من منا لم يداعبه خياله فى تساؤلات لا منتهية عن شكل القاهرة قديماً قبل وجود الكهرباء والآلات الحديثة التى سهلت علينا حياتنا وباتت لا غنى لنا عنها.. من منا جلس مع جده أو جدته الذى تجاوز عمره الثمانين عاما وسمع حكاياتهم عن المعاش واليومى فى أوائل القرن العشرين، حتى ولو سمع بعضنا من جده أو جدته سوف يداعب خياله تساؤلات أخرى عن المائة عام التى سبقتهم، فى هذا الزمن وهذا السياق تأخذنا «رشا عدلى» وهى روائية وباحثة فى تاريخ الفن التشكيلى فى جولة تاريخية فى القرن التاسع عشر لتجوب بنا شوارع القاهرة بعبقها التاريخى وقصورها المترامية الأطراف وتداعب مخيلاتنا من خلال أعمال فنية متميزة نفذها فنانون مستشرقون جاءوا مع الحملة الفرنسية أو ترامى إلى مسامعهم سحر الشرق فأتوا إلى القاهرة ليسجلوا بريشهم ذلك السحر الذى نقل للغرب من خلال بعض المترجمات مثل ألف ليلة وليلة، فى أكثر من مائتى صفحة من القطع المتوسط بدأت «رشا عدلى» ترسم لنا صورة للقاهرة التى لم نعشها فى كتابها «القاهرة... المدينة... الذكريات» إعتمدت فيه على تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أبواب بدأته ببداية الاستشراق، ثم العصر الذهبى للاستشراق فى حقبة محمد على باشا ومذبحة القلعة والحفلات الأسطورية التى كان يقيمها أفراد أسرته ثم نهته بالحديث عن الحركة الاستشراقية فى القاهرة الخديوية وهو الجزء الأكثر أهمية حيث تناولت فيه كل مظاهر الحياة فى الشارع المصرى فى هذه الحقبة الزمنية مثل (الأجناس المختلطة فى الشارع المصرى - الأزياء، مهن مندثرة والأطعمة والمشروبات والعادات والتقاليد والحفلات والمساجد والمآذن وغيرها الكثير). تقول رشا فى مقدمة كتابها: تكمن أهمية هذا الكتاب فى أنه يكشف بالدراسة والتحليل فترة زمنية مهمة فى التاريخ المصرى وهى تحديداً القرن التاسع عشر (1800 - 1900) وتعتبر تلك الفترة بمثابة طفرة فى التقدم من جميع النواحى استهلها محمد على باشا ببداية حكمه 1805 وعلى مدى القرن حدث كثير من الأحداث والتغيرات الجذرية فى المجتمع المصرى بعد حكم المماليك الذى ساده الظلام والذى استمر لسنوات طويلة ويكشف الكتاب الستار عن الدور الذى لعبه الفن الاستشراقى فى إظهار جوانب الحياة فى مصر فى تلك الفترة، فتلك الحياة التى عاشها أجدادنا بكل ما تحمله معها من عادات وتقاليد كادت أن تختفى لولا تلك المواثيق والمراجع التى كتبها عنهم الكثير من الأدباء المستشرقين من بلدان الأرض جميعا».
والكتاب مدعم بمجموعة كبيرة ورائعة من اللوحات والتى رسمها أهم فنانى أوروبا فى ذلك الوقت وكلنا نعلم أن نابليون كان دائماً ما يصطحب معه فى غزواته رسامين من العيار الثقيل أمثال «دافيد» مؤسس المدرسة الكلاسيكية الجديدة فى فرنسا، ضم الكتاب لوحات عن المعاش اليومى فى الحارة المصرية لفنانين مثل «لودفيغ دويتش، جون فريدريك لويس، رودلف أرنست، كارل ميلر، ومحمود سعيد من مصر وغيرهم»، ربما ما يعيب الكتاب هو صغر المساحة المخصصة للأعمال الفنية وبقى أن نذكر أن الكتاب (القاهرة... المدينة... الذكريات) إصدار سبتمبر 2012 عن دار نهضة مصر للنشر.