غرامة تصل إلى 10 ملايين جنيه في قانون الملكية الفكرية.. تعرف عليها    المنيا تنظم فعالية توزيع حوافز سندات الكربون للمزارعين    البورصات الخليجية تغلق على تباين.. والمؤشر القطري يواصل مكاسبه    رئيس هيئة الدواء يستقبل رئيس هيئة تنظيم المستحضرات الدوائية بالكونغو الديموقراطية    البنك الأهلي المصري يطلق حملة ترويجية لاستقبال الحوالات الخارجية على بطاقة ميزة المدفوعة مقدماً    محافظ شمال سيناء يستقبل وفد الاتحاد الأوروبي خلال زيارته العريش (صور)    الليلة.. قناة أون تايم سبورتس تعلن إذاعة مباراة منتخب مصر وبوركينا فاسو    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    إصابة سيدة و5 أطفال خلال عبورهم الطريق أمام عمارات العبور بمدينة نصر    اللجنة الطبية تكشف مفاجأة عن الحالة النفسية والعقلية ل«سفاح التجمع» (خاص)    شخصيات حقيقية وشبه الناس.. صناع الوصفة السحرية يكشفون كواليس كتابة العمل    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    توقيع مذكرة تفاهم بين الرابطة الإيطالية لشركات الأدوية واتحاد الصناعات المصرية    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "أوهمت ضحاياها باستثمار أموالهم".. حبس المتهمة بالنصب والاحتيال في القاهرة    وزير الخارجية يلتقى منسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 الجزائر وفقا للحسابات الفلكية؟    وزير العمل يلتقى نظيره التركي لبحث أوجه التعاون في الملفات المشتركة    رابط التقديم وشروط الحصول على زمالة فولبرايت في عدة مجالات أبرزها الصحافة    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    نقابة المهن التمثيلية تنفي علاقتها بالورش.. وتؤكد: لا نعترف بها    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    «الإفتاء» توضح أفضل أعمال يوم النحر لغير الحاج (فيديو)    هل يحرم على المضحي الأخذ من شعره وأظافره؟.. الإفتاء تجيب    حج 2024| 33 معلومة مهمة من الإفتاء لزوار بيت الله    حركة تغييرات محدودة لرؤساء المدن بالقليوبية    جيش الاحتلال ينفي إعلان الحوثيين شن هجوم على ميناء حيفا الإسرائيلي    لوكاكو: الأندية الأوروبية تعلم أن السعودية قادمة.. المزيد يرغبون في اللعب هناك    الأقوى والأكثر جاذبية.. 3 أبراج تستطيع الاستحواذ على اهتمام الآخرين    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    10 سنوات من الإنجازات.. قطاع السياحة يشهد نموا ًكبيراً ونهضة بمناخ الاستثمار    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    التحالف الوطنى للعمل الأهلى ينظم احتفالية لتكريم ذوى الهمم بالأقصر    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    تباين أداء مؤشرات البورصة بعد مرور ساعة من بدء التداولات    تركي آل الشيخ: أتمنى جزء رابع من "ولاد رزق" ومستعدين لدعمه بشكل أكبر    والدة الأبنودي مؤلفتها.. دينا الوديدي تستعد لطرح أغنية "عرق البلح"    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    انخفاض 10 درجات مئوية.. الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة    وزير الري: تراجع نصيب الفرد من المياه إلى 500 متر مكعب (تفاصيل)    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    بوريل يستدعي وزير خارجية إسرائيل بعد طلب دول أوروبية فرض عقوبات    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أولى صفقات الزمالك وحسام حسن ينفي خلافه مع نجم الأهلي وكونتي مدربًا ل نابولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن العلمانية في بلادنا - سعيد الحاج
نشر في شبكة رصد الإخبارية يوم 22 - 10 - 2013

ربما لم تحظ مفردة سياسية في تاريخنا الحديث، وخاصة في بلداننا، بما حظيت به مفردة "العلمانية" من نقاش وجدال وأخذ ورد، استحال معهم الاتفاق أو التوافق على تعريف واحد وموحد للمصطلح. ذلك الاختلاف الذي تحول إلى خلاف حول معنى ودلالة المصطلح تحول إلى ما يشبه العقدة في التعامل في إطار المشهد السياسي بين العلمانيين من جهة والإسلاميين تحديداً من جهة أخرى، مما ألقى بظلاله على ملفات عدة في العالم العربي على رأسها الثورة والتنمية.
