في صباح يوم الأربعاء الموافق 18 فبراير أطلق مسلح عدة طلقات نارية في سوق الأربعاء بقرية الماسورة التابعة لمدينة رفح المصرية، وغادر بعدها السوق، وبعد مرور ما يقارب من نصف ساعة توجهت الحملة الأمنية نحو السوق وأطلقت الرصاص العشوائي علي البائعين والمارة فهرب كل من كان في السوق وانبطح من لم يتمكن من الهروب، ثم توجهت الحملة بعد ذلك نحو المعهد الأزهري بالقرية وقامت باعتقال المدرسين لعدة ساعات إضافةً لقصف مدرسة عمر بن الخطاب ما أدي لتوقف الدراسة بكلتا المدرستين. مشهد علي الرغم من عبثيته إلا أنه اختصر أحداث أكثر من عام ونصف في محافظة شمال سيناء تحديدًا مدينتي رفح والشيخ زويد، حيث العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش لمحاربة الإرهاب المزعوم، وخلال تلك الفترة يخرج المتحدث العسكري بين الحين والآخر معلنًا القضاء علي عشرات التكفيرين دون أن يقدم أي دليل مرفق مع تصريحاته علي إدانة أي من الأسماء التي يعلن عن مقتلها أو إعتقالها. وفي الوقت الذي يتحدث فيه قائد الانقلاب السيسي بالقضاء علي الإرهاب في سيناء تأتي عملية كرم القواديس لتفضح عبثية المنظومة العسكرية التي جعلت من جنود الجيش صيدًا سهل المنال لمسلحي بيت المقدس بعد أن ورطتهم في حرب قبل أن يتلقوا التدريبات الكافية التي تمكنهم علي الأقل من الدفاع عن أنفسهم. وكان الإجراء الأمني الذي اتخذه الجيش هو فرض حظر التجوال وتهجير سكان المنطقة الحدودية وإنشاء منطقة عازلة، وبدلًا من أن تساعد تلك الإجرائات في قمع التنظيم المسلح نجدهم يعلنون مبايعتهم لتنظيم الدولة الإسلامية ليتحول من تنظيم بيت المقدس إلي تنظيم "ولاية سيناء". مبايعة بيت المقدس لتنظيم الدولة هي أبلغ برهان علي فشل العمليات العسكرية وعبثيتها، إذ أن البيعة لم تكن مجرد إجراء رمزي تغير علي أثرها الإسم فحسب، بل تعتبر بمثابة نقلة نوعية وتغير شامل في أداء بيت المقدس في سيناء، فبعد ما يقارب من ثلاثة أشهر تحت حظر التجوال وإخلاء الشريط الحدودي تأتي عمليات 29 يناير لتثبت عبثية مايقوم به الجيش. فعمليات 29 يناير تعتبر أكثر احترافية من كل العمليات السابقة حيث شهدت مدينة العريش عشر انفجارات ضخمة في وقتٍ واحد حدثت على مراكز للقوات المسلحة أشهرهم الكتيبة 101 تزامنًا مع مهاجمة الإرتكازات الأمنية في مدينتي الشيخ زويد ورفح، ورغم تضارب أرقام الضحايا ولكن جميع التصريحات تؤكد أن عدد القتلي تجاوز الثلاثين قتيلًا. وأمام هذا الأداء الإحترافي لولاية سيناء يخرج المتحدث العسكري ببيان عبثي علي صفحته الرسمية يقول فيه: "نتيجة للضربات الناجحة التى وجهتها القوات المسلحة والشرطة المدنية ضد العناصر والبؤر الإرهابية خلال الفترة الأخيرة بشمال سيناء، وفشل جماعة الإخوان الإرهابية والعناصر الداعمة لها لنشر الفوضى فى الذكرى الرابعة لثورة (25 يناير) المجيدة ... قامت عناصر إرهابية مساء اليوم 29 / 1 / 2015 بالإعتداء على بعض المقار والمنشآت التابعة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية بمدينة العريش بإستخدام بعض العربات المفخخة وقذائف الهاون... وجارى تبادل إطلاق النيران والتعامل معهم". نعم لم يخطيء المتحدث العسكري فسر قوة العناصر والبؤر الإرهابية هي تلك الضربات الناجحة التي توجهها دوما القوات المسلحة والشرطة المدنية خلال الفترة الأخيرة بشمال سيناء وذلك لأنها دوما توجه ضد المدنيين والأهالي الأبرياء كما لو كان الهدف القضاء عليهم لا علي المسلحين ، فبعد عمليات 29 يناير شهدت المناطق المحيطة بكمين والي لافي ( وهو أحد الإرتكازات الأمنية التي تم مهاجمتها ) حملات أمنية واسعة وأجبرت قوات الجيش الأهالي علي إخلاء منازلهم دون تعويض بزعم أن المسلحين يختبئون فيها ، ومن لم يترك منزله بالتهجير القسري تركه فارا من القصف المتواصل من قبل قوات الجيش علي المدنين الذي راح ضحيته إمرأتين الأولي : تدعى رسمية سليمان ام عودة والثانية هي زوجة المواطن جمعة حسان و طفلته بالإضافة لبتر يد طفلة نتيجة إصابتها بقذيفة من قذائف الجيش، هذا فقط في منطقة والي لافي