(تعقيبًا على مقال: متأكد سعادتك؟؟) هناك مجموعة من الكتاب والمغردين الذين إن رأيت لهم بوستا أو تغريدة، أحرص على قراءتها بانتباه اعتقادًا مني أنني سأجد غالبًا شيئًا قيمًا يستحق القراءة.. وأنت منهم أستاذ أحمد. هذه مقدمة لابد منها في التعقيب على مقالك، حتى لا يتبادر إلى ذهن أي أحد أن المسألة شخصية. وسأحاول أن كون موضوعيا قدر الإمكان. عزيزي أحمد: رغم لهجة السخرية التي قد تبدو في عنوان مقالك الذي عقبت به على مقالي؛ فإنني أعتقد أن ما دفعك إلى كتابته هو فقط عنوان مقالي الذي استفزك لكتابة هذا المقال. لذلك أود توضيح بعد النقاط، محاولا أن أزيل بعض اللبس: 1- الضمير في عنوان مقالي "الإخوان يسبقونكم بسنين ضوئية" يعود على الفئات الثلاثة التي شاركت في الانقلاب والتي ذكرتها في المقال؛ الجيش - أنصاف المثقفين وعتاة المنافقين - قطاع من الناس رأوا أن الإخوان سبب أزماتهم الحياتية، وأن البلد عاوزة واحد عسكري. في ضوء ذلك، وإلى هذه الفئات - وليس غيرهم - وجهت كلامي، وهو كلام يصح في حق قيادات وضباط الجيش الذين آمنوا أنه طالما أن السيسي لم يحصل على نجمة زيادة ولم يترق ولم يصبح رئيسًا، فإن ما جرى ليس انقلابًا! ويصح كلامي أيضا في حق أنصاف المثقفين وعتاة المنافقين الذين رفضوا بقوة أي حديث عن انقلاب عسكري في 3 يوليو؛ كالبرادعي وبلال فضل وعلاء الأسواني وياسر الهواري وعلاء عبد الفتاح، أو أحمد ماهر مؤسس 6 إبريل الذي اعترف في رسالة كتبها بنفسه أنه كان يعلم أن الانقلاب قادم، وأن الدماء ستسيل أنهارًا، وأن الذي أخبره بذبك قيادات عسكرية! كما اعترف من قبل في حوار له على تويتر بعد 3 يوليو مع وائل عباس أنه انقلاب عسكري لكنه لن ينزل إلى ميدان رابعة! وغير هؤلاء كثيرون ممن أيقنوا أنه انقلاب لكنهم قبلوا بالنوم في سرير العسكر والوصول للسلطة على ظهر دبابة، أو صدقوا أن العسكر لا نية له في الوصول للسلطة، وأنه فعل ذلك من أجل الشعب الذي لم يجد من يحنو عليه! هؤلاء نحن نسبقهم بسنين ضوئية بلا شك! ويصح كلامي بالتبعية على قطاع من الناس أيد الانقلاب ظنا منهم أنه سيحسن أوضاعهم، ولم يكفهم 60 عاما من حكم العسكر ليعلموا أن العسكر والرخاء لا يجتمعان! أما مقولتك "التأسيس لدولة ما بعد 3 يوليو استنادًا على دستور يكتبه "موظفين" لدى جنرال عسكري، هو بالضبط تعريف الانقلاب العسكري" فاسمح لي هي ليست بالمقولة الدقيقة! فبمجرد اعتقال وزير الدفاع للرئيس المنتخب وحله البرلمان وتعطيله الدستور، يكون قد قام بانقلاب متكامل الأركان، حتى وإن كتب الدستور أشخاصًا منتخبون وليسوا "موظفين"، والخلاف حول ما إذا كان من يكتب الدستور موظفا أو منتخبا بعد الانقلاب والمجازر الجماعية ترف فكري أو تسطيح للأمور. *** 2- التفريق بين 30 يونيو و 3 يوليو لا يجب ولا يصح ومن غير المعقول! فعلى مدى سنة كاملة لم يكن على ألسنة مؤيدي الانقلاب على الجزيرة إلا "ثورة 30 يونيو العظيمة" و "خارطة الطريق" التي لم يتحقق منها شيئا سوى الانقلاب على الرئيس المنتخب. وإذا كان هناك من شارك في مظاهرات 30 يونيو وهو حقا لايريد إلا انتخابات رئاسية مبكرة، وقبل في سبيل ذلك بالوقوف في ميدان واحد مع شفيق وعكاشة وآسفين ياريس وفضالي والزند ولميس وأديب وعمرو موسى، وأحمد جمال الدين المتهم الرئيسي بقتل 8 معارضين أمام الاتحادية منهم الحسيني أبو ضيف، بالإضافة