محافظ المنيا: حملات مستمرة على مجازر خلال أيام عيد الأضحى    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    عملية جراحية بانتظاره.. تفاصيل إصابة مبابي في مباراة فرنسا والنمسا    وفاة شاب من محافظة الغربية أثناء أداء مناسك الحج    مقتل عنصر إجرامي في تبادل إطلاق النار مع الشرطة بأسيوط    السيطرة على حريق داخل مخزن للدهانات في الجيزة    قضايا الدولة تهنئ السيسي بمناسبة عودته لأرض الوطن بعد أدائه فريضة الحج    تركي آل الشيخ: تكلفة إنتاج فيلم "ولاد رزق 3" وصلت ل 600 مليون جنيه    أحمد حلمي من كواليس "ميمو" ونيللي كريم في طريقها للسعودية ..10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    وفاة والدة الفنانة الأردنية أميرة نايف    عاجل.. لجنة الحكام تكشف عن 4 أخطاء لحكم مباراة الزمالك والمصري    تطورات إصابة كيليان مبابي الخطيرة    صدمة في فرنسا.. مبابي يخضع لجراحة عاجلة    مسؤول إسرائيلي: عشرات الرهائن في غزة ما زالوا أحياء على وجه التأكيد    مرشحو انتخابات الرئاسة الإيرانية فى أول مناظرة يدعون لحذف الدولار.. ويؤكدون: العقوبات أثرت على اقتصادنا.. النفط يُهدر بنسبة 17% والتضخم تجاوز 40%.. ومرشح إصلاحي يعترف: عُملتنا تتدهور والنخب تهرب والوضع يسوء    الانقسام والتخبط سيد الموقف فى تل أبيب.. نتائج الهُدنة التكتيكية نموذجاً    إعلام إسرائيلي: نقل 3 إسرائيليين للمستشفى لتلقي العلاج بعد تعدي الشرطة عليهم    مصرع شابين غرقا فى نهر النيل بمنشأة القناطر    الجيش الإسرائيلي يعلن قتل ناشط بارز في وحدة الصواريخ بحزب الله    الأرز ب 34 والسكر 37 جنيهًا.. أسعار السلع الأساسية بالأسواق في ثالث أيام عيد الأضحى الثلاثاء 18 يونيو 2024    الزمالك يهدد بمنتهى القوة.. ماهو أول رد فعل بعد بيان حسين لبيب؟    إسعاد يونس: مسرحيات عادل إمام أثرت خزينة الدولة.. والهجوم عليه لم يُطفئ نجمه    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    عبدالحليم قنديل ل"الشاهد": طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    «الأزهر» يوضح آخر موعد لذبح الأضحية.. الفرصة الأخيرة    لسبب جسدي.. أنس جابر تعلن غيابها عن أولمبياد باريس 2024    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    تراجع سعر سبيكة الذهب اليوم واستقرار عيار 21 الآن ثالث أيام العيد الثلاثاء 18 يونيو 2024    من مشعر منى.. ولي العهد السعودي يوجه رسالة للعالم عن غزة    أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس يكشف السيناريوهات المتوقعة عقب حل مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    في ثالث أيام العيد.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر ودرجات الحرارة المتوقعة    بيان عاجل من وزارة السياحة بشأن شكاوى الحجاج خلال أداء المناسك    تعليق عاجل من الخارجية الأمريكية بشأن قرار نتنياهو بحل مجلس الحرب الإسرائيلي    بعد الارتفاع الأخير.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 18 يونيو في ثالث أيام العيد    وزراء البيئة بالاتحاد الأوروبي يوافقون على قانون استعادة الطبيعة    عيد الأضحى يطل على غزة من نافذة الحرب والدمار    االأنبا عمانوئيل يقدم التهنئة بعيد الأضحى المبارك لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    مصطفى عمار: عادل إمام سفير فوق العادة للكوميديا المصرية في الوطن العربي    «وجه رسالة لجمهور الزمالك».. تركي آل الشيخ: «أعرف الوسط الرياضي المصري جيدًا»    بعد الفوز على الزمالك| لاعبو المصري راحة    قائمة الاتحاد السكندرى لمواجهة الأهلى.. غياب مابولولو وميسى    حل مشكلة الصرف الصحى بدير جبل الطير بالمنيا    التحقيق مع حداد مسلح أشعل النيران في زوجته بسبب خلافات بينهما بالعاشر    شقق التضامن الاجتماعي.. تفاصيل تسليم 1023 وحدة سكنية ب 400 مليون جنيه    وكيل «صحة الشرقية» يقرر نقل 8 من العاملين بمستشفى ههيا لتغيبهم عن العمل    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    انتبه- 3 روائح يصدرها جسمك عند الإفراط في لحم العيد    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب العوان

