** المجال الرياضى ملهم بحق.. بضم الميم وتسكين اللام وكسر الهاء.. فقد تبدت بركاته ونفحاته على مصر كلها عبر الأسابيع والشهور الطويلة الماضية.. وربما كان ما يحدث فى كل مناحى الحياة فى مصر، ما هو إلا استنساخ لما يجرى فى ساحة الرياضة، منذ سنين طويلة، ومنها ما انتهت إليه نتيجة الانتخابات الرئاسية، التى بدت مثل الصراع بين فريقى الأهلي والزمالك، وما يسبق هذه المباراة من شد.. وعصبية.. وتوتر، إلى جانب ما يستتبعها من انفعال.. وانفلات.. وخروج عن النص.. وتصريحات غير مسئولة، ورفض لقرارات الحكام، وتمرد على أى قواعد، وأجزم بأن ما جرى فى ساحة الرياضة، وتحديدا كرة القدم، هو الذى علم الناس كل ما نراه خلال الثمانية عشر شهرًا الأخيرة.. فقد اختزن الناس كثيرًا من صور الانفلات، والخروج عن القانون، وتحدى الثوابت، وكان الإعلام الرياضى نفسه، وبالتحديد.. الإعلام الفضائى، هو الذى أكمل المهمة على أكمل وجه، حين قدم للناس أبرز وأوضح صور التلون، والتحول، والنفاق، والتخديم على المصالح دون نسيان الكلام عن الأخلاق، والتأكيد على معانى الشرف والنزاهة، أى أنه كان يتكلم عن الأخلاق والقيم، وفى ذات الوقت لا يشعر بأى غضاضة، حين تكشفه الناس وهو يمارس النصب، أو يتم ضبطه وهو يضع يده فى جيب شخص آخر.. لنشل محفظته! الرياضة والإعلام الرياضى.. هو الذى أفسد كل شىء.. وهو الذى علم الإعلام فى المجالات الأخرى أن يؤدى بهذه الصورة التى كرهها الناس، ورفضوها لقناعتهم الكاملة بأنها ضد مصلحة مصر.. تخيلوا كيف يرفض الناس أحكام القضاء، ويتمردون على أى قواعد يمكن الاحتكام إليها؟ أوليس هذا ما كان يجرى فى ملاعب الكرة؟ أوليس هذا ماكنت أحذر منه مرات وسنوات؟ ألم أقل إن هذا يعلم الناس كل النماذج السلوكية السيئة؟ قلتها ولم يسمع أحد.. ولا يبدو أن أحدا سيسمع هذه المرة أيضا!! =*= ** على يقين شبه كامل.. أن منتخب مصر لن يتأهل لنهائيات كأس العالم فى البرازيل عام 2014، ولن نكون هناك كالمعتاد، رغم قناعة البعض بأننا قريبون جدا هذه المرة من التأهل.. وقد حدث وكتبت من قبل متناولا هذا المعنى، وفى نفس هذا المكان، وكان ذلك فى نفس الأسبوع، الذى شهد فوز منتخب مصر، على منتخب غينيا فى ثانى جولات التصفيات، وارتفاع رصيده إلى ست نقاط، الأمر الذى يعنى قربه الشديد من الوصول إلى المحطة النهائية للتصفيات، والتى سيواجه فيها واحدا من المنتخبات الكبرى فى مباراتين، ذهابا وعودة، ليصل من يحسم مجموع المباراتين إلى النهائيات مباشرة، والحقيقة أننى لم أكن أضرب الودع، ولا أقرأ الغيب، ولكن ما حدث أننى لم أفعل سوى تحليل الأحداث، التى تجرى أمامى، ومارست التدقيق فى التفاصيل الكثيرة، التى تتدافع أمامى، إلى جانب ما أمتلكه من مصادر معلومات، وكانت محصلة كل هذا، هو الوصول إلى تصور شبه مؤكد، بعدم قدرتنا على التأهل، وأظن أن ما أقوم به، هو فى صميم دور المحلل والخبير، وأيضا المتخصص فى مجال بعينه، إذ يبقى دوره المهنى الحقيقى، هو قراءة الأحداث، وتحليل المواقف، واستخلاص النتائج، حتى لا يكون فى النهاية مثل الجمهور.. وربما أقل منهم، يردد كلامهم، أو يرى مثلهم، أو يحكم بمثل أحكامهم، أو يقع أسيرا للعواطف، التى تحكم أفكارهم، بل عليه أن يخضع لقواعد التفكير المنظم، والتحليل المنطقى، والرؤية المجردة للأشياء دون أية حسابات مهما كانت. بنيت تصورى