امتزجت الرياح العاصفة بلمحة من الحزن وإحساس بالفخر في حفل ختام اولمبياد ريو دي جانيرو 2016 صباح أمس الاحد لتتنفس البرازيل الصعداء مع نهاية أول دورة ألعاب أولمبية صيفية تقام في أمريكا الجنوبية. وعقب 17 يوما منهكة نحت ريو معاناتها بسبب المدرجات الخالية والمخاوف الأمنية وحوض غطس تحول لونه للأخضر بشكل غريب لتطلق احتفالا ضخما يشبه الكرنفالات. وامتزج راقصو السامبا والمغنون وقارعو الطبول مع ببغاء ضخم بريش كثيف والآلاف من الرياضيين في استاد ماراكانا متعدد الطوابق فيما أضاءت مجموعة من الألعاب النارية السماء في نهاية المشهد. وحضر البرازيليون إلي حفل الختام وهم سعداء وارتدي الكثيرون منهم القميص الاصفر الخاص بالفرق الرياضية للبلاد بعد فوز البرازيل بميداليتين ذهبيتين في الرياضتين المفضلتين في البلاد وهما كرة القدم والكرة الطائرة للرجال. إلا ان صباح امس شهد ظروفا مناخية صعبة بالنسبة لحفل بمثل هذا الحجم. وضربت رياح قوية استاد ماراكانا وانقطع التيار الكهربائي لوقت قصير عن جزء من الاستاد والحي المحيط به قبل وقت قصير علي انطلاق الحفل. وأغرقت الأمطار الراقصين في حفل الختام والمئات من الرياضيين مع دخولهم للمشاركة في الاحتفال وقد طوقت الميداليات أعناق الكثير منهم. وكان من بين هؤلاء فريق كرة السلة الأمريكي للرجال الذي فاز بالذهبية يوم الأحد. وعلي أنغام الموسيقي التقليدية البرازيلية رقص الرياضيون الاولمبيون ولوحوا بأعلام بلادهم احتفالا بمكانهم في أبرز المحافل الرياضية العالمية. وشاهد الرياضيون بالفعل آخر مراسم تسليم الميداليات في اولمبياد ريو والتي بلغ عددها 306 والخاصة بماراثون الرجال الذي أقيم في وقت سابق يوم الأحد. وسلم توماس باخ رئيس اللجنة الاولمبية الدولية الميدالية الذهبية للكيني إيليود كيبتشوج الفائز بالسباق. وسلمت المدينة العلم الاولمبي لطوكيو التي ستستضيف الاولمبياد الصيفية 2020 وظهر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في الاستاد متقمصا شخصية ألعاب الفيديو الشهيرة »ماريو» لينتقل عبر أنبوب من طوكيو لريو. وأعلن باخ ختام الألعاب الاولمبية وأعرب عن أمله بان تترك الاولمبياد أثرا يستمر طويلا علي المنطقة الحضرية البالغ عدد سكانها 12 مليون نسمة. وقال باخ »الاولمبياد ستترك إرثا فريدا لأجيال قادمة. التاريخ سيتحدث عن ريو دي جانيرو قبل وعن ريو دي جانيرو أفضل بكثير عقب الدورة الاولمبية.» وفي حركة رمزية أخيرة تم إطفاء الشعلة الاولمبية التي جري إيقادها في 5 أغسطس الجاري من خلال مرجل صغير صديق للبيئة. وتم إطفاء الشعلة بواسطة أمطار صناعية. استحضار المواهب وفي خضم أسوأ أزمة ركود اقتصادي منذ الثلاثينيات من القرن الماضي بدأت البرازيل وأنهت الاحتفالات معتمدة بشكل اكبر علي المواهب المتفردة والجمال الطبيعي مع القليل من الاعتماد علي التكنولوجيا المكلفة. وشهد يوم الأحد معزوفة تشمل مجموعات من النساء اللاتي يرتدين ملابس بيضاء وموسيقي الفورو التي تعود جذورها لشمال شرق البرازيل مما أثار موجة من الفخر بين البرازيليين. وفي واحدة من اللحظات الرائعة في الحفل تم التركيز علي الفنون القديمة التي عثر عليها في متنزه سيرا دا كابيفارا الوطني وهو موقع تراثي عالمي تابع لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في شمال شرق البرازيل ويضم رسومات في كهوف تعود لأكثر من 25 ألف سنة مضت. لكن الأوقات الصعبة التي تمر بها البرازيل ألحقت الضرر بهذا الجمال. وهذا الأسبوع أعلنت المؤسسة التي تشرف علي المتنزه انه لن يكون بوسعها القيام بذلك بسبب قلة التمويل. ورغم كل المشكلات التي حدثت قبل وأثناء الألعاب فإن ريو سيتم تذكرها قطعا بسبب اللحظات الرياضية الرائعة التي شهدتها. فقد شهدت الدورة عودة مميزة للسباح الأمريكي مايكل فيلبس الذي فاز بخمس ذهبيات وفضية واحدة ليعزز من مكانته كأكثر الرياضيين الاولمبيين تتويجا بالألقاب علي مر العصور. وأسدل الجاميكي يوسين بولت الستار علي مسيرته الاولمبية الرائعة بضمان اكتساح ألقاب سباقات السرعة للرجال للدورة الثالثة علي التوالي. كما شهدت الدورة بداية مسيرة لاعبة الجمباز الأمريكية سيمون بايلز - التي ستحمل علم بلادها في حفل الختام - في الاولمبياد بمعادلة الرقم القياسي المتمثل في تحقيق أربع ميداليات ذهبية في دورة اولمبية واحدة. لكن وفي بعض الأحيان كان من الصعب التركيز علي اللحظات الرياضية العظيمة التي حدثت عبر المدينة مترامية الأطراف. وكانت أسوأ اللحظات في ريو عندما قال رايان لوكتي وهو واحد من أكثر السباحين الأمريكيين تتويجا بالألقاب انه تعرض للسرقة تحت تهديد السلاح. وأثار هذا المزيد من المخاوف الأمنية عقب سلسلة من الهجمات ضد وزراء ورياضيين وسائحين. لكن أبعاد رواية لوكتي تكشفت بسرعة عندما اكتشفت الشرطة انه اختلق هذه القصة للتغطية علي أعمال التخريب التي قام بها في محطة وقود عقب حضوره لحفل مع ثلاثة من زملائه. وأثارت هذه الكذبة غضب البرازيليين والأمريكيين معا. وشعر البرازيليون بالراحة بسبب حقيقة مفادها انه لم تكن هناك أي حوادث مؤسفة أو مخالفات عقب هجمات مميتة وقعت في أوربا والولايات المتحدة مما استدعي أكثر عملية أمنية في تاريخ البرازيل. وكان حضور قوات الأمن والشرطة استثنائيا حيث تم نشر 85 ألف فرد من قوات الأمن عبر مواقع المنافسات والشوارع ومحاور النقل وهو ما يزيد بنحو الضعف عما تم نشره في لندن قبل أربع سنوات. لحظات صعبة وقالت نيفيا أراوجو المقيمة في ريو أثناء حضورها مراسم الختام »حتي في ظل كل هذه المشاكل قدمنا اولمبياد جيدة. لم يحدث شيء في غاية السوء وأقول إنها كانت أفضل من المتوقع.» وبالنسبة لدولة مهووسة بكرة القدم فان أفضل اللحظات الاولمبية حدثت في ماراكانا حينما تغلبت البرازيل علي ألمانيا في نهائي كرة القدم يوم السبت الماضي وذلك إلي جانب حفل الافتتاح الذي لاقي إشادات واسعة علي الرغم من الميزانية المحدودة. وفازت ريو بحق استضافة الألعاب الاولمبية عام 2009 عندما كان هناك انتعاش اقتصادي وهو ما دفع بالملايين من السكان للحاق بالطبقة الوسطي. وكانت احد المخاوف الرئيسية لدي البرازيليين هي التكلفة النهائية للألعاب والي أي مدي ستساعد حقا في تدعيم البنية الأساسية للمدينة. ولم يستطع الكثيرون من سكان ريو تحمل أسعار تذاكر المنافسات وهو ما تركهم يشعرون بأنهم علي الهامش في ظل اكبر حدث تشهده مدينتهم. لكن وعندما تشرق شمس يوم الاثنين لن يتم النظر للاولمبياد كمصدر إلهاء بالنسبة للبرازيل وستعود البلاد لمواجهة الحقيقة القاسية والتصدي لأزماتها السياسية والاقتصادية. وعلي جانب آخر طالب توماس باخ رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية مصر تحديد موعد واضح لصدور قانون الرياضة الجديد ولم يشترط حد أقصي لذلك.