لاحظ أيها الأستاذ هذا المشهد: إثنان يقفان على شفا حفرة من النار، ظالم بغى على مظلوم ثم قال له إن قاومتني سقطنا معا في حفرة النار، فقال المظلوم السقوط فيها خير من البقاء معك، ثم تشبث به وقفز إلى الحفرة، فأيهما تلوم؟
أيها الأستاذ، أرأيت لو أنه لم تكن ثمة حفرة من النار، بل حقل طيب، ثم قمتَ أنت بحفرها سنة بعد سنة، لتلقي خصومك فيها، وكلما ألقيت فيها خصما أورثت أهله ثأرا، فخفتهم، فاقتضى خوفك أن تلقيهم في الحفرة، واقتضى إلقاؤك إياهم فيها توسيعها، فما برحت توسعها حتى وصلت حافتها إلى قدميك، فهل ينجدك أحد لو قمت تصيح، أيها الناس أدركوني فإني على شفا حفرة من النار؟
أرأيت لو كان هناك من أجابك، لا حبا فيك بل خوفا من اتساع الحفرة وابتلاعها كل من حولك، وقال لك كف عن الحفر لتنجو، فلم تفعل، واستمررت فيما كنت عليه، حتى حفرت تحت قدميك فسقطت، ثم تشبثت به تجره معك، فنصحه الناس بأن يسحب يده من يدك، فلم يفعل وفاء، لأنه لا يخون صحبه، أفلا يكون تشبثك بيده خيانة له أكثر من تركه إياك لو كان تركك؟
المؤلم في مسألة حفرة النار هو أنه لا أحد يَسمَعُ مَن يَرَى. وإن أبرأ الناس من الذنوب هم أشد الناس إحساسا بالذنب، فأخبرني، أخي القارئ أين أذنبنا:
ففي أول الحرب السورية دعونا مع الداعين إلى أن لا تقتل الحكومة الناس وأن تُجرى انتخابات رئاسية وتؤلف حكومة وحدة وطنية وأن تُحل الأجهزة الأمنية، فلم نُسمع.
ثم حين تفاقم الأمر إلى الحرب، وقعنا في أزمة أخلاقية، فلا يمكننا دعم نظام يقتل المدنيين والأطفال والنساء ويعذب المعتقلين، ولا يمكننا دعم معارضة تحالفت مع الولايات المتحدة الأمريكية ودعت إلى التدخل العسكري الأجنبي في بلادها، وما تجربة العراق ببعيدة عن بالنا. ولا يمكننا تيئيس الناس الغاضبين لدمائهم، ولا يمكننا بث الأمل فيهم لمعرفتنا أن حربهم المنتصر فيها مهزوم مهما فعل، وأنها لن تنتج الحكم الديمقراطي الرشيد الذي ينشده بعضهم، بل هي المذابح ثم الاحتلال، ولم يكن يمكننا الصمت إزاء هذا الهول، فلم نجد بدا من التحذير مما نرى: هذه حرب أهلية، آخرها غزو أجنبي، مهما سميتموها.
ثم حين طالت الحرب أكثر، وقصفت إسرائيل دمشق، ولم تتعرض إسرائيل لأي رد سواء من الحكومة أو من المعارضة، أدركنا أن البلاد أصبحت، بسبب اقتتالها الداخلي، لقمة سائغة لأعدائها، وأن إسرائيل لا يمنعها من تدمير البلاد إلا أنها ترى أهلها يدمرونها بأيديهم بلا جهد منها. فبحثنا عن حل إقليمي، وكان الحكم في مصر ما يزال حكما مدنيا منتخبا وله علاقات طيبة بكل من إيران وتركيا والجماعات الإسلامية المختلفة، فدعونا إلى أن تطرح مصر على كل من إيران وتركيا، في إطار اللجنة الرباعية، فكرة قوة حفظ سلام إقليمية مشتركة، بمشاورة مع الحكومة السورية والمعارضة في مفاوضات يُدعى لعقدها بالقاهرة، تشرف على انتخابات رئاسية، ويكون وجودها ضمانة للموالاة إذا ربحت المعارضة وضمانة للمعارضة إذا ثبتت الانتخابات الحكم في دمشق. وكنا نرى في التقارب الاستراتيجي المصري الإيراني، بالتنسيق مع تركيا صاحبة العلاقة المعقولة مع كليهما، حصارا لإسرائيل ورأبا للصدع الطائفي في الأمة، وحماية للشعب السوري من الانتقام المتبادل، وحماية للمقاومة اللبنانية والفلسطينية. فلم نُسمع لا هنا ولا هناك، وأتانا الهجوم من صحفيي الموالاة وصحفيي المعارضة.