لمسألة عدم التأهل، بناء على الأوضاع المنهارة تنظيميا داخل المنتخب، إلى جانب حالة الانفلات المرعب، الذى تبدى على سلوك عدد غير قليل من اللاعبين، ووصل الأمر إلى حد عدم اتخاذ مواقف واضحة وتربوية من جانب الجهاز الفنى.. وقد تعلمت أن لا أحد يستطيع النجاح، حتى لو كان "أينشتاين" لو كان يفتقد الأجواء الانضباطية السليمة، والقواعد الأخلاقية الصحيحة، ولا يقنعنى أحد بأنه قادر على الصعود للقمر دون أن يلتزم بمثل هذه المعايير.. وهو قد ينجح فيها مرة، ولكنه سيفشل فيها مرات، لأن الدنيا كلها أجمعت على أهمية هذه الجوانب، وربما قبل اللعب والمهارة والتكتيك.. وعندما تغيب، ويحضر الفوز يتصور البعض أنه ليست هناك مشكلة؟ ولكنه سيعرف الحقيقة حين يغيب الفوز.. وقد جاء الرد سريعا، بالخسارة أمام أفريقيا الوسطى فى مصر.. وانتظروا الأسوأ.. ولن أغير كلامى، فلن نتأهل لكأس العالم.. إلا لو عادت الأمور كما ينبغى أن تكون.. أتمنى. =*= ** شاهدنا كأس الأمم الأوروبية.. تماما مثلما تابعناها من قبل بدلا من المرة مرات، وكالمعتاد.. نخرج بعد كل مباراة، ونحن على يقين بأننا نلعب أى شىء.. غير تلك اللعبة، التى يمارسونها بكل حرفية، ومهارة، واحترام!! نشاهد هذه النوعية من المباريات، ومعها مباريات كأس العالم أيضا.. فنصبح على قناعة كاملة، بأن ما عندنا ليس إلا وهمًا كبيرًا.. أو قل إنه عملية نصب منظمة، ومحبوكة، تقوم فى الأساس على الإيحاء للجماهير المغلوبة على أمرها.. بأن ما نراه هنا فى ملاعبنا، هو كرة قدم، وأن نجومها الأشاوس.. لا يقلون مهارة، ولا إبداعا عن أى واحد ممن نشاهدهم فى الملاعب الأوروبية.. وهو أمر غير صحيح بالمرة، وتنطوى كل كلمة فيه على مغالطة حقيقية، فلا التى عندنا هى كرة قدم مثل تلك التى يلعبها الأوروبيون، ولا أحد من أولئك الذين يلعبون فى ملاعبنا يشبه أى أحد ممن يظهرون فى مباريات تلك البطولات المحترمة!! شتان الفارق.. ويالها من فجوة بين المستويات، والأداء، والسلوك، والروح الرياضية، واللياقة البدنية، واحترام المنافس، واحترام العمل الذى يؤديه، وتقدير كل من حوله بما فيه الجمهور الذى يتابعه، ومنه جمهور المنتخب المنافس.. وهذه هى مفردات التقدم، وهى أيضا.. آليات الحضارة، ووقودها!! ويبقى هنا أن أسأل: ما رأى السادة النجوم فى بلدنا العزيز؟ كيف يرون المباريات المبهرة، والمستويات المذهلة مقارنة بما يقدمونه فى ملاعبنا؟ هل لا يزالون على قناعة بأن ما نمارسه هو كرة قدم مثل تلك التى يلعبونها فى القارة الأوروبية؟ أوليس كثيرا أن نبقى رغم كل هذا نرفع من عندنا، حتى بدوا وكأنهم أفضل من الأوروبيين فى كل شىء؟ ما رأى الكابتن وزة.. والمعلم بسة.. وفريق الأسد المرعب فى الملايين التى يحصلون عليها دون وجه حق؟ هل هم راضون عن أنفسهم أم يشعرون بشىء من وخز الضمير لأنهم لا يستحقون كل هذا؟ أنتظر أن يملك أحد شجاعة الإجابة.. فلا أحد سيرد، ولا أحد سيتكلم، والمشكلة ليست فى وزة ولا قطة ولا الأسد المرعب.. المشكلة فيمن يدللونهم، ويضعونهم فى مرتبة أعلى من البشر العاديين، ويرونهم منزهين عن الخطأ، ويلعبون الكرة بإلهام.. وقدرات خارقة.. إنه الجمهور يا سادة، هم الذين يدللون، وهم الذين يفسدون، وهم سبب كل ما يجرى فى كرة القدم فى مصر.. ولو اعتدلوا وصاروا مثلما يفعل الناس فى أوروبا لتغير وجه الشيء من النقيض للنقيض!!