وفي خلال الثلاث أيام التالية لعمليات 29 يناير إضافة للإجرائات الأمنية التي شملت غلق كمين الخروبة وكمين الماسورة وكمين والي لافي وإنشاء كمين جديد علي مدرسة جرادة الإبتدائية والتي تقع علي الطريق بين كميني الريسة والخروبة مما أدي لتعطل الدراسة فيها وتلك هي قمة العبثية أن يحارب الإرهاب بنشر الجهل وتعطيل الدراسة . وبعد ما يقارب من أسبوعين من الإجرائات الأمنية التي تخللتها تصريحات للمتحدث العسكري يتناول إنجازاته في القضاء علي البؤر الإرهابية وفي يوم السبت الموافق 14 فبراير شهدت مدينة الشيخ زويد إنفجارين يفصل بينهما عشرة دقائق لسيارتين مفخختين كانت تستهدف قسم الشيخ زويد وحسب شهادة أحد سكان المنطقة قال لنا: "كنت متواجدا بموقف سيارات الشيخ زويد و شاهدنا سيارة نصف نقل محملة بالخضروات والأثاث تسير في إتجاة القسم ظننا أنه تائه لا يعرف أن هذا الطريق مغلق وما هي إلا لحظات حتي سمعنا صوت إنفجار إهتزت له المباني وتكسر زجاج نوافذ البيوت والمحلات التجارية ، هربنا جميعا وقبل مرور عشر دقائق سمعنا إنفجار آخر ولكنه كان أقوي من الإنفجار الأول وقد تسبب الإنفجار الثاني في تطاير نوافذ وأبواب بيتي الذي يبعد أكثر من ثلاثة كيلومتر عن القسم". وأضاف شاهد آخر من سكان منطقة الكوثر وهو أحد الأحياء القريبة من قسم الشيخ زويد: "المسلحون كانوا متواجدين في منطقة الكوثر بكثافة منذ الساعة السادسة صباحا مروا من أمام منزلي وشاهدهم آخرون بمحيط مسجد الحي وعند مستشفي الشيخ زويد، كما قاموا بزرع لغم علي طريق المستشفي ولكنه لم يوقع أي إصابات وكانوا متواجدين أيضا في منطقة الزهور وكان هناك سيارة ثالثة كانت مفترض أن تتوجه ناحية القسم ولكنها هربت بعد انفجار الثانية". لم تشهد مدينة الشيخ زويد دمارا وخرابا كالذي حدث لها بعد إنفجار السيارتين، إذ تم تدمير واجهات مجلس المدينة وهندسة الكهربا والسنترال ووحده الرعاية الصحية والادارة التعليمية وتم تدمير جميع المحال التجارية القريبة من القسم والمنازل القريبة من القسم وقعت حوائطها وبقت الخرسانة ومعظم منازل الشيخ زويد تحطم زجاج منازلها. وعلي الرغم من أن الجيش أحبط العملية وتعامل مع السيارات ولكن ما هو واضح أن الأمر لم يكن مجرد عملية تستهدف مبني تابع للجيش فقط بل وحسب ما توقعه الأهالي من كم المسلحين المتواجدين أنه مفترض أن الثلاث سيارات يقوموا بمهاجمة القسم في نفس التوقيت يتزامن مع مهاجمة معسكر الزهور ويعقبه إحتلال لقسم الشيخ زويد ومهاجمة القوات من خلاله. وسواء أصابت أو أخطأت توقعات الأهالي يببقي سؤال : كيف تمكن المسلحون من الوصول و الإنتشار بهذه الكثافة في منطقة الكوثر والتي تعد من المناطق الرئيسية بمدينة الشيخ زويد والأعجب أن تواجدهم منذ الساعات الأولي من الصباح أي أن إنتقالهم من أماكن إختبائهم للحي كان وقت حظر التجوال ، فلمن اذا يفرض حظر التجوال إن كان المسلحون يتجولون بحرية خلاله ويحظر على المواطنيين ممارسة حياتهم الطبيعية ؟؟ التطور ليس في الأهداف ولا في التخطيط فحسب بل شمل تطور في أنواع المتفجرات المستخدمة التي تحدث هذا الكم من الدمار ، كيف تطور أداء تنظيم ولاية سينا لدرجة سمحت له أن يمتلك تسليح يحدث هذا الكم من الدمار في دقائق ؟؟ وماذا فعل الجيش ليوقف المد المادي لتنظيم ولاية سيناء غير ملاحقة المدنين وتهجيرهم وحرق العشش والموتسيكلات على حد وصف المتحدث العسكري في بياناته؟ منذ مهاجمة قسم الشيخ زويد والمدينة تعيش في حصار بين قطع شبكات الإتصالات المحمول والأرضي وقطع للمياه والكهرباء بل امتد الأمر ليفرض غلق إجباري للمحلات التجارية بالمدينة بعد الساعة الثانية ظهرا وهو ما أصاب الحياة بالشلل في أرجاء المدينة. ورغم كل ماسبق من إجراءات وبعد مرور ما يقارب من عشرة أيام علي الحادث يعود مسلحون ولاية سيناء في مسيرة حاملين الرايات السوداء تجولوا بأرجاء مدينة الشيخ زويد وأقاموا كمين بنفس الشارع الذي شهد إنفجار السيارتين ليؤكدوا فشل القوات المسلحة في كسر وجودهم وعبثية العمليات العسكرية التي لم تفلح سوي في تدمير الجيش وسيناء معا.