يناير سنة 1996، كانت ملء الأسماع والأبصار منذ منتصف العشرينيات إلي نهاية الأربعينيات في القرن العشرين، ثم بدأت الذبول والضمور والتراجع والانكسار في الخمسينيات، وأسدلت ستائر النسيان في العقود التالية، تدهورت أوضاعها المعيشية في سنواتها العشرين الأخيرة، ووصل بها الحال في السنوات الخمس الأخيرة إلي الرضا الاضطراري بالإقامة في فندق متواضع يتردد عليه بسطاء وفقراء لا يعرفون شيئاً يذكر عن التاريخ المجيد لجارتهم العجوز التي لا تستحق إلا الرثاء، وحتي الذين يعرفون اسمها وملامحها من الأفلام التي يعرضها التليفزيون، وبخاصة فيلم «العزيمة»، الذي أخرجه رائد الواقعية كمال سليم لن يجدوا شبهًا بين المرأة المتهالكة أمامهم، وذلك التوهج القديم الذي سحر الألباب وسكن القلوب. لا يستطيع مؤرخ منصف لتاريخ المسرح والسينما في مصر إلا أن يتوقف طويلا أمام اسم فاطمة رشدي، فهي «سارة برنار» الشرق، وهي البطلة لستة عشر فيلما، بدأت ب«فاجعة فوق الهرم» سنة 1928 وانتهت ب«الجسد» سنة 1955، وفضلا عن موهبتها في التمثيل وشعبيتها الجارفة فقد كوّنت فرقة مسرحية شهيرة تحمل اسمها، وخاضت تجربة الإخراج السينمائي في مغامرة مبكرة تحسب لها، وأضافت إلي المكتبة الفنية كتابين، أولهما عن كفاحها في المسرح والسينما، وثانيهما عن زوجها وأستاذها راهب المسرح وعاشقه: عزيز عيد. ما أكثر الفنانين الذين تعرضوا لقسوة القدر وضرباته التي لا ترحم، فإذا بالأضواء تنحسر، والإمكانات المادية تتراجع إلي درجة التلاشي، والاهتمام يخبو بعد ضياع كل شيء: الصحة والشهرة والمال! ليست المسألة هنا في البحث عن المسئولية: هل تكمن الأزمة في استهتار الفنان وإسرافه غير المحسوب؟ أم في ظروف موضوعية لا يمكن التحكم فيها؟ ذلك أن التجربة المستخلصة من حياة «فاطمة رشدي» وغيرها تتمثل في ضرورة وجود وعاء نقابي قوي، يؤمن حياة كريمة لمن تعبث بهم الأقدار وتسخر وتقسو فإن لم يكن البذخ والرفاهية، فلا أقل من نعمة الستر!