المرأة من أهم عناصر الطبيعة وأكثرها جدلا، تم تناولها بأشكال وقراءات عديدة، من هذا المنطلق جاء المشروع الفني للفنانة رشا رجب، الذي تعيد فيه قراءة أعمال السابقين من الغرب، ورؤيتهم للمرأة عموما، وكيف قدموها كنموذج أنثوي، يعكسون من خلال الجسد كيف يفكر وكيف يقدم نفسه، أيضا المرأة الشرقية ذات السحر الخاص، وثقافتها الشرقية المميزة، التي انعكست علي أعمالهم المختلفة، خاصة أعمال المستشرقين في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، الذين رصدوا وجهين فقط للمرأة بالشرق، مختلفين ومتناقضين، الأول البيضاء المدللة، والثاني للزنجية الخادمة التي تقوم بكل الأعمال التي تسعد وتوفر كل سبل الراحة "للبيضاء". انقسم معرض رشا رجب، الذي أقامته بدعوة من المركز الثقافي المصري بباريس في ديسمبر الماضي، إلي جزءين الأول " حريم .. حريم " وله شقان، الشق الأول عرض أداء حركي performance تقوم فيه رجب بدور المرأة الزنجية الخادمة، أرادت فيه أن تنتصر لحق "الخادمة" التي ظلمت لسنوات وقرون طوال، ورأت أن الاحتفاء بالمرأة البيضاء ووضعها في دور البطولة في لوحات المستشرقين لم يكن سوي لأنها تشبههم، ورأوا أنها تم تهميشها، متناسين أن الزنجية هي الأخري في نفس الوضع، إنما لظروفها كملونة لم تلق استحسانا لدي النبلاء والملوك والولاة، كلتاهما ظلمت في الواقع وفي الفن أيضا. لذا أكدت رشا في عرضها علي هزال هذه البيضاء التي لا تقوم بأي شيء وحدها، مؤكدة علي ذلك بتقديمها كدمية مصنوعة بلا ملامح واضحة، تحركها خادمتها بهدوء كامرأة محترفة تدرك صناعة الجمال والأنوثة، لم تعد البيضاء هي البطل بل أصبحت الملونة وهي المحرك الخفي للأحداث، معتمدة علي مفهوم هدم الفكرة الأصلية ونقضها بعد السكوت عنها قرونا محتبسة في خلفية لوحات المستشرقين. الشق الثاني هو 15 لوحة فنية مصاحبة للعرض نفذتها رشا بخامات متعددة علي التوال، مبنية علي الطباعة الديجيتال، التي أخذت لقطاتها من العرض الحركي مع خلفيات من لوحة "أولمبيا" للفنان العالمي إدوارد مانيه، و لوحتان من أعمال جيروم وهما "الحمام المغربي" و"المساج"، واستوحت منهما العرض، وقامت بالتلوين عليهما بألوان الأكريليك واستخدام الورق المذهب، أيضا لم تنس الفنانة رشا جزءا مهما من ثقافتنا العربية وهو "الحرف العربي"، لكنه لم يكن موظفا بشكل يتناسب وقوة حضوره وقدراته المتنامية في شكل الحرف نفسه. الجزء الثاني من المعرض هو عرض آخر بعنوان "نساء بيكاسو" أداء حركي performance مستوحي من لوحات بيكاسو مثل "امرأة أمام المرآة"، "الباكية"، "القبلة"، مختتمة عرضها بلوحة "القارئة علي الكرسي الأحمر"، أرادت رجب أن تزيل طبقات بيكاسو لتصل إلي المرأة الأصلية التي جسدها بيكاسو برؤيته المتكسرة والتي ظلمت جمالها وأنثويتها، بأسلوبه الهندسي وخطوطه المتكسرة وألوانه الصاخبة، وكأنها تشهد الحاضرين علي ما فعله بيكاسو بامرأة القرن العشرين والتي ما لبثت أن خرجت إلي الحياة وسوق العمل والمشاركة السياسية والاجتماعية لتؤكد علي حضورها الإنساني، تاركة أزيائها الفضفاضة وانشغالها بزينتها. استخدمت جسدها أيضا لترسم عليه خطوطا من روح خطوط بيكاسو المتعرجة وكأنها ترسم المتاهة التي سقطت فيها في تعاملها مع أعمال بيكاسو الشديدة الذاتية لدرجة التعقيد أحيانا، محاولة إدخال مشاهديها في هذه المتاهة معها. قد تريد الفنانة إمضاءات شهود العيان علي القهر والظلم الواقع علي المرأة حتي في الفن التشكيلي، في عروضها الأدائية التي تقدم فيها الرؤي "التفكيكية" للأعمال المختلفة كذلك إعادة القراءة لها واستنطاق الحقيقة المختفية في باطن هذه الأعمال.