من الناحية العلمية واللغوية المحضة، نجد أن "العلمانية" ترجمة غير دقيقة، بل غير صحيحة لكلمة "Secularism" في الإنجليزية، أو "Secularite" أو "Lauque" بالفرنسية، وهي كلمة لا أصل لها بلفظ "العلم" ومشتقاته، على الإطلاق. أما الترجمة الصحيحة للكلمة فهي "اللادينية" أو "الدنيوية" (أو الترجمة الحرفية باللائكية)، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص، وهو ما لا صلة له بالدين أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد.
وسبب هذه الترجمة الخاطئة أن من تولوا الترجمة لم يفهموا من كلمتي "الدين" و"العلم" إلا ما يفهمه الغربي المسيحي منها. ذلك أن تيار العلمانية نشأ في القرون الوسطى التي شهدت حكم الكهنوت وتسلط الكنيسة على الحياة الاجتماعية في أوروبا، ومعارضتها الشديدة للعلم والعلماء، الذين اتهمت أكثرهم بالزندقة والتخريف، بل أعدمت وأحرقت بعضهم. ويتضح هذا المعنى المباشر للعلمانية مما أوردته المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية المختلفة للكلمة.
وليس هذا ما يعنينا من موضوع العلمانية والعلمانيين، فكثير من التيارات السياسية والفكرية انتشرت في بلادنا ونقلت إليها بعد تجربتها في مواطنها الأصلية، ثم عدلت بما ينسجم بدرجة أو بأخرى مع واقعنا. ما يهمنا هنا هو حقيقة العلمانية في بلادنا اليوم، بعد تأكيد مبدأين رئيسين:
الأول تطور العلمانية عبر الزمن، والثاني تعدد مفاهيم وممارسات العلمانية في البلاد المختلفة.
فمما لا شك فيه أن العلمانية نشأت لتحرير المجتمع وتحديداً العلم من سطوة الكنيسة (الدين) وإبعاد الأخيرة عن أي دور أو تأثير في المجتمع، بينما لا يؤمن بالضرورة كل علماني اليوم بهذا المبدأ، بل ربما يؤوله إلى "التمييز" بين ما هو سياسي وما هو ديني، أو بما يحقق الاستقلالية للعمل السياسي بعيداً عن هيمنة النص الديني، الذي يحفظه ويتقنه البعض دون البعض الآخر.
كما ان العلمانية ليست نمطاً ولا قالباً واحداً بل عدة علمانيات، ما بين العلمانية الفرنسية المتشددة والعلمانية البريطانية المتساهلة، وكل ما بينهما من ألوان الطيف. كما أنها تحمل تفسيرات عدة، مثل إبعاد الدين تماماً عن الحياة السياسية (كما في فرنسا)، والحفاظ على مسافة واحدة من كل الأديان والأقليات (كما في معظم الدول الأوروبية)، مروراً بالصيغة التي تخطت فصل الديني عن السياسي لتصل إلى "إخضاع" الديني للسياسي (في تركيا سابقاً على سبيل المثال).
هنا تبرز لنا عدة مفاهيم خاطئة يحسن سبر أغوارها قبل إصدار الأحكام الجزافية. فمن هذه المفاهيم أن العلمانية ديدن العصر الحاضر وقالب العلم الذي لا يقبل النقاش، حيث تتبعه وتطبقه "كل" الدول المتقدمة في عصرنا، بينما تقول الحقائق أن دولتين فقط في كل أوروبا ينص دستورهما صراحة على علمانية الدولة، هما فرنسا والبرتغال.
المفهوم الآخر الذي يجب تصحيحه، هو التطابق بين الديمقراطية والعلمانية الذي تحاول التيارات العلمانية في بلادنا الإيحاء به، بينما لا يقوم دليل واقعي ولا تاريخي على هكذا ادعاء. فهناك ديمقراطيات قامت بلا علمانية كمعظم الدول الأوروبية، وهناك علمانيات قامت بلا أدنى معايير الديمقراطية مثل تركيا والمكسيك.
المفهوم الثالث والأخير الذي يجدر بنا تحريره وتصحيحه، والذي يقع به بعض الإسلاميين، هو الحكم على العلمانيين بالكفر أو الردة، باعتبار ذلك من أمور العقيدة، مدفوعاً بالتصور أن كل علماني بالضرورة رافض لحكم الدين أو منكر لنصوص الشريعة. والحق أن العلمانيين ليسوا على قلب رجل واحد في هذا كما أسلفنا. ولئن ذكرنا أن العلمانية تعني "اللادينية" من حيث اللغة، فإن التطور التاريخي والمراحل التي مرت بها العلمانية (كما غيرها من التيارات الفكرية والسياسية الوافدة إلينا من الغرب) أدت اضطراراً إلى نوع من التكيف، وإلى تحول العلمانية من نظرية فكرية اعتقادية إلى رؤية سياسية ضمن الرؤى الموجودة. هنا ينبغي أن نضع في الحسبان القاعدة الأصولية التي تقرر أن الحكم على الشيء فرع من تصوره.
إن السبب الرئيس الذي دفع إلى كتابة هذا المقال بما فيه من تأصيل لغوي وتاريخي وواقعي، هو ما يعانيه العالم العربي والإسلامي من تشتت الجهود وتفرق الكلمة بين تياراته الرئيسة: الإسلامية والعلمانية والليبرالية (بغض النظر عن نسب التواجد والتأثير)، بما يؤخر التنمية فيها ويصعّب من إمكانات النجاح في غير ملف مهم. إن تربص هذه التيارات ببعضها البعض وانعدام الثقة بين أطرافها لهو السبب الرئيس ربما لما نشهده من كثير من الأزمات المعاصرة. حيث ما زال العلمانيون يطالبون الإسلاميين بما يطمئنهم لناحية الإيمان بالديمقراطية وضمان الحقوق الفردية وحقوق الأقليات، بينما يستاء الإسلاميون من رفض العلمانيين لهم وفكرتهم السلبية المسبقة عنهم، لدرجة قبول التحالف مع النظم الدكتاتورية أو الانقلابات العسكرية في مواجهتهم، كما حصل مؤخراً في مصر وغيرها من البلاد العربية.
إن تقدم العالم العربي وبناء مستقبله مرهون بتعاون قواه المجتمعية والسياسية الحية من مختلف أطيافها، بالاتفاق على الحد الأدنى من المبادئ التي تسير عليها البلاد، والتنسيق فيما بينها فيما خص الكثير من الملفات الحساسة، فطائر الوطن لا يطير بجناح واحد مهما كان كبيراً أو قوياً.
إن أول ما نحتاجه هو توافق هذه القوى الإسلامية والعلمانية والليبرالية ضمن تيار عام يقود الشعوب لنيل حقوقها وصياغة مستقبلها، منصرفاً عن المعارك الجانبية التي يجرنا إليها انعدام الثقة وسوء الظن والتربص، تيار أسماه المفكر المغربي محمد عابد الجابري "الكتلة التاريخية" وأطلق عليه المفكر المصري المستشار طارق البشري "التيار الأساسي للأمة"، بينما يفضل الكاتب الكبير الأستاذ فهمي هويدي أن يسميه "الجماعة الوطنية". فهل نرى في المستقبل القريب هذا التيار متحققاً أم أن العوائق أمامه أكبر من أن تُجتاز؟
المصدر:رصد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.