ثم حين قرر الرئيس المصري آنذاك قطع العلاقات مع دمشق بينما هو لم يقطعها مع تل أبيب، عارضنا ذلك لأنه يقلل من قدرة مصر على تنفيذ ذلك الحل الإقليمي لإنهاء الحرب الأهلية، ولأن الخطاب المُتَبنّى كان خطابا يزيد من الشحن الطائفي ويعمم كارثة الانقسام على سائر المشرق.
ثم حين قامت حربان استفردت فيهما إسرائيل بالمقاومة الفلسطينية في غزة، رأينا أن المقاومة اللبنانية لو أنجدت المقاومة الفلسطينية المحاصرة من الجنوب والشمال والمتروكة من حلفائها، فستعيد توجيه بوصلة الأمة بعيدا عن الاقتتال الطائفي. فلم يكن شيء من ذلك.
فإن كنا أخطأنا فإنا نسترشد، أيها الأستاذ القارئ، برأيك الكريم، ولا ندعي أن عندنا أية إجابات أكيدة، إنما هو القلق الوجودي على الأمة كلها. فإن الحرب الأهلية السورية اليوم، لم تعد سورية، بل أصبحت عراقية يمنية لبنانية، تسيح كالدهن على الخريطة. وإنه ليس لها إلا طريقان:
أما الطريق الأولى ويبدو أن الجميع سائر فيها، فهي سقوط الحكومة التي أساءت إدارة الأزمة منذ اليوم الأول، وقصفتهم بالبراميل ودفنتهم أحياء. ولكن لن تخلفها حكومة ديمقراطية، بل تدخل الحرب الأهلية مرحلتها الثانية، حيث لا تكون بين نظام وتنظيمات، بل بين طوائف، أي بين شعب وشعب، يعادي الرجال الرجال والنساء النساء، وفي هذا كارثة إنسانية لها أول وما لها آخر، ولم تشهد لها المنطقة مثيلا منذ الحرب العالمية الأولى. وبينما تختلف التنظيمات المعارضة على السلطة في دمشق كما كانت الحال في كابول في التسعينيات، تستمر الحرب من بيت لبيت، ومن قرية لقرية في الساحل. الأغلبية ترى نفسها مظلومة كأقلية، بسبب ما صُنع بها، وستخاف خوف الأقليات وتقتبس شراسة الخائف، وهذا مضافا إلى عددها الجم، يعني أن تغييرا جذريا في ديمغرافيا المنطقة على وشك الحدوث. وبعد مرور سنة أو اثنتين، وبعد أن تتعدى أعداد الضحايا الخيال، ربما تنتهي الحرب باجتياح أجنبي، أمريكي على الأرجح، بغطاء دولي، تطالب به كل القوى لوقف المذبحة ومنع توسعها، ويظهر الغازي المحتل بمظهر المنقذ. إن هذا السيناريو، مريح لكافة الأطراف الدولية، لأنه يفتح لها باب التدخل واسعا، فسيتركونه يحصل، كما تُركَتْ بلاد من قبل في وسط إفريقيا وشرقها وغربها.
وأما الطريق الثانية التي لا يبدو أن أحدا يفكر، مجرد تفكير فيها، فهي اشتباك مع الاحتلال، عدو طائفتَي الأمة الكُبْرَيَيْنِ المشترك، وقد كاد الناس ينسون أن في سوريا أرضا محتلة، بما يحول هذه الحرب الأهلية إلى حرب إقليمية ويعيد اصطفافات أطرافها، وربما، أقول ربما، ينقذ ما يمكن إنقاذه من وحدة هذه الأمة. وإني أقول وحدة الأمة، لا الحكومة، فالأمر الآن أكبر من أي حكومة، وأكبر حتى من أي بلد واحد.
إنني لن أنهي هذا المقال باقتراح أدعو إليه أو موقف ألتزمه، ولكن بالسؤال العام لمن يقرؤه، ماذا ترون؟ ماذا تقترحون؟ هل ترون أن أي طرف من الأطراف الموالية أو المعارضة في سوريا اليوم، قادر على إبقاء البلد موحدا، والناس أحياء، هل يقدر طرف في سوريا على نزع السلاح من حلفائه ناهيك عن خصومه؟ هل يقد رأي طرف فيها أن يمنع التفاني الطائفي القادم وما يستتبعه من اجتياح أجنبي في مقبل السنين؟ إنني سأقرأ كل رد برغبة صادقة في المعرفة، وأنهي هذا المقال بشعر من حروبنا الأهلية الأولى، لقيس بن زهير:
فإن تكُ حربكم أمست عوانا فإني لم أكن ممن جناها
ولكن وُلْدُ سَوْدَةَ أرثوها وحشوا نارها لمن اصطلاها
هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.