"من الواضح أن الصراع الراهن المتعلق بحرية الإنسان قد أصبح مرتبطا بمواضيع الاحتباس الحراري وتغير المناخ"، هكذا يري فاتسلاف كلاوس رئيس جمهورية التشيك في كتابه الصادر عن الهيئة العامة للكتاب - مكتبة الأسرة - سلسلة العلوم الاجتماعية بعنوان "كوكبنا الأزرق في قيود خضراء.. أيهما في خطر: المناخ أم الحرية". ومن منطق تداخل أخطار البيئة مع تحديات السياسة، يدلل كلاوس علي فرضيته الأساسية بأن الدول الفقيرة ستصبح رهنا في أيدي أنصار البيئة الذين يقترحون وضع حدود أمام التقدم البشري بمقابل ثمن باهظ، ومن ثم سيكون الضحية هم الناس الأكثر فقرا. ويعود كلاوس ليكرر في أولي فصول الكتاب بعنوان "تحديد القضية"، مقولة أحدهم بأن "حماية البيئة هي إحدي أقوي ديانات اليوم في العالم الغربي"، وبما أن أحد تعريفات الدين هي أن قناعتك لا تتعب نفسها بالحقائق، فكذلك يغمض البيئيون أعينهم عن الكثير من الحقائق التي تبطل دعاويهم، ويتمسكون بحقيقة واحدة متعصبة عن أخطار البيئة حتي لو جاءت علي حساب خطر حياة الإنسان. يري كلاوس أن أكبر تهديد للحرية والديمقراطية والسوق الحرة والرخاء في القرن الحادي والعشرين لم يعد هو النظام الاشتراكي، بل إن التهديد الأشد تمثله الآن أيديولوجيات الحركة السياسية كونها طموحة ومتغطرسة، وتظهر بصفتها الأولي من نوعها التي تتناول موضوع نظافة وحماية البيئة، إلي درجة تقييد حرية الإنسان والتضحية حتي بأرواح البشر! وينتهي المؤلف إلي حكم نهائي يقول بأنه "إذا تعمقنا في أفكار البيئيين نجد أنها أيديولوجية ضد الإنسانية بشكل عام". ففي الوقت الذي دمر فيه الاشتراكيون حرية البشر باسم شعارات إنسانية نبيلة، يفعل أنصار البيئة الشيء ذاته بحسب كلاوس ولكن تحت شعار يعلن الاعتناء بالطبيعة بصورة تعلو حتي علي الإنسان نفسه. مجمل ما يذهب إليه الرئيس التشيكي هو حقيقة يغفلها البيئيون، وهي أنه علي غرار ما يبحث الإنسان عن أساليب وظروف حياتية مناسبة، فإن الطبيعة هي الأخري دائمة التغيير، بما لا يستدعي الخوف من الظروف الجديدة للطبيعة. أي أنه لا توجد هناك صورة مرسومة سلفا للعالم المثالي وأنه يجب علينا حمايتها. يلفت المؤلف انتباهنا إلي أن آراء نقاد حركة البيئيين - ويمثل هو واحد منهم - غالبا ما يتم اعتبارها غير صحيحة سياسيا، لأن هؤلاء النقاد يجمعون تقريبا علي رأي واحد، وهو أن الأمل الوحيد لكوكبنا هو في انهيار الحضارة الصناعية، وأن النمو الاقتصادي في البلدان الغنية هو مرض وليس علاجا لمرض. ومن هنا يستخف المؤلف بحجة البيئيين القائلة بأن نفاد المصادر الطبيعية أخطر تحديات البيئة، ويوافق الرأي القائل بأنه "عندما تنفد مصادر البترول يوما ما في المستقبل، سيكون الأمر من لحظات التاريخ عديمة الأهمية، تماما كما حدث عندما استنفد زيت السمك". أما الطريف فهو ما ينقله المؤلف عن مايكل كرايتون أحد نقاد حركة البيئيين، بأن تيدي روزفلت أبرز الشخصيات البيئية عام 1900 لم يكن يعرف مصطلحات معينة، منها القنبلة الذرية والنظام البيئي والإنترنت ونيترون وموجات تسونامي وال "دي في دي"! أما بخصوص حقيقة الاحتباس الحراري فيفرد لها المؤلف فصلا كاملا يشكك فيه في مصداقية الإحصاءات الماضية والحالية، ويذهب كذلك إلي أنه يمكن النظر إلي قضية الاحتباس الحراري علي الأرض من زاوية الزمن وتطور كوكبنا، تماما كالإنسان نفسه الذي يتعرض إلي تغييرات في درجة حرارة جسمه. بمعني أن المؤلف لا يشكك في ارتفاع درجات الحرارة ولكنه يطرح أسئلة تخص معدل التزايد والمقترحات السياسية بشأنه. وفي النهاية يورد رأي فريد سينجر من جامعة فرجينيا بأن ارتفاع معدل درجات الحرارة سيكون أقل مما تتنبأ به النماذج المتاحة من متخصصي المناخ، أقل إلي درجة سيصعب حتي قياسه. في فصل بعنوان "ما العمل" يؤكد فاتسلاف كلاوس علي ضرورة ترك الأمور والأشياء علي تطورها المعتاد: حركة نمو البشر علي طبيعتها، والنظام البيئي علي سجيته، ويقول: "إن أفضل بيئة للإنسان هي بيئة الحرية، وإن الجدل الدائر حول قضية الاحتباس الحراري هو جدل حول الحرية، يود البيئيون قيادتنا في المستطاع وغير المستطاع في جميع الأمور".