إلى اثنين من المؤيدين؛ إذا كان هناك من قبل بذلك ولم يفطن أنه سيستخدم كحذاء يلبسه العسكر حين اللزوم ثم يخلعه لاحقا - بتعبير هيكل في كتابه باللغة الإنجليزية "قطع ذيل الأسد" - فهو متأخر عن المشهد بسنين ضوئية بلاشك! *** 3- الإخوان لم يكن باستطاعتهم أن يصدوا انقلابا! هذه حقيقة لا يجب تجاوزها أو القفز عليها. لسبب بسيط ؛ أنه لا يصد البندقية إلا بندقية مثلها، ولا الدبابة إلا دبابة مثلها! وقد ذكر الفريق الركن سعد الدين الشاذلي في مذكراته القيمة "مذكرات حرب أكتوبر" أن الجيش حصل على دبابات سوفيتية جديدة قبيل حرب أكتوبر أطول مدى من تلك الموجودة في الجيش بالفعل، لكن السادات آثر بها الحرس الجمهوري ولم يعطها للجنود على جبهة القتال، خشية من أن يحدث ضده انقلاب عسكري، وأنه لو كانت هذه الدبابات ضمن الأسلحة التي يمتلكها الجيش الثالث المحاصر في السويس جراء الثغرة، لما استفحل الأمر بهذا الشكل!. السادات خشي من انقلاب إذا حصل الجيش على دبابات أقوى من تلك الموجودة في الحرس الجمهوري، فما بالك إذا كان الجيش والشرطة والحرس الجمهوري جميعا ضد الرئيس المنتخب، وقد عقدوا النية على الانقلاب عليه واستعادة السلطة تحت غطاء مظاهرات "ماتينيه" لبضع ساعات؟؟. صحيح أن الإخوان كان بإمكانهم تعرية هذا الانقلاب أو فضحه أكثر، أو التعامل معه قبل أن يقع بشكل أفضل، لكن في اعتقادي أنه مهما حاول الإخوان فإن الانقلاب كان سيحدث! لسبب بسيط أيضا؛ أن النية للقيام بانقلاب عسكري كانت منعقدة قبل ذلك بشهور، كما تبين بعد ذلك بأدلة كثيرة. ومع ذلك فقد كان الإخوان منفتحين على كافة المبادرات التي طرحت في ذلك الوقت للخروج من الأزمة، حتى وإن تضمن ذلك انتخابات جديدة، وهذا باعتراف الجميع بما فيهم البرادعي، لكن الجيش كان قد حسم أمره بالقضاء على المسار الدستوري وأكبر جماعة منظمة تدعم هذا المسار "الإخوان المسلمون". فقتل منهم الآلاف واعتقل عشرات الآلاف. وهنا يجب الإشارة إلى نقطتين في غاية الأهمية: 1- كل من كان في الميدان كان يدرك عواقب ذلك، فمنذ مجزرة الحرس الجمهوري أيقن الجميع أن اعتداءات الثورة المضادة تخطت الشرطة والبلطجية، لتشمل القناصة والمدرعات والدبابات والمروحيات! تكرر الأمر في مجزرة المنصة وفيما بعدها! لكنهم كانوا هناك مختارين لشدة وعيهم أن الانفضاض من الميدان الآن يعني اغتيال الثورة، كما حدث في أزمة مارس 1954. 2- كان بالإمكان - نظريا - الحفاظ على هذه الأرواح والاعتقالات، بالتنازل عن الشرعية والقبول بالانقلاب، لكن ذلك كان يعني انتهاء الثورة، ونزع الشرعية عن أي عمل مقاوم للانقلاب بعدها، فبالله عليك، أي الخيارين أفاد الثورة أكثر: رفض الانقلاب ودفع ثمن ذلك، أم القبول به والحفاظ على الصف؟؟ *** 4- مقال "الإخوان يسبقونكم بسنين ضوئية" كان يتحدث - حصرا - عن الموقف من الانقلاب وردود الأفعال عليه، فقط، وليس عن المواقف السياسية للإخوان التي تتفق معها وتختلف، أو الأخطاء التي اعترف بها الإخوان، أو المطالبات التي ينادي بها كثيرون لتطوير الجماعة لتواكب الأحداث وقد كنت أحد هؤلاء. الإخوان كما تعلم جماعة كبيرة، وفي رأيي هناك تياران داخل الجماعة، أحدهما ثوري والآخر إصلاحي، وهذا أمر لا يخفى على مراقب. كما أن الأخطاء موجودة وواردة، وهناك حراك داخل جماعة الإخوان الآن لا تخطئه عين، لكن ما شأن ذلك بالموقف من الانقلاب؟؟ بمجرد انتخاب الرئيس محمد مرسي أصبح الأمر لا يتعلق بجماعة الإخوان العقائدية التي تجتهد، وتصيب وتخطئ، بل برئيس منتخب، انتخبه الإخوان وغير الإخوان، وربما بعض من غير المتدينين أو حتى من غير المسلمين! هؤلاء لم يختاروا بالضرورة أن يكونوا ضمن صفوف الإخوان، لكنهم انتخبوا الرئيس الذي رشحه الإخوان واختاروه في صناديق الاقتراع، والفارق كبير! وبناء عليه؛ إذا كان لا يعجبك آداء يحيي حامد - وهو آداء يعجب الكثيرين بالمناسبة- أو ربما لا يعجبك آداء باسم عودة وزير التموين الفذ والاستاذ الجامعي النابه، أو آداء رئيس الحكومة هشام قنديل، أو حتى آداء الرئيس نفسه، فإن الحل كما في أي دولة تحترم نفسها ألا تعطيهم صوتك في أول انتخابات مقبلة، وليس بالتظاهر مطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة وإعطاء مبرر وغطاء للعسكر المتحفزين للانقلاب العسكري! ولا علاقة لذلك إطلاقا بالموقف من الإخوان! *** 5- الإخوان هم العمود الفقري لمواجهة الانقلاب الآن. صحيح أن هناك كثيرين من غير الإخوان يواجهون الانقلاب، إلا أن مثل الإخوان ومثلهم كالعمود في الخيمة. يقيم الخيمة رغم أنها تمتد لمساحات أبعد منه، لكن وجوده مهم لثبات هذه الخيمة، وكلما ترسخ عمود الخيمة كلما ترسخت أركانها وازدادت مقاومتها واستطاعت الصمود أمام الرياح. وعليه فلا يستطيع أي فصيل أن يدعي مسؤوليته عن الحراك الموجود في الشارع إلا الإخوان المسلمون. إنهم الطليعة اللازمة لأي ثورة كي تنطلق وتستمر، مع الأخذ في الاعتبار أن أي ثورة لا تنجح إلا إذا انضم لها قطاع معتبر من الناس، وكتاب "روح الثورات والثورة الفرنسية" لجوستاف لوبون مهم في هذا الشأن. *** وأخيرا أستاذ أحمد فإن عنوان مقالي التي يبدو أنه استفز البعض لا أقصد به أي كبر أو استعلاء! على العكس فقد تعلمنا في سورة يس أن رجلا لا نعرف اسمه جاء من أقصى المدينة يسعى، تأجل بسببه عذاب مدينة جاءها ثلاثة أنبياء! وتعلمنا من سورة الكهف أن رسولا من أولي العزم، كليم الله، وهو سيدنا موسى عليه السلام ذهب ليأخذ العلم من رجل ليس برسول ولا نبي، ولم يستطع أن يصبر على أفعاله لأنه لا علم له بما لدى هذا الرجل من علوم! وقد تربينا أن رجلا في غزوة بدر جاء من آخر الصفوف وعدل موقع جيش المسلمين الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم! لم يكن معروفا قبل هذا الموقف وربما لم يذكر بعدها! لا لم يكن مقالي عن كبر أو استعلاء، بل لأنني أرى وجها كالحة ظلت تردد لشهور أن ما جرى لم يكن انقلابا، وأنهم وضعوا بأنفسهم "خارطة طريق" قد امتثل لها الجيش، وأن السيسي إذا استبد أو خالف الاتفاق الذي اتفقوا عليه فإنهم سينزلون للتظاهر ضده! وبعد كل هذا القتل والاستبداد والقمع والفساد وعودة رجال مبارك ومبارك نفسه، نراهم بدلا من أن يتواروا خجلا، ويعتذروا عن خطاياهم؛ يطالبون الإخوان بالاعتذار! وإذا تظاهروا يوما تظاهروا فقط لتحسين قانون التظاهر أو قانون الانتخابات! وإذا حنوا يوما إلى التظاهر لم يفتحوا ميدانا أغلق بالدبابات، ولم يتظاهروا أمام منزل وزير الداخلية بملابسهم الداخلية التي يبدو أنهم خلعوها يوم أن قبلوا بالانقلاب، بل ذهبوا إلى الصحراء الجرداء ليعلنوا أن مرسي مثل مبارك والسيسي!! بالله عليك؛ عمرك شفت سفالة أكتر من كده؟؟ هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه