الحزم هو صدي الحكمة والعقل والاهتمام بمصلحة الطفل أما القسوة فهي صدي الانفعال الذي تفوح منه رائحة الغضب المستشيط وبين الحزم والقسوة شعرة اختلف الأصدقاء الثلاثة عليها وهم صغار واجتمعوا عليها كباراً "حالة واحدة عشنا معها أو عاشت بداخلنا وجعلت منا أعز أصحاب ".. بتلك الكلمات بدأت السيدة أميرة سليمان سيدهم حديثها عن حياتها مع صديقات العمر نرجس وسميحة داخل مدرسة الراهبات فتقول نحن أصدقاء منذ سن الخامسة سن دخول المدرسة تواترت بنا الأحداث بعد حصولنا علي الشهادة الثانوية فافترق كل منا في طريق ولم نتقابل إلا بعد تخرجنا في الجامعة فعدنا من جديد أصدقاء أكثر من ذي قبل لتأخذ صداقتنا شكلا آخر أنضج وأعمق وفي جعبة كل منا حصيلة من الذكريات تكفينا عمرا فوق العمر. تكمل قائلة: في مدرسة الراهبات كان هناك نظام قاس حازم ولكننا اعتدنا عليه فبقدر صرامته بقدر ما استطاع ان يغرس بداخلنا اشياء لم نكن لنتعلمها في مكان آخر فأذكر أنه كانت هناك حصة تدعي «الريادة والأخلاق وهي كانت تشبه تعلم أصول إتيكيت الأخلاق» عايزين يعلمونا كل حاجة بالمسطرة". وهنا تتابع نرجس نجم الدين علي الرغم من أننا كنا ناقمين علي نظام المدرسة كعادة الأطفال في مثل هذا العمر الثورة علي قوانين الأسرة بغض النظر عن قيمة ما نتلقاه من مبادئ، إلا أننا أدركنا بعد مرور السنوات قيمة ما تعلمناه من الراهبات. وتؤكد أميرة أنه لم يمنعنا ذلك النظام الحازم من ممارسة أشياء لطيفة نجد فيها متنفسا لحياتنا داخله مثل الرحلات فنحضر في فترة الراحة كاسيت ونستمع للأغاني الحديثة ونضحك ونلهو فضلا عن أنه كانت هناك أنشطة أخري تجمعنا وبخاصة الأنشطة الفنية. تعلق نرجس علي حديثها فتقول أنا وأميرة تزعمنا الأنشطة الفنية بخاصة المسرحية وكان المدرسون يشجعوننا علي ابراز مواهبنا وفك حالة الملل من جمود المواد الدراسية فكانوا يعدون إذا ما أنجزنا في شرح الدرس وفهمه جيدا يمكننا أن نخصص آخر ربع ساعة من الحصة للترويح عنا فهناك من يغني ومن يمثل فاصلاً كوميديا ومن يلقي الشعر ومن يقوم بتقليدهم وفي كل مرة يفاجئ معلمينا والراهبات بمالدينا من طاقات ومواهب يمكن تنبئ برواد في مواقع عدة. وعن أطرف المواقف التي مرت بها تقول نرجس أثناء تواجدنا في الصف كانت المعلمة تقوم بشرح الدرس عندما انتشرت حمي الكلام بين الفتيات فتوقت عن الشرح اعتراضا علي عدم اهتمامهن به وأصرت أنها لن تكمله إلا في حالة ظهور مرتكب جريمة الشروع في الكلام أثناء حصتها وكان ذلك أثناء مرور إحدي الراهبات فقررت أنه سيتم عقاب جميع من في الصف لأنه لايوجد منهم من يتمتع بالشجاعة الأدبية ليفصح عن الفاعل فواتتني الشجاعة وأفصحت أنا عنه وشهدت علي تورط كل من سميحة وأميرة في الجريمة وقامتا بعقابي بعد ذلك مكافأة لي علي شجاعتي الأدبية. تضيف أميرة علاقة الحب بيننا لم تولد بين يوم وليلة وانما كان بطلها عشرات المواقف التي مرت بنا بحلوها ومرها أن تجد الدموع في عيني الآخر تعاطفا معك لشر أصابك أن تتحد قلوب مدرسة كاملة معلميها وطلابها بالدعاء لأبي والصلاة له حتي يتعافي من مرضه عشرات الصور تتعلق بذاكرتنا وتلازمنا فتكون إذا ما غضب أحدنا من الآخر كشلال مياه يتدفق علي نيرانه فما يتبقي لها من وجود وإذا ما ضاقت بنا الدنيا ومر بنا العمر كانت الذكري هي أجمل ما في العمر.